زيارة تايوان آخرها.. ثلاثة عقود من العداء بين بيلوسي والصين

الخطاب من بكين يشير إلى أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، ولن ينتهي بمجرد انتهاء الزيارة

زيارة تايوان آخرها.. ثلاثة عقود من العداء بين بيلوسي والصين
نانسي بيلوسي في تايوان

ترجمات - السياق

شرارة صدام وحرب محتملة تطرق أبواب المحيط الهادىء، بسبب التصعيد المتبادل بين الغرب والصين بشأن جزيرة تايوان، الصدام الذي وصل ذروته بوصول بيلوسي مطار تايبيه، رغم التهديدات التي قطعتها الصين باستهداف أي طائرات تخترق المجال الجوي.

إلى ذلك سلَّطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الضوء على ما سمته تاريخًا من العداء، بين رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي والصين، في أعقاب الزيارة التاريخية التي أجرتها مؤخرًا لتايبيه، وهو ما أثار غضب بكين.

وأشارت الصحيفة، إلى أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي، سبق أن أغضبت الصين، بعد أن رفعت لافتة في ميدان تيانانمين عام 1991.

وشهد ميدان تيانامين في 4 يونيو 1989، هجومًا وحشيًا من الجيش الصيني، ضد عشرات الآلاف من المتظاهرين، ما أدى إلى قتل المئات واعتقال عدد لا يحصى.

دعم تايوان

وأوضحت "فايننشال تايمز" أنه بعد وصول بيلوسي إلى تايوان، نشرت مقالاً تقول فيه إن زيارتها المثيرة للجدل كانت حاسمة لإظهار الدعم الأمريكي للبلاد، في الوقت الذي تواجه فيه ضغوطًا متزايدة من الصين.

وكتبت بيلوسي في صحيفة واشنطن بوست: "في مواجهة العدوان المتسارع للحزب الشيوعي الصيني، يجب أن يُنظر إلى زيارة وفدنا في الكونغرس على أنها تصريح لا لبس فيه بأن أمريكا تقف مع تايوان".

وبهذه الزيارة -حسب الصحيفة- أصبحت بيلوسي أكبر مسؤولة أمريكية تزور تايوان، منذ زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق نيوت جينجريتش لها عام 1997.

وقد واجهت بيلوسي انتقادات شديدة من الصين، التي هددت بإجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان الخميس، لكنها تجاهلت أيضًا مناشدات البيت الأبيض، الذي كان قلقًا من إثارة أزمة مع بكين.

من جانبه، لم يتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بيلوسي عن الرحلة، لكنه أرسل مسؤولين كبارًا لشرح المخاطر، وردًا على سؤال عما إذا كان بايدن يؤيد رحلتها، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إنه "يحترم" قرارها.

لكن بالنسبة لبيلوسي -حسب الصحيفة- فإن الزيارة هي الأحدث بمسيرة الوقوف في وجه الصين.

قناعة طويلة الأمد

وأرجعت كارولين بارثولوميو، رئيسة لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، زيارة بيلوسي، -رغم تسببها في أزمة مع بكين- إلى أن رئيسة مجلس النواب كانت تتصرف بناءً على قناعة طويلة الأمد نتجت جزئيًا عن "مذبحة ميدان تيانانمن" عام 1989.

وقالت بارثولوميو: "لقد شعرت بيلوسي بالرعب بعد أن شاهدت ما حدث في ميدان تيانانمين"، مضيفة: "لقد كانت لحظة حاسمة في نظرتها للصين".

وأوضحت أن بيلوسي كانت ستأخذ المخاطر التي حددها فريق بايدن بالاعتبار، لكنها قالت إنها اضطرت إلى التفكير في العديد من العوامل، بما في ذلك تسريب أنباء خطتها الشهر الماضي في "فاينانشال تايمز".

وتابعت: "أنا متأكدة من أنها فكرت بجدية في ما كانوا يقولون لها من تحذيرات"، مستطردة: "ظهرت أسباب أخرى اضطرتها لإكمال الزيارة، حتى لا يُفهم أن عدم حضورها استسلام للصين".

ونقلت الصحيفة البريطانية، عن ريان هاس، المدير السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الصين وتايوان ومنغوليا، أن بيلوسي شعرت بقوة بدعم الشركاء.

وقال هاس: "بيلوسي تملك سجلًا طويلًا في عدم الانصياع للضغط الصيني، وتشعر بشغف بالتمسك بمبدأ كون الكونغرس فرعًا متساويًا من الحكومة".

ويضيف هاس: "الصينيون لديهم مشاعر قوية جدًا تجاه بيلوسي"، مشيرًا إلى أن احتجاجها العلني في بكين على مذبحة ميدان تيانانمين، كان إلى حد ما "أول غزوة لها على المسرح الوطني"، واتخذت بيلوسي مواقف علنية لعقود بشأن التبت وغيرها من القضايا التي تثير غضب بكين.

كما حصلت بيلوسي، على دعم من بعض أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس، الذين اعتقدوا أن التخلي عن رحلتها كان سيظهر ضعفهم (ففي مجلس الشيوخ، وقَّع 26 من أصل 50 جمهوريًا بيانًا يؤيد الزيارة).

