ماء بارد ووجبات ساخنة... بغداد أمام اعتصامين بمطالب متباينة

حر شديد يضرب العراق تزامنًا مع موجة ساخنة من الاضطراب السياسي، الذي يلازم البلاد منذ أشهر، مظاهرات واعتصامات واحتجاجات وعنف تتباين وتيرته

ماء بارد ووجبات ساخنة... بغداد أمام اعتصامين بمطالب متباينة

السياق

حر شديد يضرب العراق تزامنًا مع موجة ساخنة من الاضطراب السياسي، الذي يلازم البلاد منذ أشهر، مظاهرات واعتصامات واحتجاجات وعنف تتباين وتيرته، وأخيرًا جلسة حوارية دعا إليها رئيس حكومة تسيير الأعمال مصطفى الكاظمي، رفض التيار الصدري المشاركة فيها وبالتبعية نتائجها.

وجاء على لسان صالح محمد العراقي، الذي يعرف بـ "وزير الصدر" أن تلك الجلسة التي تبنّاها رئيس الوزراء "مشكوراً"، لم تسفر إلا عن بعض النقاط التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مطالبًا القوى السياسية بجلسة حوار علنية، عبر بث مباشر يُعرض على الشعب العراقي، لـ"ملء الكرسي الخالي".

العراقي يرى كما رأى أن الحوار لم يتضمن أي بنود تخص الشعب أو تستجيب لتطلعاته، متهمًا أغلبية الأطراف السياسية التي حضرت بأنها لا يهمها سوى التمسك بمنصبها.

وقال العراقي: "لا تزيدوا من حنق الشعب ضدكم، ولا تفعلوا فعلاً يزيد تخوّف الشعب من العملية الديمقراطية التي تخيطونها على مقاسكم"...!

بينما يستمر التيار الصدري باعتصامه، يسير على خطاه منافسه اللدود الإطار التنسيقي.

ورغم اختلاف المطالب بين اعتصامهما، تتشابه يوميات المعتصمين قرب المنطقة الخضراء في بغداد وداخلها، إذ تتواجد خيم ملونة وقدور كبيرة من الأرزّ والخضار واللحم والماء البارد لمقاومة الحرّ الشديد.

أواخر يوليو، توزعت في محيط البرلمان العراقي أعداد كبيرة من الخيم الملونة، التي نصبها مناصرو الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، تعبيرًا عن قدرته على تعبئة الشارع، وسط نزاع سياسي مع خصومه. والمطلب الأساسي للمعتصمين هو حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

ردّ الإطار التنسيقي بأن أقام بدوره اعتصاماً في محيط المنطقة الخضراء المحصنة، حيث توجد المؤسسات الحكومية والمقار الدبلوماسية.

ويقول منظمون من الطرفين إن التنظيم والدعم اللوجستي للاعتصام تؤمنهما المواكب العاشورائية المتجذّرة في التقليد الديني الشيعي بالعراق، وهي مواكب متحركة تموِّلها تبرعات، وتؤمن المأكل والمشرب لزوار عاشوراء ومراسم الأربعين في كربلاء.

من بين هذه المواكب، موكب "أحباب الصدرين"، تيمناً بمقتدى الصدر ووالده محمد الصدر.

يقول فاضل رحمن، أحد المشرفين على الموكب الذي يضمّ 25 شخصاً، لوكالة فرانس برس: "ننام هنا في الخيم، أحضرنا أوسدتنا من بيوتنا وجئنا".

ويضيف الرجل الذي ارتدى قميصاً أسود وسروال جينز، البالغ من العمر 33 عاماً: "نقدّم وجبات للمعتصمين، من الفطور إلى الغداء، والعشاء. الشاي موجود. والماء البارد. أهم ما في الأمر هو الماء البارد في هذا الحرّ".

يؤكد الرجل الذي يعمل سائق عربة تكتك، وتبرع من جيبه بـ250 ألف دينار (170 دولارًا)، لتمويل الموكب بالطعام، أن وجوده متواصل في هذا الاعتصام إلى "أن نبعد الفاسدين".

