أذن بوتين وكاتم أسراره.. من يخلف سيد الكرملين؟
الظهور المفاجئ لباتروشيف، بعد أكثر من عقدين من العمل في الكواليس، أكد مكانته ودوره القوى بالكرملين

ترجمات السياق
"الرجل الذي يسمع له بوتين، وقد يخلفه"... تحت هذا العنوان نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تقريرًا عن رئيس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، مشيرة إلى أنه أحد مستشاري الرئيس الروسي المقربين القلائل.
وقالت الصحيفة إنه عندما عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، قبل شن الحرب على أوكرانيا، بدا أن أحد صقور الكرملين يهيمن على القاعة.
وأشارت إلى أنه خلال هذا الاجتماع، أخبر نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي، الرئيس بوتين بأن الولايات المتحدة تقف وراء التوترات شرقي أوكرانيا وتنسق من أجل انهيار روسيا.
وقال باتروشيف في تصريحات أذيعت لاحقًا: "مهمتنا الدفاع عن وحدة أراضي بلادنا وسيادتها".
الحرب الباردة
ورأت "واشنطن بوست" أن باتروشيف -الذي يُعادل منصبه مستشار الأمن القومي الأمريكي- كان في ذلك الاجتماع يعبَّـر عن وِجهة نظر، تعود للحرب الباردة، دفعت بوتين إلى شن الحرب على أوكرانيا.
وأشارت إلى أنه منذ إعلان بوتين قرار بدء الحرب في 24 فبراير الماضي -وهو القرار الذي حسب الصحيفة أذهل الكثير من النخبة في البلاد- أصبح باتروشيف يُجسد التشدد العسكري لروسيا.
وأفادت الصحيفة بأنه في حين بدا بوتين غاضبا وفي موقف دفاع وكان أداؤه متعثرًا، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب على أوكرانيا، وكاد يختفي عن الأنظار، تصدَّر باتروشيف المشهد لتبرير الغزو وتعزيز أهداف الحرب.
ففي سلسلة من المقابلات مع الصحف الروسية، توقع باتروشيف أن تنهار أوروبا تحت وطأة أزمتي الغذاء واللاجئين، كما توقع تفكك أوكرانيا إلى دول عدة، ودعا إلى إحياء "التقاليد التاريخية" في نظام التعليم الروسي لصُنع جيل من "الوطنيين الحقيقيين" ضمن أمور سياسية واقتصادية أخرى.
حتى أنه -حسب الصحيفة الأمريكية- غامر في السياسة الاقتصادية، داعيًا إلى "البريسترويكا الهيكلية" -في إشارة إلى إصلاح الحقبة السوفيتية- التي ستشمل جزئيًا نظامًا سياديًا جديدًا لتحديد سعر صرف الروبل.
ورأت الصحيفة، أن الظهور المفاجئ لباتروشيف، بعد أكثر من عقدين من العمل في الكواليس، أكد مكانته ودوره القوى بالكرملين، كما أثيرت تساؤلات عما إذا كان يسعى إلى إعداد نفسه لخلافة بوتين، خاصة في ضوء التكهنات المتعلقة بصحة الرئيس وتراجع موسكو عن السعي للسيطرة على كييف.
نطاق السلطة
ونقلت "واشنطن بوست" عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله: "الإيحاء بأن دور باتروشيف قد تغير محض اختراع... الأخير كان دائمًا نشطًا بما يتماشى مع نطاق سلطته الواسع".
وأضاف بيسكوف، مستخدمًا مصطلح الكرملين بشأن الغزو: "بالطبع، الرئيس هو الرئيس، وفي ظروف العملية العسكرية الخاصة، يقوم بدور القائد العام".
بينما نفى المتحدث باسم مجلس الأمن، يفغيني أنوشين، أن يكون باتروشيف يسعى للحصول على أي منصب أعلى، مضيفًا أنه "شخص وطني، وفاعل حكومي مخلص منذ سنوات للاتحاد الروسي وبوتين".