في المقابل، تعرضت الزيارة لبعض الاعتراضات من الداخل والخارج، إذ وصفها رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود، بأنها لعب بالنار.

بينما قال أحد الخبراء الصينيين للصحيفة البريطانية: "الزيارة ستضر تايوان، وتزيد غضب بكين، خصوصًا مع عدم معرفة رد الفعل الصيني".

تصعيد خطير

وعن آثار هذه الزيارة، نقلت "فايننشال تايمز" عن كريغ سينغلتون، الخبير في الشؤون الصينية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن رحلة بيلوسي كانت خطأً يهدد بتصعيد كبير في التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

وقال: "الخطاب من بكين يشير إلى أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، ولن ينتهي بمجرد انتهاء الزيارة"، معربًا عن قلقه من أن تواجه الولايات المتحدة أكبر أزمة في تايوان منذ عقود، مضيفًا: "التدريبات التي أعلنوها خطيرة للغاية"، متوقعًا أن تستخدم الصين قوتها ضد الجزيرة خلال الأيام المقبلة بعد عودة بيلوسي إلى منزلها المريح في سان فرانسيسكو.

في المقابل، يرى بعض المراقبين، أن عدم اتخاذ الصين إجراءات صارمة مع وصول بيلوسي إلى تايوان، خفف درجة قلق واشنطن بشأن التداعيات.

بينما اعتبرت ريبيكا هاينريشس، من معهد هدسون في واشنطن، أن زيارة نيوت جينجريتش في تسعينيات القرن الماضي، وضعت اللبنة لتكرار هذه الزيارة إلى تايوان من قِبل مسؤول أمريكي آخر، وهو ما أثبتته بيلوسي.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه "في حين أن الصين وبخت غينغريتش عام 1997، كان ردها على بيلوسي أكثر قسوة، ويرجع ذلك إلى الحالة المتوترة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فضلًا عن أن جيش التحرير الشعبي أقوى بكثير مما كان عليه قبل ربع قرن".

وتعليقًا على ذلك، قالت جينيفر رودولف، الخبيرة الصينية في معهد ورسستر للفنون التطبيقية، إن المشهد العالمي قد تغير مع صعود الصين كقوة.

وأضافت رودولف: "عندما ذهب غينغريتش إلى تايوان، كانت الصين غاضبة أيضًا"، لكنها أضافت: "لم نكن في المرحلة التي نحن فيها الآن، إذ إن الصين تتحدى بنشاط دور الولايات المتحدة في العالم على جبهات عدة، ويُنظر إليها على أنها القطب العالمي الآخر، وهذا ما يجعل هذه اللحظة محفوفة بالمخاطر ".

عداء خاص

وبينت "فايننشال تايمز" أن لدى الصين عداءً خاصًا مع بيلوسي، يعود إلى عام 1991، عندما زارت ميدان تيانانمين أثناء زيارتها لبكين ورفعت لافتة كتب عليها: "لمن ماتوا من أجل الديمقراطية في الصين".

وتعليقًا على ذلك، قال ريتشارد بوش، الخبير في شؤون تايوان بمعهد بروكينغز الذي ذهب رئيسه السابق مع بيلوسي في رحلة عام 1991، إن الصين كانت تركز على شخصيتها أكثر من كونها تتولى منصب رئيسة مجلس النواب، الذي يأتي في المرتبة الثانية دستوريًا بعد نائب الرئيس.

وأوضح أن الصينيين لا يثقون في بيلوسي، بسبب تصرفاتها في ميدان تيانانمين.

وحسب الصحيفة، كانت بيلوسي أيضًا مدافعة قوية عن المنشقين الصينيين، بما في ذلك مناصرة التشريعات التي وفرت مسارًا للحصول على الجنسية الأمريكية لطلاب صينيين حاولوا الهروب من بلادهم.

وقالت وي جينغ شنغ، المنشقة الصينية البارزة والتي تعاملت بشكل متكرر مع بيلوسي منذ طردها من قِبل بكين: "رصيدها الأساسي أنها استمعت إلى المنشقين".

وأضافت وي، التي رددت وجهة نظر يشاركها الأصدقاء والمعارضون، قد تفسر عزم بيلوسي على زيارة تايوان رغم التحذيرات: "بمرور الوقت، أثبتت أنها على حق في ما يخص رأيها في جمهورية الصين الشعبية أكثر من غيرها".

بينما قال أحد المشرِّعين الديمقراطيين إن بيلوسي تعمل أيضًا على تعزيز إرثها، لا سيما بالنظر إلى أن السيدة البالغة من العمر 82 عامًا ستضطر إلى التخلي عن دور رئيسة مجلس النواب إذا سيطر الجمهوريون عليه، كما هو متوقع، في انتخابات التجديد النصفي لنوفمبر.

وأضاف: "هذا جزء من جولة وداعها في مسيرتها المهنية، إذ كانت تريد دائمًا الذهاب إلى تايوان".