ماذا تكشف أزمة أوكرانيا عن الشرق الأوسط ما بعد أمريكا؟

الأمر الذي قلَّص توقعات شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من واشنطن، التي عليها أن تتكيف مع العواقب.

ماذا تكشف أزمة أوكرانيا عن الشرق الأوسط ما بعد أمريكا؟

ترجمات - السياق 

"ثمن الانسحاب... ماذا تخبرنا الأزمة الأوكرانية عن الشرق الأوسط ما بعد الولايات المتحدة؟".. تحت هذا العنوان سلَّطت مجلة فورين أفيرز الأمريكية، الضوء على دور دول الشرق الأوسط في الجهود المبذولة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا.

وبينت المجلة، في تحليل للكاتب مارتين إنديك المبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، أنه بينما يبذل الرئيس الأمريكي جو بايدن قصارى جهده، لحشد المجتمع الدولي ضد روسيا في خضم الأزمة الأوكرانية، محققًا اصطفافًا أوروبيًا، فضلاً عن انضمام أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، إلا أنه فشل في عمل إجماع دولي يدين الغزو.

وأشارت المجلة إلى أنه بينما فضلت البرازيل والهند الوقوف على الحياد، إلا أنه بدا أن حلفاء وشركاء واشنطن في الشرق الأوسط متعاطفون مع أوكرانيا، إذ إنهم رغم التزامهم تجاه الولايات المتحدة، فإنهم غير مستعدين لاتخاذ موقف ضد موسكو.

ذيل قائمة

وبينت "فورين بوليسي" أن هذا التغيير في الشرق الأوسط يعكس تداعيات قرار الرئيس باراك أوباما، الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب وفرضه الآن جو بايدن، بوضع المنطقة أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن، الأمر الذي قلَّص توقعات شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من واشنطن، التي عليها أن تتكيف مع العواقب.

وأشارت إلى أنه لمعرفة مدى هذا التغيير، لا تنظر أبعد من أقرب حليف لواشنطن في الشرق الأوسط (إسرائيل)، إذ إنه منتصف يناير، أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل جولة من المشاورات الاستراتيجية، تركزت على طموحات إيران النووية، حيث تحاول واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون بشراسة إنقاذ اتفاق 2015 مع طهران الذي ألغاه ترامب.

ومع ذلك -تضيف المجلة- في الوقت الذي ضغطت فيه إدارة بايدن لمعارضة تكتيكات الضغط التي تمارسها موسكو ضد كييف، لم يذكر الاجتماع -الأمريكي الإسرائيلي- أوكرانيا، لافتة إلى أنه منذ بدء تعزيز القوات الروسية الخريف الماضي على الحدود الأوكرانية، التزمت إسرائيل الصمت باستثناء عرض من رئيس الوزراء نفتالي بينيت للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، وهي الفكرة التي رفضتها موسكو بشكل قاطع.

وحسب المجلة، تحتفظ إسرائيل بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا، لاسيما مع جاليتها اليهودية التي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة -وهي من أكبر الجاليات في العالم- مشيرة إلى أن رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، يهودي.

وأمام العلاقات الوثيقة بين البلدين، ترى المجلة، أنه كان ينبغي تعزيز هذا التقارب، من خلال التزام إسرائيل بتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، واعتمادها الحفاظ على النظام الدولي الليبرالي الذي حددته إسرائيل منذ تأسيسها، واعتزازها بكونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

ومع ذلك -تضيف المجلة- فإن الخبراء الإسرائيليين الذين يجادلون بأنه يجب ألا يكون هناك أي خلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، عندما يتعلق الأمر باحتياجات إسرائيل الأمنية، يؤكدون أنه في أزمة أوكرانيا، يجب أن تظل إسرائيل محايدة.

هدوء استراتيجي

بالانتقال إلى الدور الكويتي، بينت "فورين أفيرز" أن الكويت ليست مجرد حليف وثيق للولايات المتحدة، وإنما العلاقات أوسع وأعمق من ذلك بكثير، مشيرة إلى أنه منذ أن حررت الولايات المتحدة الكويت من غزو صدام حسين في حرب الخليج 1990-1991، دعم الكويتيون أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.

