هل يكون الغذاء السلاح النهائي في القرن الحادي والعشرين؟
لن تكون هذه المرة الأولى التي يتفاعل فيها الغذاء والجغرافيا السياسية بطرق متفجرة

ترجمات - السياق
"قد يكون الطعام السلاح النهائي في القرن الحادي والعشرين"، تحت هذا العنوان تناولت شبكة بلومبرغ الأمريكية، ملامح أزمة الغذاء الراهنة، مُستندة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعيد كتابة استراتيجيتها للأمن القومي، مع إبراز أهمية قضية الأمن الغذائي.
وبينت -في تقرير- أن الصراع الروسي الأوكراني، جعل الغذاء أولوية في أجندات السياسة الدولية، كون محاصرة الحبوب الأوكرانية أثر في إطعام الملايين، خصوصًا شعوب المناطق النامية (مثل الشرق الأوسط وإفريقيا)، كما أن العقوبات الغربية على روسيا جعلت من الصعب شراء الأسمدة الروسية.
وبحسب ما ورد، تعيد إدارة بايدن كتابة استراتيجيتها للأمن القومي، التي يُطلب من البيت الأبيض إرسالها إلى الكونغرس سنويًا، لتوضيح الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا.
وأشارت الشبكة، إلى أن الغذاء إحدى القضايا التي يتعين على هذه الوثيقة -التي يقدمها البيت الأبيض للكونغرس- التعامل معها خارج نطاق تركيزها التقليدي على فن الحكم والدبلوماسية.
سلاح الجوع
ورأت "بلومبرغ" أن الصراع في أوكرانيا وضع الجغرافيا السياسية للغذاء ضمن أهم عناوين الأخبار، لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستخدم الجوع كسلاح ضد كييف ومعظم الدول.
وأشارت إلى أن بوتين -بهذه السياسة- أعطى درسًا موضوعيًا لكيف يمكن أن يتسبب انعدام الأمن الجيوسياسي في انعدام الأمن الغذائي، الذي يمكن أن يؤدي -بعد ذلك- إلى تفاقم المشكلات في جميع أنحاء العالم.
وقدمت الشبكة بعض الأدلة التي تثبت تفاقم انعدام الأمن الغذائي في العالم، ففي تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ارتفع عدد الذين يعانون نقص التغذية عالميًا بين 2019 و2021 بنحو 150 مليونًا، ويرجع ذلك إلى جائحة كورونا.
عام 2020 -حسب الشبكة- ازداد انعدام الأمن الغذائي، بما يقارب ما كان عليه في السنوات الخمس السابقة مجتمعة، فضلًا عن أن قرابة 3.1 مليار شخص غير قادرين على تحمل تكاليف نظام غذائي صحي، ووفقًا لبعض التقديرات، زاد عدد الذين على وشك الوقوع في المجاعة عشرة أضعاف منذ عام 2019.
وخلصت "الفاو" إلى أن "تقرير هذا العام يجب أن يبدد أي شكوك في أن العالم يسير إلى الوراء" في مكافحة الجوع، وهو ما يؤكد أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تفاقم الأزمة.
فقد أدى الحصار الروسي للحبوب الأوكرانية، التي تطعم الملايين، لأزمات طاحنة في عدد من المناطق النامية، مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، بينما جعلت العقوبات الغربية من الصعب على العملاء العالميين شراء الأسمدة الروسية، كما أدى ارتفاع تكاليف الطاقة والشحن إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي السياق ذاته، يُقدر "برنامج الغذاء العالمي" أنه عام 2022، من الوارد أن يعاني 47 مليون شخص إضافي انعدام الأمن الغذائي، ما يعني أنهم لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الغذاء ليعيشوا حياة صحية ومنتجة.
كما يُقدر البرنامج تزايد الوفيات بسبب الجوع في الصومال واليمن والسودان ودول أخرى، ومن المتوقع أن يصبح الأمر أكثر حدة إذا طال أمد الصراع الأوكراني.
أمراض سياسية
ونقلت "بلومبرغ" عن أمارتيا كومار سين، عالم الاقتصاد الهندي، قوله: المجاعة نتاج لأمراض سياسية، مشيرًا إلى أن بوتين يستخدم الجوع لخدمة غاياته السياسية.
