العراق... هل تنجح مبادرة الكاظمي في نزع فتيل الأزمة؟ 

هناك فرصًا كبيرة جدًا للانهيار السياسي بالعراق

العراق... هل تنجح مبادرة الكاظمي في نزع فتيل الأزمة؟ 
مصطفى الكاظمي

السياق 

في محاولة لفك حالة الجمود والانسداد السياسي في العراق، بدء اجتماع قادة الكتل السياسية في العراق بدعوة من رئيس حكومة تسيير الأعمال الدكتور مصطفى الكاظمي، فيما سمي بالحوار الوطني بين القوى السياسية، بعد تلويح قوى شيعية بالنزول إلى الشارع، ما بين التظاهر وحمل السلاح.

وأطلق الكاظمي مبادرته عبر بيان رسمي، قال خلاله إن المسؤولية الوطنية تقتضي أن يتجمع العراقيون من كل التيارات السياسية للخروج من الوضع الراهن.

وذلك لإيجاد الحلول للأزمة السياسية الحالية، وفق الدستور والمصلحة الوطنية العليا، ضمن رؤية مؤسسات الدولة، بضرورة الحد من تأثيرات الأزمة السياسية في مصالح الشعب وأمن البلاد.

وتزامنا مع بدء الاجتماع أعلن التيار الصدري عدم مشاركته في الحوار. حسبما نشرت وسائل إعلام عراقية.

أزمة المصالح المشتركة

يقول الدكتور غازي فيصل حسين، مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية للسياق، إن مبادرة الكاظمي تواجه شبح الفشل، لعدم وجود أرضية لمصالح مشتركة بين الأحزاب السياسية، إضافة لعدم تقديمها أي تنازلات.

وأوضح أن كل قوة سياسية ستحاول فرض الأمر الواقع على الآخرين، لافتًا إلى أن الأحزاب التي قادت البلاد للأزمة الراهنة، من الصعب أن تكون عاملًا إيجابيًا للخروج منها.

ونوه مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن العملية السياسية التي تأسست بعد 2003 ودستور 2005، فشلت في تبني استراتيجية شاملة للأمن الوطني، لضمان التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وشدد على أنها فشلت أيضاً في إعادة تشغيل 50 ألف مصنع معطل منذ 2003، والاستثمار في مجال الزراعة، إذ يستورد العراق 92% من غذائه من إيران وتركيا، بجانب تبديد نحو تريليون دولار من عائدات النفط، ما دفع الجماهير للتعبير عن غضبها عبر الاحتجاجات التي تجسد معاناة الشعب ومشكلاته، خصوصاً الشباب، من الفقر والبطالة والجوع والتشرد.

واتهم حسين الطبقة الحاكمة بالفساد، إذ ادعت تمثيلها للشيعة، واليوم يثور شباب الشيعة والسُّنة والأكراد والتركمان وجميع الأديان والمذاهب، ضد التسلط والاستبداد واحتكار السلطة، وتبديد الثروات وتدمير البنية التحتية للصناعة والزراعة والخدمات.

تفكيك مؤسسات الدولة

وأضاف مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن استمرار الأزمة الراهنة واندلاع الصراعات السياسية بين التيار الصدري والإطار التنسيقي المقرب، بسبب استمرار طبقة الفساد المالي والمليشيات المسلحة، في الإصرار على تفكيك مؤسسات الدولة ونشر الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار والهيمنة على الثروات.

ويرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية أن استمرار حالة الانسداد السياسي والفراغ الدستوري والعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للوزراء بعد 10 شهور من الانتخابات التشريعية، يعد مؤشرًا خطيرًا على العجز والفشل السياسي للأحزاب الدعوية وسياسات الفساد المالي والسياسي.

وأضاف أنه بعد رفض مجلس القضاء الأعلى حل البرلمان تلبية لمطالب الجماهير المعتصمة، فإن الشعب العراقي ينتظر قرار المحكمة الاتحادية للنظر في الدعاوى الشعبية، لإصدار قرار حل البرلمان، بسبب عجز السلطة التشريعية عن الالتزام بتوقيتات الاستحقاقات الدستورية، واستمرار الصراع بين الأحزاب والمشكلات العالقة بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، ومع تحالف السيادة من جهة أخرى.

 وفي النهاية، يرى حسين أن العملية السياسية وصلت لطريق مسدود وتذهب للتفكك، أمام حتمية تعديل الدستور وحل البرلمان وتحديد موعد لانتخابات مبكرة عام 2023، تحت إشراف الأمم المتحدة، لضمان ديمقراطية الانتخابات وشفافيتها.

وتابع أن العراق تتربص به الأحزاب الحليفة لإيران والمليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، لاستعادة زمام الأمور للاستمرار في احتكار السلطة، وتكريس علاقات التمييز الديني والطائفي واستمرار ظاهرة المحاصصة الطائفية والسلطة، بوصفها غنيمة لتقاسم النفوذ والثروات بين الأحزاب، وحرمان الشعب العراقي من حقوقه الدستورية.

وحذر حسين من أن غياب أي معالجات جذرية للأزمة التي تعصف بأمن العراق واستقراره، يدفع ثورة الجياع إلى الاستمرار، حتى تقويض سلطات الفساد ومافيات الجريمة المنظمة والصواريخ المنفلتة.

لا أمل

وأعلن مقتدى الصدر، تأجيل المليونية التي دعا إليها السبت المقبل، للحفاظ على "السلم الأهلي"، مشيرًا -عبر "تويتر"- إلى أن هذا القرار جاء لـ "إفشال مخططات الفاسدين الذين يراهنون على الحرب الأهلية".

