فورين بوليسي: هل تغرق باكستان في الديون؟

ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي وعبء الديون أصعب التحديات التي تواجهها.

فورين بوليسي: هل تغرق باكستان في الديون؟

ترجمات - السياق 

وصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، الوضع المالي والاقتصادي لباكستان بـ"المتأزم"، مشيرة إلى أن إسلام آباد (غارقة في الديون)، موضحة أن ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي وعبء الديون أصعب التحديات التي تواجهها.

وقالت: باكستان في دوامة الموت السياسي والاقتصادي، التي يمكن أن تدفعها فوق الجرف نفسه مثل سريلانكا، حيث يهدد الصراع الداخلي وعدم الاستقرار الإقليمي وعدم اليقين العالمي بقاء الدولة.

وحسب المجلة، كافحت باكستان للتعافي من الوباء، وتكافح الآن مع ارتفاع آخر في حالات كورونا، لكنها تواجه تحديات تهدد الحياة على غرار ما واجهته سريلانكا قبل انهيار الحكومة وسط تضخم بنسبة 50 في المئة، ونقص الغذاء والوقود والأدوية، وانقطاع التيار الكهربائي، لافتة إلى أنه في مايو الماضي، أخفقت البلاد في سداد أحد القروض الأجنبية.

تغذية بالتنقيط

بالنسبة لباكستان -حسب "فورين بوليسي"- يعد دعم الحياة تغذية بالتنقيط للقروض من الأصدقاء الأجانب، والحقن الطارئ من المقرضين متعددي الأطراف.

وأشارت المجلة إلى أن بعض المشكلات الاقتصادية في باكستان داخلية، ومن صُنع قادتها، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في تعزيز الصادرات، التي من شأنها أن تفيد الطبقة العاملة، لتحقيق التوازن بين الواردات عالية الجودة للنخبة العسكرية والسياسية.

ومع ذلك، هناك أيضًا بعض الأسباب الخارجية، فقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى توقف الإمدادات الغذائية العالمية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما أدى إلى اختناق إمدادات الطاقة مثل الغاز الطبيعي والنفط.

وحسب المجلة، أضافت الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مزيدًا من الضغط على باكستان.

وسجلت الروبية أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار -الأسبوع الماضي- بعد أن رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيس 75 نقطة أساس أخرى، وهي خطوة لترويض التضخم المحلي، لكن بالنسبة لباكستان والاقتصادات النامية الأخرى، فإن المعدلات المرتفعة تخفض قيمة العملة وترفع تكلفة خدمة الدين، وتؤدي أيضًا إلى الغضب العام.

دوافع الغضب

وبينت "فورين بوليسي" أن دوافع الغضب قابلة للزيادة في باكستان، حيث يتجاوز التضخم 38 في المئة سنويًا، ويتجاوز الدين السيادي 250 مليار دولار.

وقال البنك المركزي الباكستاني: "الديون الخارجية والمدفوعات الأخرى" خفضت احتياطات النقد الأجنبي إلى أقل من 9 مليارات دولار، وهو ما يكفي ستة أسابيع فقط من الواردات.

أمام هذه التحديات -حسب المجلة- يسحب بعض الباكستانيين الدولارات من البنوك المحلية، رغم تأكيدات وزير المالية مفتاح إسماعيل أن الحكومة لن تجمد أو تصادر العملة الأجنبية.

كما خفضت إحدى وكالات التصنيف الائتماني الكبرى (إس آند بي جلوبال)، التوقعات طويلة الأجل لباكستان إلى "سلبية".

لذلك -حسب المجلة- ربما ليس من المستغرب أن يكون قائد الجيش -الذي يشار إليه غالبًا على أنه أقوى رجل في باكستان- قد اتخذ خطوة غير عادية بالاتصال بواشنطن لطلب المساعدة في إقناع صندوق النقد الدولي بخرق البروتوكولات الخاصة بالإفراج العاجل عن الأموال.

وبحسب ما ورد، طلب الجنرال قمر جاويد باغوا من نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، حث صندوق النقد الدولي على الإفراج عن 1.2 مليار دولار على الفور، وليس بعد اجتماع مجلس الإدارة أواخر أغسطس، للموافقة على قرار اتُخذ بالفعل من قِبل الرتب الدنيا، وفقًا لمؤشر نيكاي آسيا.

هذه الأموال -حسب "فورين بوليسي"- جزء من قرض صندوق النقد الدولي الممدد بـ 6 مليارات دولار، واتفاقية الإنقاذ لعام 2019.

كان الإفراج عن 1.2 مليار دولار معلقًا بسبب مخاوف صندوق النقد الدولي بشأن الإشراف الاقتصادي لرئيس الوزراء السابق عمران خان، إذ إنه خلال أربع سنوات في المنصب، عزل خان الولايات المتحدة ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف واستخدم الإسلاموية كمنصة شعبوية له.