وأوضحت الشبكة، أن روسيا تهدف إلى عزل أوكرانيا عن مؤيديها الدوليين، من خلال توليد موجات من الاضطرابات العالمية، التي ستجعل داعمي كييف يُنهَكون من القتال، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي لا يعبأ بمفاوضات إعادة فتح التجارة عبر موانئ البحر الأسود، لأن ذلك من شأنه أن يحرمه من أحد أقوى أشكال نفوذه.
ونبهت الشبكة إلى أن الجوع الشديد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد يؤدي إلى تدفقات اللاجئين، التي من شأنها زيادة اضطراب السياسة الأوروبية وتفاقم انقساماتها الداخلية، فعلى سبيل المثال، ألقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن باللوم على السياسة الروسية ودورها في تفاقم نقص الغذاء، في سقوط حكومة سريلانكا.
وأشارت إلى أن نقص الغذاء يمكن أن يتسبب في الاندفاع إلى المدن المثقلة بالأعباء، والبؤس الذي تستغله الجماعات المتطرفة، وغير ذلك من التعجيل بالعنف وعدم الاستقرار.
وأمام ذلك كله، نوهت الشبكة إلى أنه من الممكن أن تنجح استراتيجية بوتين نهاية المطاف، ما يدفع أنصار كييف الأقل التزامًا بالدعوة إلى تنازلات أوكرانية، كما يمكن أن تفشل بشكل كارثي، ما يؤدي إلى استفزاز واشنطن ودول غربية أخرى لكسر حصار بوتين على البحر الأسود بالقوة، أو يمكن أن ينتج عنه ببساطة المزيد من الاضطرابات السياسية والاستراتيجية، في عالم لم يكن مستقرًا.
الغذاء والجغرافيا
وبينت "بلومبرغ" أنه "بالتأكيد لن تكون هذه المرة الأولى التي يتفاعل فيها الغذاء والجغرافيا السياسية بطرق متفجرة"، مشيرة إلى أن الثورة الروسية حدثت عام 1917 عندما أثقلت الحرب العالمية الأولى نظام السكك الحديدية غير المناسب، وجعلت من المستحيل إطعام السكان الغاضبين.
وأشارت إلى أن تلك الثورة –بدورها- أخرجت روسيا من الحرب، وأطلقت العنان لأيديولوجية الشيوعية، التي ساعدت في جعل تاريخ القرن العشرين أكثر دموية.
بعد عقد من القرن التالي -حسب الشبكة- حدث الربيع العربي جزئيًا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي أشعلت فتيل اضطرابات جماعية، فضلًا عن أن الاضطراب العسكري والسياسي في الشرق الأوسط لم يهدأ، مع الحروب الأهلية في سوريا وليبيا من بين آثار أخرى لارتفاع أسعار الغذاء.
وأمام معضلة ارتباط انعدام الأمن الغذائي بانعدام الأمن الدولي، استشهدت الشبكة بما كتبته جيسيكا فانزو، مديرة البرنامج العالمي لأخلاقيات الأكل وسياساته، في جامعة جونز هوبكينز في ميريلاند: "لا أمن غذائي.. إذن لا نظام عالمي".
وبناء على ما سبق، أوصت الشبكة الأمريكية، الحكومات والهيئات الدولية ببذل مزيد من الجهود لزيادة المحاصيل الزراعية، ومنح الأولوية لإنتاج الأطعمة الضرورية لنظام غذائي صحي، إضافة إلى توجيه المزيد من المساعدات الدولية إلى السكان المتضررين.
فمن جهتها، تحاول الولايات المتحدة زيادة صادرات الحبوب الأوكرانية باستخدام الطرق البرية والنهرية لشحنها عبر البلدان المجاورة ثم إلى الخارج، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تحرير جزء صغير فقط من الحبوب الأوكرانية المُحتجزة.
وخلصت الشبكة الأمريكية، إلى أن انعدام الأمن الغذائي وانعدام الأمن الدولي وجهان لعملة واحدة، مؤكدة احتمال نجاح استراتيجية بوتين باستغلال سلاح الجوع، ما يدفع أنصار كييف للدعوة إلى تقديم تنازلات من أوكرانيا.
وأضافت: "جذور المشكلة في أوكرانيا ليست تكنوقراطية بل جيوسياسية، فهناك طاغية لا يرحم، يضغط على إمدادات الغذاء في العالم، على أمل عزل جارته ثم غزوها، ومع ذلك لم تكتشف الولايات المتحدة والديمقراطيات الرائدة الأخرى كيفية حل هذه المشكلة، التي قد تكون معاينة للطريقة التي سيتفاعل بها الغذاء والصراع بشكل متزايد في عالم مجزأ غير متحد".