الأزمة الأوكرانية... قصص إنسانية مروعة ولا عودة إلى ما قبل الحرب
لاجئون يروون رحلة الخروج من ماريوبول وإجبارهم على التوجه إلى روسيا... وكييف ترفع ثماني قضايا جرائم حرب تتعلق بجنود روس

السياق
رغم مرور قرابة 4 أشهر على الأزمة الأوكرانية، فإن الحرب التي سيطرت فيها روسيا على نحو 125 ألف كلم مربع، لم تضع أوزارها.
تلك الأراضي التي سيطرت عليها روسيا وتشمل شبه جزيرة القرم ومناطق من دونباس ومدينة ماريوبول وجنوبي البلاد، كانت حُبلى بالكثير من القصص الإنسانية، التي اضطر فيها الأوكرانيون للتوجه إلى روسيا، حيث الطريق الوحيد للفرار من المعارك والقتل المحتوم.
قصص إنسانية
الأوكرانية تاتيانا، المحاسبة البالغة 38 عامًا، كانت أحد هؤلاء الذين غيرت الحرب الروسية حياتهم، مشيرة إلى أنها بعدما أمضت أسابيع مختبئة في طابق تحت الأرض وسط ماريوبول وقتل والدها في ضربة صاروخية، قررت مغادرة المدينة لإنقاذ ابنتها البالغة تسع سنوات.
تقول تاتيانا في تصريحات لوكالة فرانس برس، إنها استغلت فرصة توقف عمليات القصف للتوجه إلى نقطة تجمع حددتها السلطات والاستعلام عن إمكانات المغادرة، إلا أن المسؤولين أبلغوها بأن المغادرة ممكنة فقط باتجاه روسيا.
تلك المعلومات صدمت تاتيانا والأوكرانيين الذين كانوا معها، قائلة: «صُدمنا لأننا لم نكن نريد التوجه إلى روسيا، كيف نتوجه إلى بلد يريد قتلنا؟!».
يليزافيتا وهي من مدينة إيزيوم في منطقة خاركيف، التي سيطرت عليها روسيا، قالت بعد أن وصلت إلى إستونيا قادمة من روسيا، إنه كان من المستحيل التوجه إلى أوكرانيا.
قصة أخرى ترويها سفيتلانا الموظفة في شركة صناعية كبرى، كانت في طابق سفلي مع زوجها ووالديه في حي يقع شرقي ماريوبول، أكدت أن عسكريين روسًا أمروهم بالمغادرة والتوجه إلى منطقة تسيطر عليها القوات الروسية.
وقالت الأوكرانية البالغة 46 عامًا، التي طلبت تغيير اسمها لحماية عائلتها: «عندما يقول لك مسلح إن عليك القيام بشيء ما، لا يمكنك أن ترفض»، مشيرة إلى أنها تمكنت من الانتقال إلى لفيف في أوكرانيا قرب الحدود مع بولندا.
أوضاع مزرية
سفيتلانا أكدت أنها نقلت عائلتها أولًا إلى مدينة نوفوازوفسكم الصغيرة، التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لروسيا، على بعد نحو أربعين كيلومترًا شرقي ماريوبول، إلا أن المطاف انتهى بهم في مركز ثقافي مكتظ، حيث كان الناس ينامون على قطع قماش.
إلا أن «أسوأ ما في الأمر رائحة الأقدام النتنة والأجساد القذرة التي لازمت مقتنياتنا رغم عمليات الغسل المتكررة»، تقول سفيتلانا، مشيرة إلى أن العائلة خضعت -بعد ثلاثة أيام- لجلسة تحقيق تشكل مرحلة إلزامية، جاوبت فيها عن أسئلة خطية لمعرفة إن كان لديهم أقارب في الجيش الروسي.
وفي قاعة أخرى بمبنى تابع للشرطة الانفصالية الموالية لروسيا، اضطر الرجال إلى خلع ملابسهم، للتحقق من غياب الأوشام الوطنية أو الإصابات خلال القتال، بحسب سفيتلانا التي قالت: «اضطر زوجي إلى خلع ملابسه باستثناء سرواله الداخلي والجوارب، وقد حذفنا كذلك الصور وشبكات التواصل الاجتماعي من هواتفنا، خشية عمليات انتقامية».
خلع الملابس
إيفان دروز الذي غادر ماريوبول مع أخيه غير الشقيق في أبريل الماضي، كان أحد الخاضعين لعمليات التدقيق الروسية هذه في سترابيشيفيه، يقول: اضطررنا لخلع ملابسنا عند وصولنا للحدود الروسية، والرد على أسئلة بشأن مبادلات بالأوكرانية مع خالته «سألوني لماذا تكتب لي باللغة الأوكرانية وأرادوا التحقق من أنني لست نازيًا».
