لماذا يُعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو زلزالًا أوروبيًا؟

طلب انضمام فنلندا إلى الناتو، خطوة مهمة، خاصة بعد الصراعات الفنلندية السوفيتية المريرة، لاسيما حرب الشتاء 1939-1940، بحسب الغارديان.

لماذا يُعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو زلزالًا أوروبيًا؟

ترجمات – السياق

تحول زلزالي في بنية الأمن الأوروبي، تخلت بموجبه بلدان القارة العجوز عن حيادها الذي دام سنوات عدة، خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، التي أجبرتها على التفاعل معها، خوفًا من المصير المحتمل، الذي يهدد كييف بعد قرابة 4 أشهر من الهجوم الروسي ضدها.

ذلك الموقف بات واضحًا، بعد أن تخلت فنلندا والسويد عن حيادهما المتجذر في مناطق جغرافية وتواريخ وهويات وطنية مختلفة، ليتوصلا إلى قرار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في الأسبوع نفسه.

فالبلدان حاولا الفرار من مصير أوكرانيا باللجوء إلى «الناتو»، بعدما تأكدا أن روسيا أصبحت جارًا وحشيًا وغير موثوق به، ولن يكفي سوى الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي لردعها، بحسب صحيفة الغادريان البريطانية.

وأكدت أن الهجوم الروسي الذي وصفته بـ«غير المبرر» على أوكرانيا، الذي يهدف -ظاهريًا- إلى منع توسع "الناتو" أدى إلى العكس، فجيران الشمال الأوروبي تخلوا عن عقود من عدم الانحياز العسكري، في تحول زلزالي كبير للنظام الأمني الأوروبي.

خطوة مهمة

وقالت الصحيفة البريطانية، إن طلب انضمام فنلندا إلى "الناتو"، خطوة مهمة، خاصة بعد الصراعات الفنلندية السوفيتية المريرة، لاسيما حرب الشتاء 1939-1940، التي كبَّد فيها الجيش الفنلندي، نظيره السوفييتي خسائر فادحة، وباتت جزءًا أساسيًا من تاريخ فنلندا الحديث.

بينما قالت رئيسة الوزراء السويدية، ماغدالينا أندرسون: "لقد قدمت السويد وفنلندا طلبات العضوية التاريخية إلى (الناتو) هذا الأسبوع، لكننا لم نسلك الطريق نفسه إلى مقر التحالف في بروكسل".

ونقلت «الغارديان» عن خبراء قولهم، إن حيادية فنلندا كانت فعالة دائمًا، فهي الطريقة الوحيدة الممكنة للتعامل مع حقيقة أنها تشترك في حدود 830 ميلًا (1340 كيلومترًا) مع روسيا، مشيرة إلى أن هلسنكي حصلت على استقلالها عن روسيا عام 1917، ونجحت في صد الجيش الأحمر مرتين، خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال مينا أولاندر الخبير في شمال أوروبا بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: كثيرًا ما كانت السياسة الأمنية الفنلندية واقعية تمامًا (...) هلسنكي اختارت ما هو أفضل بالنسبة إليها، من دون اعتبارات أيديولوجية.

وبينما قال الخبير في شمال أوروبا، إن هذا النهج كان يستند إلى علاقات جيدة مع روسيا، للحفاظ على قدرة أمنية عالية، إلا أنه غير صالح لاعتماده كاستراتيجية أمنية لفنلندا، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، في فبراير الماضي، مشيرًا إلى أن محادثات العضوية بالنسبة لفنلندا، كانت تدور حول الأمن، بعد أن أصبحت روسيا جارًا وحشيًا وغير موثوق به.

وعن معاهدة الصداقة التي وقَّعتها فنلندا مع الاتحاد السوفييتي عام 1948 التي تنازلت بموجبها عن 10% من أراضيها، قال هنريك ميناندر المؤرخ الفنلندي بجامعة هلسنكي: «كان علينا أن نقبل أنها كانت أكبر قوة إقليمية، لكننا كنا فخورين بأننا تجنبنا الاحتلال، فلقد فهمنا حينها أن الغرب لن يدافع عنا، ولذلك كنا دائمًا مستعدين لتزداد الأمور سوءًا».

وأكد ميناندر، أنه في وقت مبكر من عام 1992، بينما كانت فنلندا تتفاوض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، اشترت 64 قاذفة مقاتلة من طراز هورنت أمريكية الصنع، وهو مؤشر واضح على الطريقة التي كانت تبحث عنها، إلا أن طلب "الناتو" يمثل خطوة كبيرة سياسية وثقافية ورمزية.

وبحسب خبراء، فإنه إذا كان الحياد الذي نجح بعد عضوية الاتحاد الأوروبي عام 1995، من خلال عدم الانحياز العسكري، جزءًا أساسيًا من السياسة الخارجية والأمنية لفنلندا 73 عامًا، إلا أن الأمور -من الناحية العملية- لم تكن أقل وضوحًا.

وقال مينا أولاندر الخبير في شمال أوروبا بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين: لقد استمر الكثير من العمل المتعمد منذ تسعينيات القرن الماضي، لجعل هذه اللحظة ممكنة.

لحظة يقظة وطنية

وبحسب «الغارديان»، فإن الجيش الفنلندي، الذي تبلغ قوته القتالية 280 ألف جندي و900 ألف جندي احتياطي، يتمتع بمستوى عالