هل سئمت واشنطن الحرب الطويلة في أوكرانيا؟

فلاديمير بوتين يُعوِّل على أن يفقد الغرب تركيزه

هل سئمت واشنطن الحرب الطويلة في أوكرانيا؟

ترجمات - السياق 

"هل سئمت واشنطن الحرب الطويلة في أوكرانيا؟"، سؤال طرحته مجلة إيكونومست البريطانية، مع اقتراب الصراع من شهره السادس، وسط ضبابية المشهد بشأنه انتهائه.

وسلَّطت المجلة الضوء على تساؤل أعضاء الكونغرس الأمريكي، وحلفاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، عما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في دعمها لأوكرانيا مع استمرار الحرب، أم أنها قريبًا ستمل عبء هذا الدعم، بعد ما يقرب من ستة أشهر من القتال، مع احتمال نشوب حرب طويلة.

وأشارت إلى أن بايدن تعهد بدعم أوكرانيا مهما طال الأمد، حيث أنفقت إدارته -حتى الآن- قرابة ثمانية مليارات دولار على المساعدات العسكرية وحدها، ففي مايو 2022 أقر الكونغرس ميزانية إضافية بـ 40 مليار دولار -أكثر مما تعهد بايدن، وأكثر من ميزانيات الدفاع السنوية لمعظم الحلفاء الأوروبيين- لمساعدة أوكرانيا والتعامل مع العواقب العالمية للحرب.

تراجع شعبيته

أمام كل هذا الدعم، بينت "إيكونومست" أن بايدن تراجعت شعبيته، حتى باتت أقل من سلفه دونالد ترامب، في هذه المرحلة من ولايته الرئاسية، ذلك أن التضخم وارتفاع أسعار الوقود يضعفان القدرة الشرائية للأمريكيين.

ومن ثمّ -مع تراجع شعبية بايدن- من المتوقع أن يحقق الجمهوريون مكاسب مهمة في الانتخابات النصفية المقررة نوفمبر 2022، ويسيطرون على مجلس النواب، وربما أيضًا مجلس الشيوخ.

ونقلت المجلة عن كريس كونز، السيناتور الديمقراطي، الحليف المقرب لبايدن، الذي يُطلق عليه أحيانًا "وزير خارجية الظل"، قلقه من "التزام الشعب الأمريكي وقادته المنتخبين بمواصلة المسار في ظل استمرار الغزو".

وأشارت إلى أن كونز كان قد صرح لـ "الإيكونوميست" -في 14 يوليو الجاري- بأن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين "يُعوِّل على أن يفقد الغرب تركيزه".

في هذا الإطار، من المقرر أن تستمر المساعدة المقدمة لأوكرانيا حتى نهاية السنة المالية الأمريكية في 30 سبتمبر المقبل، لكن لا أحد متأكد من موعد نفاد الأموال، بينما يعتقد عدد قليل من أعضاء الكونغرس أنه يمكن تمرير حزمة كبيرة لأوكرانيا، قبل انتخابات التجديد النصفي، في حين يعتقد كثيرون أن الأمر قد يصعب بعد ذلك.

وفي ذلك، يقول أحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين: "ستكون معركة شاقة، فالحرب تغيرت بشكل أساسي، والوضع المحلي في الداخل مختلف".

الاستقطاب الحاد

لكن -حسب "إيكونومست"- فإنه بالنظر إلى حالة الاستقطاب الحاد التي تشهدها الولايات المتحدة، ليس من المستغرب أن تساور "الجمهوريين" الشكوك بأن الإدارة التي يقودها الحزب الديمقراطي تخوض حربًا بالوكالة في أوكرانيا، حيث أصبح عدد الأمريكيين المستعدين لدفع ثمن اقتصادي لدعم أوكرانيا، أقل مما كان عليه في مارس الماضي، بداية الحرب.

كما اتسعت الفجوة بين مؤيدي الحزبين، وفقًا لاستطلاع حديث للرأي أجرته جامعة ماريلاند، أظهر أن الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين آخذة في الاتساع، حيث أشار 78% من الديمقراطيين إلى أنهم سيقبلون شراء وقود أكثر تكلفة، وأكد 72% منهم أنهم سيتحملون مزيدًا من التضخم لمساعدة أوكرانيا، مقابل 44% و39% فقط على الترتيب من الجمهوريين.

ونقلت المجلة عن مساعدين لأعضاء في الكونغرس القول إن هناك 3 عوامل من المرجح أن تؤثر في دعم أوكرانيا، أولها التركيبة التي سيكون عليها الكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي.