وأطيح خان في أبريل الماضي، من خلال تصويت بحجب الثقة في البرلمان، سرعان ما ألقى باللوم فيه على مؤامرة أمريكية.

خطة الإنقاذ

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن خليفة خان، شهباز شريف، تحدث إلى واشنطن عن خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، وتفاوض بشأن مليار دولار إضافية لأخذ حزمة تصل إلى 7 مليارات دولار، وأطلق إصلاحات لتلبية شروط صندوق النقد الدولي لدعم الميزانية، بما في ذلك إلغاء دعم الوقود.

أمام هذه الإجراءات، ارتفعت الأسعار بنسبة 17%، وهو ما حاول خان استغلاله في تسخير الغضب الشعبي اللاحق، لإعادة تأهيل سمعته في الانتخابات المقرر إجراؤها أكتوبر 2023.

وحسب المجلة الأمريكية، فإنه وسط الاضطرابات السياسية، أكد باغوا مجددًا، أين تكمن القوة الحقيقية في الديمقراطية الباكستانية "الهجينة"، حيث يتأثر البرلمان المنتخب بشدة بالجيش.

وتعليقًا على ذلك، نقلت المجلة عن دبلوماسي غربي في إسلام آباد -اشترط عدم كشف هويته- قوله: مكالمة باغوا لنائبة وزير الخارجية الأمريكية جعلته يبدو كأنه "المسؤول الوحيد في البلاد".

وقال حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق في واشنطن، الذي يعمل في معهد هدسون، لمجلة نيكي آسيا، المتخصصة في الشأن الآسيوي: مكالمة باغوا الهاتفية "تعكس مخاوف الجيش الباكستاني من حالة الاقتصاد"، كما أنها تبين أن قائد الجيش الباكستاني السلطة الوحيدة التي يريد العالم التعامل معها، لأنه "صاحب الكلمة الأخيرة".

تحديات أمام باغوا

وبينت "فورين بوليسي" أن هناك تحديات تواجه باغوا، ومن ثمّ يجب عليه التدخل لإنهائها، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي ينهار فيه الاقتصاد، يتعرض الأمن للخطر بسبب الصراعات الانفصالية والإرهابية في أجزاء مختلفة من البلاد.

وأشارت إلى أنه منذ استيلاء طالبان على أفغانستان المجاورة العام الماضي، تم إحياء حركة طالبان الباكستانية، المعروفة بـ "تحريك طالبان باكستان"، التي شنت هجمات إرهابية مدمرة ضد الدولة الباكستانية.

ويجري الجيش الباكستاني محادثات مع حركة طالبان باكستان، التي توسطت فيها حركة طالبان الأفغانية، بعد أن قصف الجيش الباكستاني مواقع حركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان هذا العام.

وتتعامل باكستان أيضًا -حسب المجلة- مع حركة انفصالية في بلوشستان، وهي منطقة شاسعة متاخمة لإيران وأفغانستان، حيث تُقاتل الجماعات المسلحة من أجل وطن مستقل.

ورغم هذه التحديات، تظل الأزمة الاقتصادية أكثر إلحاحًا، فقد ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن التزامات الديون السيادية المستحقة على باكستان -خلال السنوات الخمس المقبلة- نحو 50 مليار دولار، تأتي في وقت ينتشر فيه الفقر والجوع والغضب العام.

أمام ذلك، سيكون البديل هو التخلف عن السداد مرة أخرى في القروض الأجنبية، وهو نمط متكرر كثيرًا جعل باكستان من أكثر دول العالم التي تتدخل المؤسسات المالية الدولية لإنقاذها منذ تأسيسها عام 1947.

وبينما يصر مشرِّعون محليون على أن التخلف عن السداد لن يحدث، وأن الحكومة الجديدة ستتخذ عددًا من القرارات، التي تفتح الباب أمام ثقة أكبر من قِبل صندوق النقد الدولي والمستثمرين الأجانب، يتبنى آخرون وجهة نظر أكثر تشاؤمًا.

وفي ما يخص تداعيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد حاليًا، نقلت "فورين بوليسي" عن دبلوماسي إقليمي -اشترط أيضًا عدم كشف هويته- قوله: الغضب العام من سوء الإدارة السياسية يمكن أن يترجم إلى رد ديني متطرف، مشيرًا إلى أنه "إذا استغل خان الغضب العام لتحقيق عودة سياسية، فإن ذلك من شأنه أن يعيد البلاد إلى الوراء أكثر"، مضيفًا: "بالتأكيد لا أحد يريد ذلك أو يحتاجه".