العالم وصل لأزمة مضيق تايوان.. هل يبدأ الصراع المُنتظر؟

الوضع يعتمد على التفاهم المتبادل بين واشنطن وبكين وتايبيه

العالم وصل لأزمة مضيق تايوان.. هل يبدأ الصراع المُنتظر؟

ترجمات-السياق

رأت مجلة ناشيونال إنترست أن أزمة مضيق تايوان لعام 2022 قد حدثت، مشيرة إلى أنه رغم عدم اتضاح كيفية انكشاف الأزمة، أو متى وكيف ستختفي، فإن الظاهر هنا أنه كان من الممكن تجنبها، وأنها من المحتمل أن تؤدي إلى تعميق الفجوة الموجودة بالفعل في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، التي كانت في حاجة ماسة إلى بذل المزيد من الجهود لوقف تراجعها.

وقالت المجلة، في تحليل كتبه بول هير، الذي عمل في المخابرات الوطنية الأمريكية لمنطقة شرق آسيا بين عامي 2007 و2015، إن مسألة ما إذا كان ينبغي على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن تزور تايوان، نقطة خلاف، لكن الأهم أن الزيارة لم تحقق أي شيء إيجابي، أو على الأقل لم تحقق ما يستحق المخاطرة.

لماذا فعلتها بيلوسي؟

وأضافت المجلة: يبدو من الواضح أن قرار بيلوسي بالزيارة كان مدفوعًا بالسياسات الداخلية للولايات المتحدة، كما كان من الواضح أيضاً عدم استعداد الرئيس الأمريكي جو بايدن لثنيها عن الرحلة، إذا يبدو أن الاعتبارات السياسية طغت على أي عواقب استراتيجية محتملة.

وتابعت: "لقد تحول الخطاب المتعلق بالزيارة إلى أي جانب، بكين أم واشنطن، يتحمل مسؤولية الأزمة التي ستشغل كلا منهما الآن، وكما هو متوقع، فإن الجانبين يحملان بعضهما المسؤولية، ورغم أنه من الواضح أن هناك أكثر من جهة مسؤولة عن الأزمة، فقد كانت هناك إشارات تحذيرية وإنذارات صريحة وفيرة تم تجاهلها، ولذا فإن إلقاء اللوم على الآخر لم يعد ذا أهمية".

وذكرت المجلة أنه تم استخدام العديد من الحجج التي وصفتها بـ"الخادعة" لمحاولة تبرير رحلة بيلوسي في مواجهة التهديدات الصينية، إذ أصر عضو الكونجرس رو خانا على أن "الحزب الشيوعي الصيني لا يحق له إملاء جدول سفر رئيسة مجلس النواب".

ورأت المجلة أن تصريح خانا يتجاهل أي احتمال بأن تكون لواشنطن أسبابها الوجيهة للغاية لعدم القيام بشيء لا تريد بكين أيضاً أن تفعله، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة يجب على واشنطن أن تتخذ قراراتها بناءً على هذه الأسباب، بصرف النظر عن تفضيلات بكين.

من يأخذ "النفس العميق"؟

ولفتت المجلة إلى أن هناك أيضاً الحجة التي استخدمها الكاتب في صحيفة واشنطن بوست جوش روجين حين قال: "إذا فعلت الصين شيئاً عدوانياً عند زيارة وفد بيلوسي تايوان، ستكون هي التي بدأت الأزمة، وليست الولايات المتحدة، لذا فإنه يجب على الحكومة الصينية أن تأخذ نفساً عميقاً وتهدأ".

وأضافت المجلة: "لا شك في كيف سيكون رد واشنطن في حال طلبت منها بكين (أن تأخذ نفساً عميقاً وتهدأ) بدلاً من الرد على شيء فعلته الصين على عكس رغبات الولايات المتحدة".

وهناك حجة المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، التي صرح بها لشبكة "سي إن إن"، إذ قال: "لا يوجد سبب للخطاب الصيني الرافض لزيارة بيلوسي، كما لا يوجد سبب لاتخاذ أي إجراءات من بكين رداً على ذلك"، وأوضحت المجلة أن هذه الحجة تستند إلى فرضية أن زيارة بيلوسي تتماشى مع الممارسات القديمة في إدارة العلاقات الأمريكية "غير الرسمية" مع تايوان في ظل سياسة "الصين الواحدة"، إذ يشير العديد من المراقبين إلى زيارة وفود من الكونجرس الأمريكي لتايوان بشكل متكرر، فضلاً عن زيارتها من قبل رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش عام 1997، لكن ذلك يتجاهل تماماً السياق التاريخي والسياسي الحالي لزيارة بيلوسي، التي تأتي في أعقاب التراجع الخطير للعلاقات الأمريكية الصينية، والتطورات المتراكمة في السياسات الصينية والأمريكية والتايوانية خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية، التي أسهمت في تراجع العلاقات، حسب المجلة.

