ليبيا.. دفعة مرتزقة جديدة وخُطة تركية تهدِّد بنسف التسوية السلمية
انتخابات ليبيا... هل تنسف الخُطة التركية محاولات تعبيد الطريق الشائك نحو دولة المؤسسات؟

السياق
دفعة من المرتزقة تصل ليبيا، وخُطة تركية لتهديد الخريطة الأممية في البلد الإفريقي، تطوران «خطيران»، على مسار الأزمة الليبية، قد يعقِّدان الطريق نحو الانتخابات، الذي تحاول الأمم المتحدة تعبيده، لإنهاء أزمة السنوات العشر.
وسائل إعلام ليبية تحدَّثت عن تجهيزات تركية، من شأنها تهديد جهود الأمم المتحدة في ليبيا، الهادفة إلى إنهاء المرحلة الانتقالية، وصولًا إلى مرحلة أكثر استقرارًا، عمادها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وإرساء دولة المؤسسات، ما يضع حدًا لإنهاء الاقتتال الداخل،ي في البلد الذي مزَّقت أوصاله عشرية من الصراعات.
خُطوات استباقية
وقالت وسائل إعلام ليبية، إن تركيا تجهِّز لخطوات استباقية في ليبيا، لتهديد جهود المبعوث الأممي يان كوبيش، في مساعيه نحو التهدئة، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر الماضي، في مدينة جنيف بسويرا.
وأكدت التقارير الصحفية، أن تركيا نشرت وحدة رصد مدعومة بطائرات مراقبة، على الحدود الليبية مع تونس، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، مشيرة إلى أن أنقرة ستجري مباحثات وشيكة مع أمريكا، بشأن مخاوفها في ليبيا.
عشرات المرتزقة
الخُطوات الاستباقية، التي تحدَّثت عنها وسائل إعلام ليبية، تزامنت مع تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، كشف عن عودة نحو 130 من المرتزقة السوريين الموجودين في ليبيا والموالين للحكومة التركية، مشيرًا إلى أن دفعة مماثلة خرجت من مناطق نفوذ الفصائل والقوات التركية شمالي سوريا، متجهة إلى تركيا ومنها إلى ليبيا.
وأكد المرصد السوري -في بيان تلقت «السياق» نسخة منه- أن عمليات التبديل تتواصل، بخروج دفعات من سوريا إلى تركيا ومنها إلى ليبيا، مقابل عودة دفعة معاكسة، مشيرًا إلى أن تلك السياسة التركية، تهدف إلى الإبقاء على عدد ثابت من قواتها في ليبيا، لحماية مصالحها هناك.
حماية حكومية
وأوضح المرصد السوري، أن تواصل المرتزقة في ليبيا، لا يبشِّر بأي بوادر لعودة نهائية لهم إلى بلادهم، مشيرًا إلى أن المرتزقة السوريين يأتون إلى ليبيا، تحت حماية خفر السواحل الليبي المدعومين من تركيا.
وبحسب مصادر المرصد السوري، فإن عمليات تبديل المرتزقة تتم بشكل دوري كل 15 يومًا، أي أن أنقرة تحافظ على ثبات أعداد المرتزقة في قواعدها بليبيا، مشيرًا إلى أن تركيا تجنِّد المرتزقة مقابل راتب شهري لا يتجاوز 500 دولار أمريكي، وتنقلهم باستخدام مطارات عسكرية ومدنية، ثم عن طريق البر للوصول إلى سوريا، عبر المنافذ العسكرية التي تسيطر عليها مع الفصائل الموالية لها، في ريف حلب الشمالي.
طريقة العبور
نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصدوا أواخر يونيو الماضي، عملية نقل جديدة للمرتزقة السوريين من وإلى الأراضي الليبية، بحسب بيان المرصد، الذي أشار فيه إلى عودة دفعة من نحو 200 مرتزق، إلى الأراضي السورية من معبر حوار كلس بريف حلب، بينما كان أكثر من 300 مسلح في المعسكرات التركية داخل سوريا، يستعدون للانطلاق نحو ليبيا.
وعن أعداد المرتزقة في ليبيا، أكد المرصد السوري، أنه لا يزال نحو 7 آلاف مرتزق من الجنسية السورية من الموالين لأنقرة في ليبيا حتى هذه اللحظة، رغم جميع المطالبات الدولية بخروجهم الفوري، في ظل التفاهمات الليبية.
نسف اتفاق جنيف
ووقَّعت اللجنة العسكرية في ليبيا في 23 أكتوبر الماضي، اتفاقًا لوقف إطلاق النار في جنيف، يقضي بخروج المرتزقة من ليبيا في غضون 3 أشهر، وبينما لم ينفَّذ ذلك البند من الاتفاق، عقدت ألمانيا، في يونيو الماضي، مؤتمر برلين2، الذي أصدر توصيات وتحذيرات، بضرورة إخراج تركيا مرتزقتها من ليبيا، تبعته جلسة لمجلس الأمن، أكد فيها ذلك المطلب، من دون جدوى.
وبينما وقفت تركيا ضد مطلب إخراج مرتزقتها من ليبيا، معلنة قبل يومين على لسان وزير دفاعها خلوصي آكار أن قواتها في ليبيا ليست أجنبية، كشفت تقارير عن محاولة واشنطن التوصل إلى تفاهم مع أنقرة، يقضي بإخراج قواتها من ليبيا على دفعات.
نصيب الأسد
وإلى ذلك يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي -في تصريحات لـ«السياق»- إن تركيا لن تغيِّـر مخططاتها في ليبيا، حتى تحصل على وعود بالفوز بنصيب الأسد، مما جاءت من أجله، وما دفعها لدخول ليبيا.