إلى ذلك يقول محمد أرسلان، الخبير العراقي المتخصص في الجماعات الإرهابية للسياق"، إن الوضع في الشارع العراقي عمومًا، من خلال مراقبة تحركات الطرفين، ينذر بفشل المبادرة، إذ إنه لا بصيص أمل لعودة الحوار بين الفرقاء.

ويستند أرسلان في حديثه إلى أن كل طرف متمسك بما يراه صحيحاً، خاصة أن الصدر لم يتراجع عن مطلبه بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، والإطار التنسيقي أيضًا لم يتنازل عن دعواته لتشكيل الحكومة وعدم حل البرلمان.

ويرى الخبير العراقي أن مبادرة الكاظمي يمكن أن تكون مثمرة إذا كان هناك "عقلاء" يبحثون عن مصلحة العراق الوطن والشعب، لكن ما هو موجود لا يوحي بهذا الشيء، بقدر ما يفكرون بولاءاتهم ومصالحهم المذهبية.

وبالنسبة للمستجدات في العراق، يعتقد أرسلان أن الأمور تتجه نحو الانسداد السياسي "عقيم الحل"، الذي يعقده تمسك الطرفين بموقفهما وعدم تقديم أي تنازلات.

ويوضح أن هذا ما يعقد أي محاولات لحلحلة الأمور أو البدء بأي عملية تسوية أو إدارة الأزمة في هذه المرحلة، خصوصًا أن كل طرف مدعوم بقوى إقليمية ودولية، بحسب قوله.

ويشدد أرسلان على أن الخلاف بين الصدريين والإطار التنسيقي ليس له علاقة بالداخل العراقي، لأن كلًا من الطرفين كانت له يد في الحالة السياسية الممتدة أكثر من عقدين، بعد احتلال العراق حتى الآن.

ويعتقد الخبير العراقي أن الخلاف الإيراني الغربي، خاصة في ما يتعلق بالاتفاق النووي، له دور في تصاعد الأزمة بالداخل العراقي.

ويلفت أرسلان إلى أن البرلمان لن يُحل، ولن تكون هناك انتخابات مبكرة، منوهًا إلى أن الكلمة الآن ليست للسياسيين بقدر ما هي للشارع، وهو ما ظهر مؤخرًا عبر حثَّ كل طرف أتباعه على النزول للشارع، لاستعراض القوة على الطرف الآخر.

ويعتقد أن الأمور سوف تسوء أكثر مما هي عليه، حال تصميم كل طرف على رأيه، وعدم التوصل لاتفاق في جنيف بين إيران والغرب.

البعد الدولي

ويتفق مع الرأي السابق المحلل السياسي العراقي علي الكاتب، إذ يقول لـ"السياق": علينا التذكير بأن جميع الحكومات التي أنتجها العراق بعد 2003، لم يكن لها أن تمر أو تستمر من دون توافق واتفاق دولي إقليمي على قبولها.

ويشير الكاتب إلى أن تمرير الصدر لمشروعه السياسي في ضوء انتخابات أكتوبر أو إذا ما تم اللجوء لانتخابات مبكرة جديدة، لا يمكن أن يتحقق بالكيفية والحجم الذي يطمح له من دون دعم إقليمي ودولي.

ميدانيًا، يرى المحلل السياسي العراقي أن إزاحة أحد المعسكرين (الصدر أو الإطار التنسيقي) صعبة، إن لم تكن مستحيلة، كونهما يمتلكان ترسانة من الأسلحة بمختلف الأنواع وأنصار وأذرع نافذة، ويجيدون حرب الشوارع، خصوصًا الخبرات التي أضيفت لهم خلال الحرب على داعش.

لذا، والحديث للكاتب، فإن ما يتم داخل العراق لا يمكن فصله عن الصراع العالمي بالمنطقة، ويعد مسرحًا للنفوذ الإقليمي والدولية.

وفي ما يتعلق بسيناريوهات الأزمة في ضوء المعطيات الحالية، وبالرجوع إلى عقيدة الخلاف والاختلاف بين أبناء القوى السياسية الشيعية، يرى المحلل السياسي العراقي أنه سيفرض عليهم بناء مساحة مشتركة للخروج من الأزمة الراهنة، بما يحفظ ماء وجه كل طرف فيهم.

انهيار متوقع

من جانبه، يقول هاني الأعصر، المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات لمنصة "السياق": ليس من المتوقع حل البرلمان بشكل أو بآخر فضلًا عن أنه لن يكون الحل الأمثل للأزمة.

ولفت إلى أن هناك فرصًا كبيرة جدًا للانهيار السياسي بالعراق، خاصة مع حالة الاستقطاب السياسي الدولي بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى، يمكن أن تمنح فرصة إلى إيران المدعومة من موسكو والمحسوبة على المعسكرين الروسي والصيني، بأن تعاود العمل وتنشط مرة أخرى داخل أي من الدول العربية، لتستعيد نفوذها.

ويرى الأعصر أن انسداد الأفق السياسي وتعقيدات المشهد الحالي بالعراق، جزء منه -بشكل أو بآخر- مرتبط بحضور دولة المليشيات.

 وتابع أن الولايات المتحدة بعد 2003 دعمت بشكل كبير فكرة انهيار الدولة المركزية بالعراق، وفى المقابل نمت فكرة دولة المليشيات، وبذلك لا مانع من عدم احترام الصندوق الانتخابي، نتيجة قوة السلاح الذي تحمله.

ويلفت الأعصر، إلى أن الحوار السياسي الذي دعا له الكاظمي، لن يجدي نفعًا في ظل حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي، لافتًا إلى أن بعض القوى السياسية قد تستجيب لدعوة الحوار من منطلق الحصول على مكاسب سياسية فقط.