هل تؤتي مغامرة تلسكوب جيمس ويب الفضائي أكلها؟

بداية عصر جديد في علم الفلك... نجاح المقامرة على مرآة تلسكوب جيمس ويب القابلة للطي

هل تؤتي مغامرة تلسكوب جيمس ويب الفضائي أكلها؟

السياق

رأت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن المغامرة الجريئة على المرآة العملاقة القابلة للطي في تلسكوب جيمس ويب الفضائي أتت أكلها، لبداية عصر جديد في علم الفلك، مشيرة إلى أننا بفضل هذا التلسكوب -الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار- بدأنا رؤية الحرارة المشعة للكون المبكر كما لم يحدث من قبل.

كانت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، نشرت –الاثنين- أعمق صورة للكون تُلتقط بالأشعة تحت الحمراء، ظهرت فيها بعدسة التلسكوب الفضائي جيمس ويب آلاف المجرات، التي تشكلت بعيد الانفجار العظيم، قبل أكثر من 13 مليار سنة.

وكشفت "ناسا" مجموعة من الصور الحديثة من التقاط التلسكوب جيمس ويب، بعد يوم من كشفها أعمق صورة ملونة للكون.

ورصدت إحدى الصور ما يشبه "المنحدرات الكونية والمناظر الطبيعية للجبال الصخرية في أمسية مقمرة"، لكنها في الواقع حافة منطقة قريبة من "نجم أولي" أو "نجم وليد" يسمى (إن جي سي 3324) في سديم كارينا.

ويُعد سديم كارينا (سديم القاعدة)، أحد أكبر السدم وأكثرها سطوعًا في السماء، ويبعد 7600 سنة ضوئية، ويضم الكثير من النجوم الضخمة.

وأوضحت "ناسا" أن هذه الصورة التُقطت بالأشعة تحت الحمراء بتلسكوب جيمس ويب الفضائي الجديد، مضيفة: "ترصد الصورة -لأول مرة- مناطق غير مكشوفة من قبل لولادة نجم".

حرارة مشعة

ولإبراز مدى أهمية الكشف الجديد، استشهدت الصحيفة في تحليل للكاتبة البريطانية من أصل هندي أنغانا أهوغا، المتخصصة في الصحافة العلمية، بوصف السير فريدريك ويليام هيرشل، عالم الفلك الألماني البريطاني، الذي اكتشف كوكب أورانوس، لهذه الظاهرة لأول مرة عام 1800 بأنها "حرارة مشعة".

وقالت الصحيفة: "نحن نعرف الحرارة المشعة بأنها الأشعة تحت الحمراء، وهو شكل من أشكال الضوء غير المرئي للعين البشرية".

وأشارت إلى أنه بفضل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، بدأنا "رؤية" الحرارة المشعة للكون المبكر كما لم يحدث من قبل.

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن كشف، ليلة الاثنين الماضي، النقاب عن أول صورة بالألوان من التلسكوب للفضاء السحيق.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن هذه اللقطة المذهلة، المأخوذة بأطوال موجية مستكشفة بالحد الأدنى وبدقة غير مسبوقة، تكشف وفرة من الأجسام الكونية، بما في ذلك النجوم والمجرات الحلزونية.

وذكرت أنه لم يتم تحليل الصورة، لكن بعض الأشياء بقايا كونية يعود تاريخها إلى 7 مليارات سنة من الانفجار الكوني العظيم، وهو الحدث الكارثي الذي ولّد كوننا قبل نحو 13.8 مليار سنة.

عصر جديد

ووصفت "فايننشال تايمز" الاكتشاف، بأنه بداية عصر جديد من علم الفلك "حيث يمكننا أخيرًا إلقاء نظرة خاطفة على أقدم الأشياء في الكون واكتساب فهم أكمل لأصولها".

وأشارت إلى أنه تم الكشف -الثلاثاء الماضي- عن أربع نتائج مهمة، مبينة أن الكشف الأول أظهر أن الكوكب الخارجي الغازي العملاق المسمى (دبليو إيه إس بي _ 96 بي) الذي يدور حول نجم بعيد -يبعد 1150 سنة ضوئية- يحتوي على غلاف جوي يحتوي بدوره على بخار الماء والسحب والضباب.

بينما تُظهر صورة أخرى آلام موت نجم، وتنتشر مادته المطرودة في سديم كوكبي جميل.

وأفادت الصحيفة بأنه تم التقاط اثنتين من المجرات الخمس في (خماسية ستيفان) -وهي مجموعة من 5 مجرات يمكن أن ترى بالعين المجردة في كوكبة الفرس الأعظم- الواقعة على بُعد 300 مليون سنة ضوئية، في عملية الدمج.