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه على مدى الشهر الماضي، استعاد بوتين بعض غروره، وأعاد تركيز حملته العسكرية للاستيلاء على منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا، والانطلاق في حرب استنزاف طويلة ضد كييف، واقتصاديًا ضد الغرب.
ولفتت إلى أنه خلال الأسبوع الماضي فقط، أخبر بوتين المشرِّعين بأن روسيا لم "تبدأ بجدية" حربها ضد أوكرانيا وزعم أن حملته العسكرية كانت "بداية انهيار جذري للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة".
صحة بوتين
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه رغم عودة بوتين إلى الظهور في سلسلة من الخطابات، فإنه لا تزال هناك أسئلة عن صحته، رغم نفي الكرملين المستمر أن يكون لدى بوتين أي مشكلة صحية.
وأوضحت أن بوتين -الذي يبلغ من العمر 70 عامًا وهو أصغر من باتروشيف بعام- لم يتم تصويره وهو يلعب هوكي الجليد -رياضته المفضلة- منذ مباراة ليلة رأس السنة مع ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا، مشيرة إلى أنه لأول مرة منذ 10 سنوات، غاب بوتين عن اللعب في مباراة الاحتفال السنوية لدوري الهوكي الليلي الروسي، التي كانت مقررة في الأول من مايو الماضي.
وذكرت بأن بوتين قام برحلة خارجية واحدة فقط منذ بداية الحرب -وهي زيارة طاجيكستان ثم الذهاب إلى عشق أباد، في تركمانستان- في يونيو لحضور قمة الدول الخمس المطلة على بحر قزوين، حيث حافظ مرة أخرى بشكل واضح على مسافة كبيرة من نظرائه، جالسين حول مائدة مستديرة ضخمة.
في المقابل -حسب الصحيفة- عبر باتروشيف، الاتحاد السوفييتي السابق، وزار مؤخرًا يريفان، بأرمينيا، في يونيو الماضي، لحضور قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو التحالف الذي تقوده روسيا لمواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وخلال القمة، انتقد باتروشيف، الولايات المتحدة بسبب "توسعها المتهور لحلف شمال الأطلسي" وادعى أنها تسعى إلى تفكيك التكامل الأوراسي وتحويل الدول في المنطقة إلى "دول دمية، ومستعمرة، مثل أوكرانيا".
كما تولى باتروشيف -حسب الصحيفة- زمام المبادرة في الدفاع عن كالينينغراد -المعزل الروسي في أوروبا- مهددًا بالانتقام "الخطير" بسبب منع الإمدادات العابرة من ليتوانيا بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي.
وفي يوليو ، خلال قمة أمنية أقصى شرق روسيا، غامر باتروشيف وتحدث في مجال أمن الطاقة، الذي ظل فترة طويلة حكرًا على بوتين، داعيًا إلى تقليص "المشاركة الأجنبية في المشاريع المهمة لقطاع الطاقة الروسي"، فضلاً عن إعلانه أن روسيا ستحقق هدفها في النهاية وهو "نزع سلاح أوكرانيا".
صعود باتروشيف
وترى "واشنطن بوست" أن صعود باتروشيف يؤكد مدى تأثير رجال المخابرات السوفيتية، في اتخاذ القرارات داخل روسيا، خصوصًا قرار الحرب في أوكرانيا، مشيرة إلى أنهم كانوا -لأكثر من عقدين- ينافسون تكنوقراطيين ذوي ميول ليبرالية "من أجل التأثير في بوتين".
وحيال ذلك، نقلت الصحيفة عن تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة شركة الاستشارات السياسية الروسية آر بوليتيك قولها: عندما شن بوتين الحرب، بدا أن "لحظة باتروشيف قد حانت"، مشيرة إلى أن أفكاره تشكل أسس القرارات التي اتخذها بوتين، خصوصًا أنه أحد الشخصيات القليلة التي يستمع إليها الرئيس الروسي.
