السر في الفصل الـ11 من آيات شيطانية.. لماذا أهدر الخميني دم سلمان رشدي ؟
يرسم صورة كاريكاتيرية لاذعة وثاقبة بشكل ملحوظ للخميني نفسه

ترجمات - السياق
في مقال بصحيفة "ذا ناشيونال"، كشف حسين إبيش، كبير الباحثين بمركز دول الخليج في واشنطن، علاقة يتجاهلها الكثيرون بين "الفصل 11" لرواية "آيات شيطانية" وفتوى الخميني، المرشد الأعلى السابق للثورة الإيرانية، بإهدار دمه.
يوم الجمعة الماضي، تعرض الروائي سلمان رشدي للهجوم، وتلقى طعنات متكررة عندما كان على المسرح يلقي خطبة في "معهد تشوتاوكوا" بولاية نيويورك الأمريكية.
وألقت السلطات الأمريكية القبض على مرتكب الواقعة، وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره.
ويبدو أن رشدي يتعافى من إصابته، لكنه قد يفقد إحدى عينيه، إضافة إلى أضرار محتملة تتعلق بأعصابه وكبده.
وقال الكاتب: "لا تزال إيران تمتطي موجة الحماسة الثورية في ثمانينيات القرن المنصرم، حيث سعت لوضع نفسها في طليعة المستفيدين من غضب المسلمين" ضد الغرب، الذي يتم استغلاله بشكل كبير".
في 14 فبراير 1989، أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آنذاك، الخميني فتوى، وهي رأي ديني يعد ملزمًا لأتباعه، وفقًا لبعض التقاليد الشيعية، دعا خلالها إلى قتل مؤلف الرواية والضالعين في نشرها.
ولاحقًا، عرضت طهران 3 ملايين دولار مكافأة لكل من يغتال رشدي، الذي عاش بعدها متخفيًا على مدى سنوات، في ظل موجة من العنف أعقبت الفتوى، أدت إلى تفجير 4 مكتبات في بريطانيا، كما تعرض المترجم الياباني للرواية للطعن حتى الموت، وكذلك أصيب المترجم الإيطالي لها بإصابات خطيرة.
وتلقى الناشر النرويجي لـ "آيات شيطانية" ثلاث رصاصات، أسفرت عن إصابات بالغة، ثم قائمة طويلة لأحداث عنف أخرى في هذا الصدد.
ولم تكتفِ الحكومة الإيرانية والمؤسسات الرسمية للدولة الآسيوية، بتأكيد استمرار المكافأة والفتوى، لكنها زادت قيمة الأموال المستعدة لدفعها، لمن ينفذ هذا الإرهاب الذي يمثل معاداة للتحضر وفقًا للباحث المخضرم.
واستطرد إبيش: "كل هذه الخلفية المتعلقة بمحاولة اغتيال سلمان رشدي مفهومة على نطاق واسع، لكن الجذور الأعمق لغضب الخميني يتم تجاهله إلى حد كبير".
وفسر ذلك قائلًا: "إن الفصل الـ 11 من الرواية يرسم صورة كاريكاتيرية لاذعة وثاقبة بشكل ملحوظ للخميني نفسه، من خلال شخصية الإمام، وهو رجل دين متعصب، أجبر على العيش في الغرب مثل الخميني ذاته، الذي تم نفيه إلى فرنسا، بعد أن طرده صدام حسين من العراق".
ومن بين السخافات التي اتسمت بها شخصية "الإمام" في الرواية رغبته في وقف الزمن، وهي محاكاة ساخرة لكراهية الخميني المحمومة للتقدم والحداثة.
وخلال الرواية، أصدر "الإمام" مرسومًا يقول فيه: "بعد الثورة، لن تكون هناك ساعات، سوف نحطمها. سوف تمحى كلمة ساعة من قواميسنا".
وتابع الإمام: "بعد الثورة لن تكون هناك أعياد ميلاد، جميعنا سوف يولد من جديد، سنكون كلنا في السن نفسها، غير المتغيرة في عين الله عز وجل".
ورأى إبيش أنه من الصعب تخيل نقد لاذع أكثر دقة للخميني ومهمته الخبيثة، مما عرضته الرواية، لافتًا إلى أن الفصل الحادي عشر يحمل المزيد عن شخصية الإمام، ما تسبب في تزايد اشتعال غضبه واعتبار الأمر إساءة شخصية له.