وأمام هذه العلاقات، ترى المجلة، أنه من بين جميع دول المنطقة، يجب أن تكون الكويت حساسة بشكل خاص لمخاطر رضوخ المجتمع الدولي لجار كبير يغزو دولة صغيرة.

ومع ذلك، عندما جاء وزير الخارجية الكويتي، الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، إلى واشنطن منتصف يناير الماضي، لإجراء حوار استراتيجي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تجنب الدبلوماسي الكويتي هذا الموضوع تمامًا.

وحسب المجلة، كان حلفاء واشنطن الآخرون والشركاء الاستراتيجيون في الشرق الأوسط هادئين بشكل ملحوظ، في ما يخص الحرب في أوكرانيا.

أما مصر، فأشارت المجلة، إلى أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة منذ فترة طويلة، إلا أن اعتمادها على شراء السلاح الروسي، وتعاونها مؤخرًا مع موسكو للحفاظ على الاستقرار في ليبيا المجاورة، جعلاها غير مهتمة باتخاذ موقف ضد بوتين بشأن أوكرانيا.

وأوضحت أن ما زاد الموقف المصري، أن الحرب جاءت في الوقت الذي قررت فيه إدارة بايدن مواصلة تعليق 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر، تحت دعاوى حقوق الإنسان.

أما المملكة العربية السعودية فبينت المجلة، أنها تتمتع بعلاقات عميقة مع الولايات المتحدة وكانت حليفًا ثابتًا في الجهود المبذولة لاحتواء الشيوعية السوفيتية في الشرق الأوسط، وغالبًا ما استخدمت قدرتها على زيادة إنتاج النفط لخفض السعر كلما احتاجت الولايات المتحدة، إلا أنه في الأزمة الأوكرانية، لا يتعاون السعوديون -حتى الآن- على الأقل.

وأشارت إلى أن سوق النفط الضيق، نتاج انتعاش أسرع من المتوقع للاقتصاد العالمي من ويلات جائحة كورونا، وتوقع اضطرابات الإمدادات الناتجة عن أزمة أوكرانيا أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.

ولفتت إلى أن أي زيادة جديدة في أسعار النفط، ستحمل أخبارًا سيئة لجهود بايدن لوقف التضخم في الاقتصاد الأمريكي، قبل انتخابات التجديد النصفي نهاية هذا العام، ومع ذلك، تبدو المملكة العربية السعودية منيعة على مناشدات حليفها الأمريكي.

ورأت أن أحد أسباب ذلك، غضب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من الطريقة التي عاملته بها إدارة بايدن، إذ إنه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، أشار بايدن إلى المملكة العربية السعودية على أنها دولة "منبوذة".

تراجع الثقة

وبينت "فورين أفيرز" أن قادة الشرق الأوسط يعتقدون أن الولايات المتحدة لم تعد شريكًا موثوقًا به، مشيرة إلى أن التراجع الأمريكي في الشرق الأوسط، كان يتطور خلال العقد الماضي، ولأن قادة المنطقة حساسون للتحولات في ميزان القوى، ظلوا يبحثون عن بدلاء ضامنين لأمنهم، بعض الوقت.

وأمام ذلك، سارعت روسيا إلى مد يدها وتدخلت عسكريًا في الحرب الأهلية السورية عام 2015 إلى جانب نظام بشار الأسد، في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تسعى لتغيير النظام في مصر وليبيا وسوريا، وهنا ظهر التناقض، إذ إنه بينما أصبحت روسيا قوة الوضع الراهن في الشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة هي التي بدت وكأنها تروِّج لعدم الاستقرار.

ومع ذلك -حسب المجلة الأمريكية- فإن هذا لم يعجل اندفاعًا طائشًا نحو أحضان موسكو، حيث أدت ذكريات السلوك السوفييتي المزعزع للاستقرار، والأمل في أن يقلب رئيس جديد في واشنطن الأمور رأسًا على عقب إلى الحذر، لكن بمرور الوقت أصبح القادة العرب مرتاحين لاستراتيجية تنطوي على علاقات أكثر دفئًا مع روسيا.