في المقابل، يرى أندريه كوليسنيكوف، الزميل الأول بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في مقابلات باتروشيف المطولة وأسفاره الأخيرة دليلًا على أنه "الشخص الذي يُسمح له بشرح أفكار بوتين وتوضيحها" ويضيف أن ذلك أمر "لا يسمح به للكل ولا يعرفه الكل".
وترى "واشنطن بوست" أنه حتى وزير الخارجية سيرغي لافروف، عندما يتحدث، لا يكون من الواضح ما إذا كان يتحدث نيابة عن بوتين أم لا، وغالبًا ما يحاول الدبلوماسيون تخمين ذلك، لكن كوليسنيكوف يجزم بأن باتروشيف الوحيد المخول بذلك فهو "يعرف ما يريده بوتين"
ورأت أن باتروشيف حليف مُقرب للرئيس، منذ أيام خدمتهما معًا بالاستخبارات السوفيتية "كيه جي بي" في سانت بطرسبرغ، مشيرة إلى أنه خدم إلى جانب بوتين منذ تعيينه عام 1998 رئيسًا لجهاز الأمن الفدرالي "إف إس بي"، وهي الوكالة التي حلت محل جهاز الاستخبارات السوفيتية، وبدأ صعود الأخير السريع إلى كرسي رئاسة البلاد.
بينما وصف مارك غاليوتي، الأستاذ الفخري في كلية لندن للدراسات، باتروشيف بأنه "الشيطان على كتف بوتين الذي يهمس بالسم في أذنه".
كما نقلت الصحيفة الأمريكية عن مقرب من الشخصيتين -بوتين وباتروشيف- لم تورد اسمه لدواع أمنية، قوله إن باتروشيف رجل أمن بنى نظرته للعالم من خلال أحداث الحرب الباردة ولم تتغير كثيرًا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، خاصة في ما يتعلق بعدائه للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن "فهمه لكل الأشياء يبدو كما لو أن الاتحاد السوفييتي ما زال موجودًا، وينظر لنفسه وفقًا لذلك".
الغيرة
وكشفت "واشنطن بوست" أن باتروشيف -الذي يكبر بوتين بعام واحد- خدم أول مرة جنبًا إلى جنب مع الرئيس الروسي في السبعينيات، عندما التحقا بقسم مكافحة التجسس لدى "كيه بي جي" في ما كان يعرف بـ "لينينغراد" التي هي الآن مدينة سانت بطرسبرغ.
ونقلت الصحيفة عن الشخص المقرب من هاتين الشخصيتين قوله: باتروشيف شعر بالغيرة عندما قفز بوتين فجأة ليصبح رئيسًا لجهاز الأمن الفدرالي، لأن "بوتين لم يكن شيئًا يذكر حينها، فقد كان برتبة مقدم، في حين كان باتروشيف يحمل رتبة عقيد".
شاركه هذا الرأي ضابط كبير سابق بالمخابرات السوفيتية عمل مع بوتين، حيث قال: "باتروشيف كان أكبر سنًا وأعلى رتبة، لكن بوتين تولى زمام الأمور لأنه كان أقرب إلى الرئيس آنذاك بوريس يلتسين".
وأشارت الصحيفة إلى أن باتروشيف عُين رئيسًا لجهاز الأمن الفدرالي خلفًا لبوتين، عندما اختار يلتسين الأخير رئيسًا للوزراء، بينما قال مقرب من بوتين وباتروشيف، إن الأخير سعى -منذ ذلك الوقت- للتأكد من بقاء بوتين في السلطة والسيطرة عليه في الوقت ذاته.
ونقلت عن مطلعين على صُنع القرار في موسكو، قولهم: خلال العامين الماضيين، كان باتروشيف واحدًا من قلة من المستشارين المقربين، الذين يتمتعون بإمكانية الوصول المنتظم إلى الرئيس، ما عزز نفوذه على بوتين.
وقال أحد رجال الأعمال الذين يتمتعون بصلات جيدة في موسكو: "باتروشيف لديه علاقاته الخاصة ببوتين، إذ كان رئيسه، ويكبره سنًا، وهذه الأمور بالنسبة لبوتين، مهمة جدًا".