وأضاف: "لقد كان الخميني وأتباعه بالتأكيد على دراية بذلك، حينما قرروا إهدار دم المؤلف، لكنهم زعموا أن ذلك رد فعل على "الهجوم على الإسلام والنبي محمد والقرآن الكريم" لكن لا شك أن فوق ذلك كله كان الأمر يتعلق بجرح ذاتية رجل يسبغ على نفسه لقب "المرشد الأعلى".
وأشار إلى أن ردود الفعل تجاه محاولة القتل الوحشية لسلمان رشدي في الإعلام الإيراني المسيطر عليه بشكل كبير تراوحت بين مجرد وصف واقعي للأحداث إلى احتفالات مبتهجة بما حدث إلى تهديدات مفادها أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووزير خارجيته السابق مايك بومبيو قد يكونان التاليين في قائمة الاستهداف، إضافة إلى تصورات تآمرية، تزعم أنها عملية مدبرة من أجل عرقلة المفاوضات النووية.
بيد أن التغطية الإعلامية الإيرانية خلت من أي تلميح يتعلق بالقلق أو الندم أو الاعتراض.
إن إدراك الخميني وأتباعه أن شخصية الإمام في الرواية إنما تمثل تجسيدًا للمرشد الإيراني ونظامه المتعصب، ثم لجوءهم إلى هذا النمط الوحشي عام 1989 وما تلا ذلك، يخبرنا بشكل شيء نحتاج معرفته بشأن إدمانهم المستمر للعنف وعدائهم للإبداع وحرية التعبير وفقًا لحسين إبيش.
وأردف: "من السيئ للغاية أنهم لم يتوقفوا عن تشجيع المتطرفين على قتل رشدي، لتعزيز صورتهم بين المسلمين الراديكاليين، لاسيما أن ذلك يؤجج بقوة الإسلاموفوبيا الغربية. الأكثر سوءًا أن الأمر يعود بجذوره إلى الأنا المجروحة لطاغية نرجسي".
ليس من المرجح أن يرى المعتدي أيًا من الملايين الإيرانية الموعودة، لكن شماتة طهران تؤكد من المسؤول عن هذا الهجوم الشنيع.
بعد نشر رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي في سبتمبر 1988، اندلعت الاحتجاجات في مدينة برادفورد الإنجليزية، التي تضم عددًا كبيرًا من أصحاب الجذور الجنوب آسيوية، وانتشرت المظاهرات في الهند وباكستان.
القليل من المحتجين، أو ربما لا أحد منهم على الإطلاق، قرأ الرواية التي وجهوا إليها اتهامات بأنها "كافرة"، لكنها في واقع الأمر ليست كذلك، بل مجرد تجسيد لتخيلات جامحة من شخصية مجنونة بالرواية يحمل اسم جبريل فاريشتا، يسيطر عليه وهم مفاده أنه تحول إلى رئيس الملائكة جبريل.
هذه التخيلات السريالية، أو التي تندرج تحت تصنيف "الواقعية السحرية" تتضمن حلمًا يحمل إشارات تتعلق بحياة وعمل النبي محمد، لكن الرواية ذاتها لم تكن محاولة للحديث عن قصة ميلاد الإسلام أو انتقاد الدين، بحسب المقال.
ورغم أن بعض المسلمين قد يرون أن هناك مقاطع مسيئة، فإن في أرجاء الرواية، كان الكاتب يقرأ عادات وثقافة وتجارب خلفيته الجنوب آسيوية، من خلال عدسات "واقعية سحرية" أو عجائبية.
وبالطبع، والكلام للمقال، لم تكن الاحتجاجات تتعلق بالمؤلف ولا الكتاب، لكنها كانت تستهدف ترسيخ نفوذ قادة المجتمع، وفي سياق جهود لتنغيص الحياة على السلطات المحلية.
وأضاف المقال: "الاحتجاجات المتعلقة بأشياء مجردة أو بعيدة دائمًا ما ترتبط بأهداف مختلفة أكثر قربًا للشأن الداخلي".
حسين إبيش هو كبير الباحثين بمركز دول الخليج في واشنطن، وكاتب مقالات عن الشأن الأمريكي في صحيفة ذا ناشيونال.