لماذا تستمر سياسة ماكرون الأوروبية في الفشل؟
قالت فورين بوليسي الأمريكية، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يمتلك أفكارًا جيدة، إلا أن مقاربته تجاه الاتحاد الأوروبي غامضة وأحادية وتخدم مصالحه الذاتية.

ترجمات - السياق
تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن أسباب فشل سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تجاه أوروبا، مشيرة إلى أنه يمتلك أفكارًا جيدة، إلا أن مقاربته تجاه الاتحاد الأوروبي غامضة وأحادية وتخدم مصالحه الذاتية.
وأشارت إلى أنه ربما تكون فرصة تحقيق قفزة جريئة في التكامل الأوروبي مواتية اليوم أكثر مما كانت عليه منذ سقوط جدار برلين، حيث أعادت فرنسا انتخاب إيمانويل ماكرون -الذي يمكن القول إنه أكثر رؤساءها تأييدًا لأوروبا على الإطلاق- وبعد 16 عامًا من عصر أنجيلا ميركل، يقود ألمانيا الآن تحالف تعهد بتحويل أوروبا إلى دولة فيدرالية، بينما أنهت الدنمارك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، انسحابها من سياسة الدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي، أما بولندا -التي كانت ذات يوم منشقة أوروبية- فترى بوضوح أكثر من أي وقت مضى ما يمكن أن تخسره من ضعف أوروبا، وبذلك -تضيف المجلة- "فإن الظروف الجيوسياسية مواتية بشكل خاص لتغييرات عميقة أوروبيًا".
وبينت المجلة أن أزمة كورونا كشفت لأوروبا ضرورة اعتمادها الاقتصادي الدولي والحاجة إلى التضامن، لافتة إلى أن الحرب العدوانية في أوكرانيا سببت شعورًا بالوحدة لم تشهده القارة العجوز منذ أزمة اليورو، كما أن المخاوف المتزايدة من انجراف الولايات المتحدة نحو رئيس آخر شبيه بالرئيس السابق دونالد ترامب يوقظ الأوروبيين على حقيقة يأسهم.
تأرجح أوروبي
وتضيف "فورين بوليسي": رغم هذا الاصطفاف الهائل، للدرجة التي جعلت خروج بريطانيا (حِبرًا على ورق)، فإن القارة العجوز تظل منقسمة بشأن نطاق وسرعة توسعها، ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان التدخل المالي الجريء الذي تم تقديمه خلال أزمة كورونا، كان الخطوة الأولى للعلامة التجارية الأوروبية الخاصة بالفيدرالية المالية، أو ما إذا كان ذلك مرة واحدة فقط.
وأشارت المجلة، إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يُقاتل مع المجر لانتهاكاتهالسيادة القانون، ويواجه عدم الاستقرار في البلقان، والأهم من ذلك أنه لا يزال مثقلًا بالمعاهدات التي تشكل عقبة أمام رسم نهج مشترك في مجالات حساسة، مثل الطاقة والصحة والسياسة المالية والدفاع.
أمام ذلك كله، يجذب ماكرون الجماهير بخطاب مؤيد لأوروبا طوال ولايته الأولى، لكنه لم يترجمه إلى نجاحات سياسية ملموسة على الأرض.
وتابعت: "بعد رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي التي دامت ستة أشهر، وبينما يبدأ ماكرون ولاية جديدة في منصبه، يجدر طرح السؤال: ما الذي يفسر الفجوة بين أجندة ماكرون الأوروبية الطموحة وحقيقة أن معظم جهوده خلال فترة ولايته الأولى انتهت بالفشل؟".
وتجيب المجلة: "من الواضح أن خطابات ماكرون العظيمة هزت الزعماء الأوروبيين، لكنه فشل في تحويلها إلى أفعال على الأرض".
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن الفجوة بين خطاب ماكرون وأفعاله كانت أكثر وضوحًا في الاجتماع الأخير لقادة الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، الذي أنهى الرئاسة الدورية لفرنسا للاتحاد الأوروبي، والذي قد يمثل أكبر انتكاسة لأجندة ماكرون الأوروبية منذ إعلان ميسبرج الفاشل في يونيو 2018.
ففي يونيو 2018، التقت ميركل وماكرون خارج برلين واتفقا على إعلان ميسبرج، وهو سلسلة من الالتزامات بشأن قضايا من السياسة الأمنية والدفاعية إلى الهجرة والسياسة الاقتصادية والمناخ وميزانية منطقة اليورو.
لكن -حسب المجلة- تم تجاهل هذا الإعلان، بدعوى محاولة الوصول إلى تكامل أوروبي أعمق، إلا أنه لم يتم أي شيء حتى الآن.