وأوضح الأوجلي، أن وجود المرتزقة في ليبيا، يحقِّق لأنقرة مصالح عدة، أولاها الضغط على الدول الأوروبية بورقة تسلل هؤلاء المرتزقة عبر البحر إليها، وثانيتها، التخلص من هؤلاء المسلحين الذين يشكلون تهديدًا لأمن تركيا، حال بقائهم على الحدود معها، مشيرًا إلى أنهم لا يكلفون أنقرة شيئًا، كون رواتبهم ومستحقاتهم تدفع من الدولة الليبية.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن وجود المرتزقة والقوات التركية في ليبيا، لن ينتهي إلا بتطبيق عقوبات على الأرض ضد كل مَنْ يخالف القرارات الأممية، أو إعطاء اللجنة العسكرية المشتركة صلاحيات للتشاور والتخاطب مع الجهات والدول المتداخلة في ليبيا، وهو ما طالبت به المبعوث الأممي يان كوبيش في اجتماعها الأخير، الشهر الماضي.
الانقلاب على الشرعية
وعن الخطوات الاستباقية، التي تعتزم تركيا اتخاذها، قال الأوجلي، إن الحكومة التركية تحاول تثبيت قدميها في ليبيا، ما بعد انتخابات ديسمبر، حال نجاح أو فشل تلك الخطوة، مشيرًا إلى أن أنقرة ستحاول الانقلاب على شرعية الاستحقاق الدستوري المقبل، حال فوز أي مرشح لا ينتمي إلى تنظيم الإخوان الإرهابي.
وأكد ان تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا، سيقاتل حتى الرمق الأخير بعد سقوطه في تونس، في محاولة لعدم كتابة نهايته في المنطقة من بوابة ليبيا، وهو ما يجعل التنظيم متمسكًا ومدافعًا بقوة عن «الاحتلال التركي» على الأراضي الليبية.
مخطط تركي
المحلل السياسي الليبي، كامل المرعاش، قال -في تصريحات لـ«السياق»- إن تركيا لديها مخطط في ليبيا وغيرها، يرتكز على الاستفادة من الفوضى في مناطق النزاعات، بأدوات موالية لها لخدمة أهدافها التوسعية ونشر نفوذها.
وأوضح المرعاش، أن تركيا لا ترى في استقرار ليبيا تحقيقًا لمصالحها، مستبعدًا الحديث عن خطوة استباقية لأنقرة، في اتجاه شن حرب على الهلال النفطي الليبي.
شبح الحرب
ورغم استبعاده خطوة مهاجمة تركيا منطقة الهلال النفطي، فإنه قال إن أمر عودة الحرب وارد جدًا، حال استمرار التصعيد التركي، وعدم وقف إرسال المرتزقة، وتسليح الميليشيات الموالية لها.
وعن دور المجتمع الدولي، أشار المحلل السياسي الليبي، إلى أن الدول المنخرطة في ليبيا منقسمة بشأن الملف، ما أتاح هامشًا كبيرًا لتركيا لأن تخرق القانون الدولي و«تعربد من دون حسيب ولا رقيب»، على حد وصفه.
وأكد المرعاش، أنه لا يعوِّل في الحالة الليبية، إلا على الجيش الوطني الليبي، الذي يقف بكل قوة ضد الاحتلال التركي، مشيرًا إلى أن بلاده لا تطلب من المجتمع الدولي، إلا رفع حظر السلاح عن الجيش، الذي سيتكفل بدوره بطرد المستعمر التركي.
إرث استعماري
المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، قال -في تصريحات لـ«السياق»- إن تركيا ترى أن ليبيا عبارة عن إرث تاريخي استعماري خاص بها، ما يفسِّر أغلبية التصريحات التركية التي تصب في هذا الجانب، في إشارة إلى تصريحات آكار عن ليبيا قبل أيام.
وأشار إلى أنه بعد محاولة المجتمع الدولي، ممارسة ضغوط على تركيا لسحب قواتها من ليبيا، سعت أنقرة لإرسال رسالة إلى العالم مفادها أنها لا تحتل ليبيا، وأن قواتها ليست أجنبية بل على أراضٍ تركية.
وأكد أن تركيا تهدف لتكريس وجودها في ليبيا، لأهداف اقتصادية، فهي ترى في ثروات ليبيا حلًا مثاليًا لأزماتها الاقتصادية، عبر الحصول على جزء كبير من عائدات النفط اللييي، والسيطرة على مصرف ليبيا المركزي الذي يديره تنظيم الإخوان الليبي.
ليبيا غنيمة
رئيس منتدى الشباب الليبي، حاتم علي الكليم، قال -في تصريحات لـ«السياق»- إن تركيا ترى ليبيا غنيمة، لن تفرِّط فيها، فهى سوق تجاري كبير وتسعى شركاتها للحصول على النصيب الأكبر من كعكة الإعمار المرتقبة، وجزءًا من الميزانية التي تحاول الحكومة الليبية تمريرها منذ أشهر.
وأوضح الكليم، أن ليبيا الورقة الأقوى في يد تركيا، للتفاوض مع الدول العظمى بشأن دور أنقرة المستقبلي، في ساحة اللعب على التوازن الدولي، بين روسيا من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى.
وأشار إلى أن هذه الأوراق يلعب بها أردوغان، محاولًا إثبات أن الامبراطورية العثمانية، التى وُصفت بـ«الرجل المريض» لم تعد كذلك فى عهده.
وأكد أن إنهاء الوجود التركي، مرهون بدعم إقليمي ودولي، وبمقاومة شعبية من القوات المسلحة الليبية والشعب الليبي، الذي لديه خبرة في مقاومة الاستعمار عبر التاريخ.