وأشارت إلى أنه إذا استعاد الجمهوريون الأغلبية، في أي من غرفتي الكونغرس، فإن السؤال هو أي فصيل في الحزب ستكون له اليد العليا؟ من النوع المؤسسي مثل ميتش مكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الذي اصطحب زملائه الكبار في مايو إلى كييف للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أم أتباع ترامب ومذهبه عن المهاجرين "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"؟

ورأت المجلة، أن ترامب الذي لا يزال يحتفظ بالكثير من أتباعه داخل حزبه، استنكر حزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا، قائلاً: "يرسل الديمقراطيون 40 مليار دولار أخرى إلى أوكرانيا، ومع ذلك يكافح آباء أمريكا لإطعام أطفالهم".

وبينت أنه مع زيادة ارتفاع الأسعار والتضخم، يمكن تنشيط قاعدة ترامب، خصوصًا إذا أعلن -في الأسابيع المقبلة- نيته الترشح للرئاسة مرة أخرى عام 2024.

وأمام هذه التوقعات -بتقدُّم الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي- قال النائب الديمقراطي روبن جاليغو عبر "تويتر": "إذا انتزع الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب عام 2022، فإن دعمنا لأوكرانيا سيتوقف".

وتوقع أن قادة الحزب الجمهوري لن يكونوا قادرين على منع أتباع ترامب -أمثال مارغوري تايلور غرين ومات غايتز- "من أن يملوا سياستنا تجاه أوكرانيا".

ويرى إريك إيدلمان، المسؤول الكبير السابق بالبنتاغون في عهد جورج دبليو بوش، أن أتباع ترامب لا يزالون أقلية بين الجمهوريين في الكونغرس، معربًا عن قلقه من أن يزداد حجمهم بعد انتخابات التجديد النصفي، مشيرًا إلى أنهم إذا شكلوا النسبة الأكبر بين الجمهوريين في مجلس النواب -حيث تنشأ فواتير الإنفاق- فإن تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا سيصبح أكثر صعوبة.

العامل الثاني

أما العامل الثاني، الذي من المتوقع أن يؤثر في دعم واشنطن لأوكرانيا، فيتمثل في مدى استعداد الحلفاء لمواصلة دعمهم لها في مواجهة روسيا.

وعن ذلك يتساءل كونز: "كيف سيبلي شركاؤنا الأوروبيون؟"، مشيرًا إلى أن أوكرانيا بالنسبة لمعظم الأمريكيين "تقع في النصف الآخر من العالم".

وتعليقًا على ذلك، بينت المجلة أن الدول الأوروبية على مقربة من روسيا، ومن ثم فهي أكثر عرضة للتصعيد العسكري، وفقدان إمدادات الطاقة الروسية وتدفق اللاجئين.

بينما يكمن العامل الثالث -حسب المجلة- في التقدم بساحات القتال، مشيرة إلى أنه إذا تمكن بايدن من إثبات أن أوكرانيا تحقق انتصارات "بدلًا من أن تغوص في مستنقع حرب أبدية، سيكون من السهل حشد الدعم لها"، لكن يبدو أننا -على الأرجح- إزاء صراع سيطول أمده، حسب توقعات المجلة.

وأشارت المجلة إلى أن أوكرانيا نجحت مؤخرًا في استخدام منظومة هيمارس، التي زودتها بها الولايات المتحدة -وهي قاذفة صواريخ موجهة- لضرب مواقع القيادة ومخازن الذخيرة خلف الخطوط الأمامية لروسيا، لكن القوات الأوكرانية لا تزال في موقع دفاعي، إن لم تكن تتراجع.

ورأت المجلة، أن هدف بايدن من الحرب غير واضح، فقد توقفت إدارته عن الحديث بشأن مساعدة أوكرانيا لتحقيق النصر، بل تتحدث بدلًا من ذلك عن الحيلولة دون تعرضها للهزيمة.

ورأت أن قلق بايدن الرئيس هو تجنُّب الصراع المباشر بين "الناتو" وروسيا المسلحة نوويًا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة طالبت حكومة كييف بضمانات بأن ذخائر (جي إم إل آر إس) التي يبلغ مداها 84 كلم والمزودة بهيماتر لن تطلق على الأراضي الروسية، وقد رفضت -حتى الآن- تقديم صواريخ (أتاك إم إس) التي يبلغ مداها قرابة 300 كيلومتر.

وحسب المجلة، يرى البعض أن الحرب خاسرة، ويقولون إن على إدارة بايدن الإسراع في التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، لكن مناصري أوكرانيا في الولايات المتحدة -من الديمقراطيين والجمهوريين- يرون أن على بايدن أن يسرع في كسب الحرب، بأن يمنح أوكرانيا مزيدًا من المساعدات العسكرية، وتقبل مزيد من المخاطر.