أيضًا -حسب المجلة- فشلت أوروبا في الاتفاق على وضع ميزانية موحدة لمنطقة اليورو لتحقيق استقرار أفضل للعملة الموحدة وترسيخ هيكلها، مشيرة إلى أن ماريو سينتينو رئيس مجموعة اليورو، دق المسمار الأخير في "نعش توسع اليورو"، بعد أن رفض عام 2019 فتح محادثات الانضمام مع غرب البلقان، وهي الدول التي اكتشفت أوروبا أهمية وجودها ضمن اتحادها، لمواجهة التحديات الجديدة التي مثلها الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي.
موت "الناتو"
ورأت "فورين بوليسي" أن تصريح ماكرون الذي وصفته بالاستفزازي عام 2019 بأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ميت دماغيًا، كان سببًا في عدم اتخاذ أي خطوات نحو إنشاء بنية أمنية أوروبية جديدة.
كما أن افتتاحية "الفاينانشيال تايمز" المشتركة التي كتبها ماكرون مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في ديسمبر 2021، التي دعت إلى شكل جديد من الحوكمة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، لم تتم مناقشتها، ولا حتى في قمة فرساي التي عُقدت في مارس الماضي.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه منذ ذلك الحين، لم يظهر أي اقتراح لإصلاح القواعد المالية الأوروبية من باريس، لافتة إلى أن دعوات ماكرون لعقد مؤتمر لبحث مستقبل أوروبا، التي قدمها خلال الحملة الانتخابية الأوروبية عام 2019، كنقطة انطلاق لإصلاحات مؤسسية عميقة، سرعان ما تم التقليل منها من قِبل البرلمان الأوروبي، وقد قوبلت محاولته الجريئة لإنعاش هذه الدعوات -خلال خطابه في 9 مايو الماضي في ستراسبورغ- بمقاومة شديدة أيضًا.
وقال ماكرون في كلمة له تعقيبًا على الغزو الروسي لأوكرانيا: "عندما يعود السلام إلى التراب الأوروبي، يتعين علينا بناء توازنات أمنية جديدة" من دون "الاستسلام للإغراء أو الإذلال، ولا لروح الانتقام، لأنها أمعنت في تدمير طرق السلام"، في إشارة إلى معاهدة فرساي التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى وشكلت "إذلالًا" لألمانيا.
خلال ذلك الخطاب -حسب المجلة- مهد ماكرون الطريق لمجتمع سياسي أوروبي جديد، بالسماح لأوروبا بالتوسع مع الدول الأعضاء الجديدة، وتعميق اندماجها مع الدول القائمة، مع الاعتراف بأن ذلك يتطلب إصلاحًا لمعاهدات الاتحاد الأوروبي.
وأشارت المجلة، إلى أنه بعد هذا الخطاب الطموح، جاءت الاستجابة كارثية، إذ إنه في اليوم الذي قدمه فيه، أصدر تحالف من 13 دولة أوروبية بقيادة السويد بيانًا أكد فيه أن المؤتمر لم يكن مصممًا لتحقيق إصلاحات مؤسسية أو معاهدات جديدة.
ولفتت إلى أنه بعد أقل من أسبوع، رفضت بلجيكا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ وإسبانيا وهولندا أي مشاركة من القادة في هذه المرحلة، من خلال اقتراح "مجموعة عمل مخصصة" بيروقراطية، -بعبارة أخرى- موت بطيء بسبب الاستنزاف.
في غضون أيام -تضيف المجلة- رأى ماكرون نفسه في مواجهة معارضة قرابة 19 دولة من أصل 27 -أعضاء الاتحاد الأوروبي- لأفكار يمكن أن تحصل، مع مزيد من التحضير والدبلوماسية المتقدمة ، على دعم الأغلبية.
ورأت أنه "مع هذه الإخفاقات، تجد أوروبا نفسها بلا أجندة لتقوية بنيتها المعمارية، ولا خطة لترسيخ التزامها بجوارها"، لافتة إلى أن سبب هذه الإخفاقات أن سياسة ماكرون الأوروبية تعاني ثلاثة أمراض أساسية (أنها غامضة، وأحادية الجانب، وتخدم مصالحه الذاتية فقط).
ورأت المجلة الأمريكية، أن الخطر يكمن في أنه حالة عدم وجود أجندة للتكامل السياسي، فإن الحرب على حدود أوروبا، والتكلفة الاقتصادية للعقوبات، وتكلفة انتقال الطاقة، ستحول اللحظة الحالية من فرصة للتكامل إلى مصدر انقسام وشلل.
لكن، لتجنُّب هذه النتيجة -حسب المجلة- يجب أن تكون سياسة فرنسا الأوروبية أكثر وضوحًا، وأكثر صبرًا، وأقل خدمة للذات، وأن تتخلص من غموضها بشأن نوع الإصلاحات المؤسساتية التي تدعو إليها، حتى لو استغرق تحقيقها جيلاً كاملاً، كما تحتاج أيضًا إلى إنهاء التصرف بتعالٍ، لأن هناك إشارات واضحة على أنه كلما قدم ماكرون وقته وجهده لبناء تحالفات وطنية واسعة ومتنوعة "ينجح هو وأوروبا معًا".