في الخيم يحتمي المعتصمون من الشمس، ممددين على فرش صغيرة. بعضهم حظي بمكيّف متحرّك داخل خيمته، يغذّيه من الكهرباء التي تزوّد البرلمان.

ماء بارد

في باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه. ويقوم البعض بذبح المواشي للطبخ. من على أكشاك صغيرة أو طاولات، يوزّع متطوعون الخبز أو الجبنة، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة.

بالمجمل، يضمّ اعتصام التيار الصدري نحو 70 موكباً تابعة لمناصري التيار أو لعشائر، كما يقول لوكالة فرانس برس أحد المشرفين.

ويضيف الرجل الذي فضّل عدم كشف هويته إنهم يقدمون "للمعتصمين المواد الغذائية" التي يحتاجون إليها.

وتقدّر قيمة الأموال التي ينفقها كل موكب يومياً لإطعام المعتصمين بنحو "6 ملايين دينار (قرابة 4 آلاف دولار)... ونحو 100 كلغم من الأرزّ، ومواد أخرى مثل لحم العجل والخراف والفاكهة والمياه". ويشير مثلاً إلى أن متبرعاً من إقليم كردستان قدّم 12 خروفاً.

أمام الباب الرئيس للبرلمان، يقف محمد حسين على شاحنة بيضاء صغيرة، بثياب تلطّخت بمواد الدهان الذي يعمل به، وبالعرق الذي يسيل منه تحت أشعة الشمس الحارقة.

لفّ الرجل البالغ من العمر 33 عاماً رأسه بقميص أسود يحميه من أشعة الشمس، بينما نادى بأعلى صوته على العابرين لتناول الأرزّ واللحم والفاصوليا التي يوزّعها.

يخبر محمد "فرانس برس": "كل ليلة أجتمع مع أصدقائي، ونقرر نوع الطعام الذي سنحضره في اليوم التالي".

لا يتجاوز دخل محمد في الأسبوع 40 ألف دينار (نحو 27 دولاراً)، لكن أمله أن يكون هذا الاعتصام انطلاقاً للتغيير دفعه لأن يتبرع وأصدقاؤه بقليل من الأموال لدعم المعتصمين.

ويقول: "كل منا يدفع 20 إلى 15 ألف دينار ونشتري ما نقدر عليه. نقطع الأموال عن أولادنا لنقدم الطعام للمعتصمين".

ويضيف الرجل الذي لديه ستة أطفال أنه يفعل كل هذا أملاً بأن "يمحو السيد مقتدى الفاسدين من الوجود، ونستريح".

على حسابنا الخاص

على طريق مؤدٍ إلى المنطقة الخضراء يعتصم أنصار الإطار التنسيقي منذ نحو أسبوع، مطالبين بتشكيل حكومة تؤمن الخدمات الأساسية وتحسّن الحياة اليومية للعراقيين.

يضمّ الإطار التنسيقي خصوصاً كتلة الفتح البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم التاريخي للصدر.

على إحدى الخيم، وضعت لافتة كتب عليها "يجب احترام مؤسسات الدولة خصوصاً التشريعية والقضائية"، ردًا -على ما يبدو- على مطالبة الصدر بحلّ البرلمان.

يؤكد مصدر في الإطار التنسيقي فضّل عدم كشف هويته أن "الخيم الموجودة هي نفسها الخاصة بالمواكب العاشورائية".

ويضيف: "آلاف المتضررين من تعطيل تشكيل الحكومة مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم... ما يحتاج إليه المعتصم لا يتعدّى الطعام والشراب، وفي معظمها من بركات عاشوراء".

ويقول أبو علي الكاظمي، أحد المعتصمين، أن كل تلك الاحتياجات يتمّ تأمينها "على حسابنا الخاص، وعبر مواكب حسينية ومواكب عشائر... نطبخ بأنفسنا ونقدم الخدمات للناس. العشائر تدعمنا، المنازل المجاورة للاعتصام تدعمنا".

ويقول الرجل البالغ من العمر 45 عاماً: "الحياة معطلة في العراق الآن بسبب تلك الجهة المحتلّة للبرلمان"، مؤكداً أن الاعتصام سوف يستمرّ إلى حين "تلبية مطالبنا المشروعة لا سيما تشكيل حكومة".