أما آخر "عمليات الكشف" فكانت مشهد عرض عن قرب، على غرار هابل لسديم كارينا، ويكشف عن أطفال جدد من النجوم والمجرات، متألقين في هذه الحضانة النجمية.

ذهول العلماء

أمام هذا الكشف العظيم، نقلت "فايننشال تايمز" عن كريس لينتوت، أستاذ الفيزياء الفلكية بجامعة أكسفورد، الباحث في تكوين المجرات، قوله إن جودة الصور وجمالها أذهلاه، مضيفًا: "لقد خلعت جواربي، فقد كنت أجلس في غرفة مليئة بخبراء المجرات عند عرض صورة ستيفان الخماسية، ومن دون إدراك مني سقطت على الأرض حتى ارتطم فكي بها، وحينها أدركت أننا أمام إنتاج صور ستكون الأكثر شهرة في عصر الفضاء".

وبينت الصحيفة البريطانية، أن أول حقل عميق لتلسكوب "جيمس ويب"، أو كما تُعرف صورة الفضاء السحيق الذي أطلق الاثنين الماضي، صورة مركبة التُقطت على مدى 12.5 ساعة، ومراقبة بأطوال موجية مختلفة.

بينما تُظهر الصورة المجموعة المجرية (إس إم إيه سي إس 0723) التي تشبه الصوف القطني في الوسط والمقدمة، إضافة إلى النجوم البيضاء الساطعة، مع تموجاتها المميزة.

ومع ذلك -تضيف الصحيفة- فإن السمات التي جذبت معظم علماء الفلك هي المسحات البرتقالية والوردية والحمراء، التي تبدو كأنها ترسم أقواسًا باهتة حول الكتلة المجرية المركزية، مشيرة إلى أن هذه اللطخات والخطوط -الملوّنة في الرؤية باستخدام لوحة تغطي نطاق الإشعاع المنبعث- قد تمثل بعض أقدم المجرات التي شوهدت في هذه التفاصيل، وهي مستلقية بالخلف في الفضاء.

وأشارت إلى أنه رغم أنها خارج نطاق الرؤية، فإنها يمكن رؤيتها على حقيقتها، لافتة إلى أن هذا الأمر يعود إلى ظاهرة تُعرف بعدسة الجاذبية.

الجاذبية الهائلة

وبينت "فايننشال تايمز" أن الجاذبية الهائلة لـ (إس إم إيه سي إس 0723) تؤدي إلى انحناء الفضاء، ما يتسبب في انحناء الضوء البعيد من المجرات الموجودة في الخلف حوله، وهو ما يسهل تكبير الأشياء ورؤيتها.

وتوقعت الصحيفة أن تكون هذه "النقط الملطخة" صورًا مكبرة للمجرات الأولى، التي كُشف عن وجودها مؤخرًا بتلسكوب قادر على تسجيل ضوئها الخافت، الذي امتد في رحلته عبر الكون من أطوال موجية مرئية إلى موجات أطول في نطاق الأشعة تحت الحمراء.

وكما يشير كريس لينتوت، فإن المرايا الأكبر التي تجمع الضوء، تنتج صورًا أكثر وضوحًا، من النوع الذي يقدمه ويب.

وأمام ذلك الاكتشاف، أكدت الصحيفة أن المغامرة الجريئة على مرآة التلسكوب العملاقة القابلة للطي آتت أكلها، لافتة إلى أنه من الصعب تصديق أن التلسكوب الذي يدور حول الأرض، الذي يُعد أحد أعقد الأعمال الهندسية، التي تمت تجربتها قبل نحو عقد من الزمن، بدأ العمل بلا عوائق.

وأوضحت أنه ربما يكون الأمر الأكثر واقعية، أن الصورة الأولى المزدحمة للفضاء السحيق، تُظهر قطعة صغيرة متلاشية من سماء الليل، تعادل حجم حبة رمل ممسوكة على مسافة ذراع، حيث تمثل كل نقطة أو قرص مجرة ​​تتكون من ملايين بل مليارات النجوم، تحتوي كل حبة من السماء على عوالم أكثر مما يمكن للإنسان أن يتخيله.

وأشارت إلى أن هذا التلسكوب نتاج تعاون دولي بين وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية، ويضم جهودًا تقدر بنحو 20 ألف شخص عبر العديد من المؤسسات والشركات والجامعات، مضيفة: "لقد تطلب الأمر أفضل ما في البشرية لإظهار ضآلتنا أمام عظمة الكون".