بالنسبة للإسرائيليين، رأت المجلة، أن الحسابات ليست مختلفة، ورغم اعتمادهم الشديد على الولايات المتحدة، 

فإنهم يرون أن التهديد الوجودي بالنسبة لهم هو إيران.

وأمام ذلك -تضيف المجلة- على ثلاثة من حدود إسرائيل الأربعة، يستجمع وكلاء إيران قوتهم (حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والميليشيات التي تسيطر عليها إيران في سوريا)، حيث تحارب إسرائيل ما تسميها "الحرب بين الحروب" لمنع نقل الصواريخ الإيرانية المتطورة وأنظمة التوجيه عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان، وإحباط محاولات الميليشيات المدعومة من إيران فتح جبهة أخرى مع إسرائيل في مرتفعات الجولان.

وأشارت المجلة، إلى أن الوجود العسكري الروسي في سوريا يجعلها لاعبًا في هذا الصراع، أكثر من الولايات المتحدة التي تحتفظ بقوة محدودة شرقي سوريا لمحاربة داعش، لكنها تركت إسرائيل لتدافع عن نفسها في بقية البلاد، ومن ثمّ فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن لإسرائيل من خلالها مواصلة هجماتها الجوية المتكررة على أهداف إيرانية في سوريا هي موافقة القوات الجوية الروسية على استخدام إسرائيل للمجال الجوي السوري.

لهذا السبب -حسب المجلة- قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعشر زيارات إلى روسيا بين عامي 2015 و2020 لتأمين تعاون الرئيس الروسي، والتأكد من أن عمليات القوات الجوية الروسية والإسرائيلية في سوريا لن تعترض طريق بعضها، وبالمثل بمجرد أن أصبح بينيت رئيسًا للوزراء العام الماضي، لم يضع أي وقت في إعادة تأكيد تلك الترتيبات بزيارة إلى الكرملين في أكتوبر 2021.

الشرق الأوسط وأوكرانيا

وبعد سرد تراجع التعاون الأمريكي مع دول المنطقة في الفترة الأخيرة، بينت "فورين أفيرز" أن الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط ليسوا مهمين في الجهود المبذولة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا، مشيرة إلى أنهم قد يكونون على استعداد للمساعدة على الهامش، حيث يمكن لقطر تحويل إمدادات الغاز من العقود طويلة الأجل في آسيا إلى السوق الأوروبية فورًا، ويمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تخفيف الضغط على أسعار النفط، أما إسرائيل فيمكنها الاستمرار في تمرير الرسائل الخاصة إلى الكرملين للحث على وقف التصعيد.

أما في ما يخص الصمت العلني لجميع تلك البلدان في هذه الأزمة، فإنه يكشف كيف باتت روسيا لاعبًا في المنطقة وملأت جزئيًا الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة.

وحسب المجلة، فإن بعض حلفاء الولايات المتحدة يرون موسكو أكثر موثوقية من واشنطن، مشيرة إلى أنه بدلاً من مطالبة شركائه وحلفائه في الشرق الأوسط باتخاذ موقف علني، يتعين على بايدن أن يريحهم بعض الشيء.

وقد تضطر الولايات المتحدة أيضًا -حسب المجلة- إلى الاستمرار في منح إسرائيل حرية التصرف في التعامل مع التخريب الإقليمي لإيران، حتى مع عودة بايدن إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وقد يكون للتعاون مع مصر في غزة وليبيا الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة على مطالبها بحقوق الإنسان في الداخل.

وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن الأزمة الأوكرانية سلَّطت الضوء على مفارقة قاسية للولايات المتحدة، أن "عودة الجغرافيا السياسية تجبر إدارة بايدن على تبني واقعية جديدة، ومن ثمّ فإنه مهما كانت النيات الحسنة للولايات المتحدة في المنطقة، فإن مصالحها فيها تأخذ الأولوية بشكل متزايد على قيمها".