"الوضع الراهن" ! 

ووفقاً لـ"ناشيونال إنترست"، فإن العديد من المتخصصين في دراسة الوثائق الخاصة بسياسة "الصين الواحدة" أكدوا أن زيارة بيلوسي "لا تتعارض بأي حال من الأحوال" مع تلك الوثائق وتتفق مع عدم دعم واشنطن لاستقلال الجزيرة أو "تغيير الوضع الراهن" في مضيق تايوان، ما عدتها المجلة "حجة غير مقنعة أو ذات مصداقية"، مشيرة إلى أن ذلك يرجع إلى أن تايوان تطالب بالاستقلال، كما أن بكين وواشنطن وتايبيه لديها تعريفات مختلفة لجملة "الوضع الراهن"، فضلاً عن أن سياسة الولايات المتحدة بشأن التعامل مع تايوان تغيرت بشكل تدريجي ومن جانب واحد خلال الثلاثين عاماً الماضية، وأخيراً، لأن بيلوسي سافرت في طائرة عسكرية أمريكية وأصدر مكتبها بياناً يشير إليها كزيارة "رسمية".

وذكرت المجلة أن بكين كانت قد ردت بشدة على زيارة رئيس تايوان السابق لي تنغ هوي إلى الولايات المتحدة عام 1995، ويرجع ذلك إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي حينها بيل كلينتون أبلغت بكين في البداية بأنها تعارض منح لي تأشيرة دخول على أساس أنها تنتهك "سياسة الصين الواحدة"، لكنها سمحت بعد ذلك بالزيارة بعد أن تقرر أنها ستكون متسقة مع تلك هذه السياسة.

وتابعت: "ولذا فإنه ينبغي ألا تفاجأ واشنطن إذا خلص القادة الصينيون، كما فعلوا عام 1995، إلى أن بكين يجب أن تتخذ إجراءات لإثبات أن لديها خطوطاً حمراء بشأن قضية تايوان والإصرار على أن سياسة (الصين الواحدة) لها مضمون موثوق، لكن الصين ستقدم هذه الرسالة بقدرات ونفوذ لم تكن تمتلكه عام 1995".

هل أخطأت واشنطن في حساباتها؟ 

ويبدو أن واشنطن قد استهانت باحتمال حدوث رد فعل صيني حاد على زيارة بيلوسي، مشيرة إلى أن بكين لن تتحمل مخاطر تصعيد الأمر إلى أزمة، فضلاً عن المخاطر السياسية المحتملة على الزعيم الصيني شي جين بينغ قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الـ20 المقبل، الذي يسعى فيه إلى إعادة انتخابه لولاية ثالثة، أو أنها لن تجرؤ على تحدي الولايات المتحدة أو استفزازها، وبذلك فهي ستقبل بالحجة القائلة إن زيارة بيلوسي مجرد زيارة رمزية ومتسقة مع سياسة "الصين الواحدة".

ورأت المجلة أنه في حال كان الأمر كذلك، فإن واشنطن أخطأت في الحسابات، إذ من الواضح أن بكين مستعدة لقبول مخاطر إظهار خطوطها الحمراء، كما يعتقد شي بوضوح أن مصداقيته المحلية تتطلب منه التصرف بحزم بدلاً من الإذعان والتراجع، ومن الواضح للغاية أن زيارة بيلوسي دفعت بكين إلى وضع خط أحمر جديد.

ونهاية التحليل، قالت "ناشيونال إنترست" إن المكان الذي ستتجه إليه الأزمة سيعتمد على ما إذا كان لا يزال هناك مجال للتفاهم المتبادل بين واشنطن وبكين وتايبيه، مضيفة أن ذلك يتطلب من الأطراف الـ3 مواجهة القضايا الأساسية التي لم يتم حلها والتي تكمن وراء المعضلة، بدلاً من التركيز فقط على الخطابات وألعاب الردع، وتابعت: "كما ينبغي ألا تتوقع واشنطن وتايبيه أنهما ستكونان قادرتين على التحكم في الوضع والتهرب من تحملهما بعض المسؤولية عن الأزمة التي نواجهها الآن".