وبينما كان دروز يأمل الانتقال إلى منطقة تسيطر عليها كييف، إلا أنه بعد خمسة أيام من التنقلات الفوضية في الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا: «سألنا كيف يمكننا الانتقال إلى الجانب الأوكراني فقيل لنا إن الأمر مستحيل».
ويضيف: ما إن وصلنا إلى روسيا حتى تم توجيهنا إلى تاغانروغ على بعد قرابة مئة كيلومتر من ماريوبول، وعندما وصلنا إلى المكان طلبت منا السلطات الروسية التوجه بالقطار إلى فلاديمير على بعد أكثر من ألف كيلومتر شمالًا.
تلك الرحلة كانت سلسلة من الخيارات المتخذة نيابة عنا، يقول إيفان، مضيفًا أن «كل شيء منظم بطريقة ليبقى الناس في روسيا كما لو أنهم يحاولون نقل أشخاص للإقامة في مدن لا يريد أحد السكن فيها، مع أن أحدًا لم يحتجز أو يتلقى تهديدات».
وبفضل أصدقاء روس تمكنت عائلات إيفان وتاتيان وسفيتلانا من التوجه إلى موسكو، ومنها في حافلات متجهة إلى لاتفيا وإستونيا، حيث كانوا يعرفون أن اللاجئين الأوكرانيين يلقون استقبالًا حسنًا، بجسب «فرانس برس».
يأتي ذلك، بينما تتهم السلطات الأوكرانية موسكو بأنها نقلت -بطريقة مخالفة للقانون- أكثر من مليون أوكراني إلى روسيا وإلى مناطق تقع شرقي أوكرانيا يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لموسكو.
التصريحات الأوكرانية أكدها المسؤول في وزارة الدفاع الروسية ميخائيل ميزينتسيف، الذي قال إن موسكو تؤكد أن هدفها هو السماح للمدنيين بالخروج من المناطق الخطرة.
جرائم حرب
تأتي تلك المعاناة الإنسانية، بينما قالت المدعية العامة في أوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا للتلفزيون الوطني –الأربعاء- إن كييف رفعت ثماني قضايا جرائم حرب أخرى تتعلق بجنود روس.
وأوضحت فينيديكتوفا: «نحن لا نتحدث فقط عن مقاتلين جاءوا إلى مسرح العمليات، لكن عن أولئك الذين جاؤوا لاغتصاب المدنيين ونهبهم وقتلهم»، مشيرة إلى أن المدعين يحققون في قرابة 16 ألف جريمة حرب.
وبينما حدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، شروطًا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، أبرزها انتصار كييف قبل أي اتجاه نحو المفاوضات، أكد وزير الخارجية الروسي أن تلك المطالب تعد نهجًا غير جاد، فلا عودة إلى ما قبل 24 فبراير (موعد انطلاق العملية الروسية على أوكرانيا).
لا عودة إلى ما قبل 24 فبراير
وأكد لافروف، في كلمته خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو –الأربعاء- أن نية روسيا وأهدافها في أوكرانيا واضحة، مشيرًا إلى أن موسكو لن توقف صادرات الحبوب من أوكرانيا.
وردًا على سؤال لصحفي أوكراني وجهه إلى لافروف في المؤتمر الصحفي المشترك، قائلًا: «بصرف النظر عن منتجات الحبوب، ما هو آخر شيء سرقته روسيا من أوكرانيا؟! ليجيب الوزير الروسي: «في ما يتعلق بالحبوب، لا يوجد عائق أو تحد من جانب الاتحاد الروسي».
أزمة الحبوب
وأوضح لافروف أن أوكرانيا بحاجة إلى إزالة الألغام من مياهها، لضمان المرور الآمن للسفن، مضيفًا: «لسنا نحن الملامين، فالكرة في ملعب أوكرانيا».
وقال لافروف إن روسيا لديها نية واضحة وأهداف واضحة في أوكرانيا، في مقدمتها «تحرير البلاد من نظام النازيين الجدد»، على حد قوله.
واتهم الوزير الروسي الغرب، بمحاولة تحويل أزمة الحبوب الأوكرانية إلى كارثة عالمية، قائلًا إن كمية الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية تمثل 1% من الحبوب المصدرة فقط، ما يجعل هذه الأزمة غير حقيقية.
وبينما تعهد بألا تحاول روسيا استغلال الموقف، إذا سمحت أوكرانيا بخروج السفن، لأن هناك ضمانات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذلك، أكد أن مشكلة الأمن الغذائي لا تأتي من هذه الحرب.
دعم دولي
من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال، إن البنك الدولي وافق على دعم بـ 1.49 مليار دولار لأوكرانيا، لمساعدتها في دفع رواتب الموظفين الحكوميين.
وأكد المسؤول الأوكراني، أن التمويل سيستخدم في دفع الرواتب للعاملين في قطاعي الخدمات الاجتماعية والدوائر الحكومية، مشيرًا إلى أن التعافي سيكون انتصارًا للديمقراطية وللعالم المتحضر، على حد قوله.