حرب الجواسيس... جبهة أخرى للقتال بين روسيا والغرب
ينفذ بعضهم عمليات تجسس تقليدية، من خلال تنمية اتصالاتهم وتجنيد العملاء الذين يمكنهم نقل الأسرار

ترجمات - السياق
مع مرور قرابة 5 أشهر على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي لم تعرف طريقًا للسلام، كانت هناك حرب من نوع آخر، دارت رحاها على أراضٍ أوروبية.
ورغم أن هذه الحرب لم تكن مسلحة، فإنها أحدثت دويًا هائلًا، خاصة أنها قضت على نصف الجواسيس الروس الذين يعملون تحت غطاء دبلوماسي في أنحاء أوروبا، بحسب ريتشارد مور، الذي يرأس المخابرات البريطانية.
ونقلت صحيفة الغارديان عن مورد، قوله، إن قرابة 400 دبلوماسي روسي طُردوا من دول في أوروبا، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، ما قلل -بشكل كبير- من قدرات التجسس لدى الكرملين.
وفي حديثه بمؤتمر آسبن الأمني، قال إن وكالات الاستخبارات الغربية بذلت جهودًا «منسقة للغاية» لتعطيل شبكات التجسس الروسية منذ العملية العسكرية الروسية.
طرد نصف الجواسيس
المسؤول البريطاني، قال: «في جميع أنحاء أوروبا، طُرد ما يقرب من نصفهم، في آخر إحصاء شمل 400 ضابط استخبارات روسي يعملون تحت غطاء دبلوماسي»، مشيرًا إلى أنه ربما قلل ذلك قدرتهم على القيام بأعمالهم للتجسس لصالح روسيا في أوروبا بمقدار النصف.
وبحسب صحيفة الغارديان، فإن هذه المرة الأولى التي تعلن فيها المخابرات البريطانية تقديرها لتأثير عمليات الطرد المنسقة ردًا على العملية العسكرية الروسية التي أطلقتها في فبراير الماضي.
وعادة ما يتظاهر الجواسيس الروس، كما هو الحال مع ضباط المخابرات في كل دولة كبرى تقريبًا، بأنهم يقومون بوظائف مخفية في سفارات بلادهم، بحسب «الغارديان»، التي قالت إن حفنة فقط من الجواسيس -من يُطلق عليهم غير القانونيين- يتظاهرون لفترات طويلة بأنهم مواطنون عاديون، ويعملون خارج الإطار الدبلوماسي.
وفي أبريل الماضي، طردت ألمانيا 40 دبلوماسيًا روسيًا، وطردت فرنسا 41، بحسب «الغارديان»، التي قالت إنه رغم أن بريطانيا من الدول القليلة، التي لم تطرد أي دبلوماسي متهم بالتجسس، فإنها طلبت عام 2018 من 23 دبلوماسيًا المغادرة، في أعقاب حوادث التسمم في سالزبوري.
وقال مور إنه كُشف عن شخصين غير قانونيين، أحدهما روسي يتظاهر بأنه أيرلندي برازيلي حاول وفشل في تأمين فترة تدريب في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في أبريل.
وحكمت محكمة برازيلية -منذ ذلك الحين- على سيرجي تشيركاسوف بالسجن 15 عامًا لاستخدامه هوية مزورة.
مرحلة حرجة
وأكد مور أنه يعتقد أن الحرب في أوكرانيا كانت «حملة يمكن الفوز بها» لكييف، مشيرًا إلى أن روسيا «ستجد صعوبة متزايدة في إمداد القوى العاملة والمواد خلال الأسابيع المقبلة»، حيث كانت الحرب تتجه نحو مرحلة حرجة قبل أن يتحول الطقس.
وبدا رئيس المخابرات كأنه يلمح إلى أن أوكرانيا، بدعم من كميات متزايدة من الأسلحة الغربية، ستحاول شن هجوم مضاد في الأسابيع المقبلة، قائلًا: «أعتقد أنه من المهم، بالنسبة للأوكرانيين أنفسهم، أن يظهروا قدرتهم على الرد».
وبحسب «الغارديان»، فإن مور اتفق مع نظيره في وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، على أنه «لا يوجد دليل على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعاني اعتلالًا صحيًا خطيرًا»، رغم أن تكهنات أثيرت في المراحل الأولى من الحرب، بأنه مصاب بالسرطان أو بمرض خطير، وكان يتناول المنشطات.
كما اتفق مور مع رئيس وكالة المخابرات المركزية، على أن الصين لا تزود روسيا بالأسلحة، لأن بكين كانت متوترة من التعرض للعقوبات الاقتصادية الغربية، لكنه قال إنه يعتقد أنهم «إذا تمكنوا من توفير الأسلحة والابتعاد عنها، سوف يفعلون ذلك».
وشدد على أن «الصين تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى الدروس التي يمكن أن تستخلصها من حرب أوكرانيا والاستجابة الغربية حتى الآن»، مؤكدًا أنه من السابق لأوانه معرفة الدروس التي سيستخلصونها من مغامرات بوتين، وكرر تحذيرًا سابقًا بأن بكين يجب ألا تستخف بعزم الغرب على حماية تايوان من أي محاولة لإعادة التوحيد القسري.
الحرب الجاسوسية
وبحسب تقرير سابق لـ«بي بي سي»، فإن حدة حرب الجاسوسية، المستمرة منذ عقود بين روسيا والغرب، ازدادت في الآونة الأخيرة جراء الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أن موسكو عندما استهدفت أوكرانيا لأول مرة عام 2014، أطلقت العنان لأجهزة استخباراتها في الغرب.
فمن تدخل في الانتخابات الأمريكية عن طريق الهجمات الإلكترونية، إلى عمليات تسميم وتخريب في أوروبا، تنوعت تدخلات الجواسيس الروس في الأراضي الأوروبية، إلا أنها في الأشهر الأخيرة اشتدت، بعد أن سعت الدول الغربية إلى الرد عليها وإلحاق ضرر دائم بقدرة المخابرات الروسية على تنفيذ عمليات سرية.
وأكدت هيئة الإذاعة البريطانية، أن أغلبية الجواسيس الروس من ضباط المخابرات السريين، ينفذ بعضهم عمليات تجسس تقليدية، من خلال تنمية اتصالاتهم وتجنيد العملاء الذين يمكنهم نقل الأسرار، إلا أن الآخرين ينفذون «الإجراءات الفعالة»، بدءاً من نشر المعلومات المضللة والدعايات المغرضة إلى القيام بأنشطة سرية أكثر عدوانية.
معارك التجسس
ففي حين يخضع الجواسيس الغربيون في روسيا للمراقبة على مدار الساعة منذ فترة طويلة، لا يخضع نظراؤهم الروس في العواصم الغربية لتلك المراقبة المكثفة، بحسب مسؤول أمريكي أكد أنه «كلما كان عددهم أكبر، يكون من الأصعب معرفة ما ينوون القيام به».
وتقول «بي بي سي»، إن كل جانب (الروس أو الغربيين) يحاول تجنيد الجواسيس أو القضاء عليهم، فوكالات الاستخبارات الغربية والقوات الخاصة دربت نظيراتها الأوكرانية لسنوات عدة، إلى جانب تقديم المزيد من المساعدة العسكرية بشكل علني.
وأشارت إلى أنها ساعدت في إلقاء القبض على جواسيس روس، وقدمت تدريبات على عمليات سرية للقوات الأوكرانية، ضمنها خدمات قدمتها محطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية هناك، محذرة من أن معارك التجسس ستستمر في التصاعد، لاسيما أن النشاط السري يقدِّم خياراً واحداً لموسكو يتمثل في استهداف خطوط الإمداد، التي تجلب المساعدة العسكرية لأوكرانيا.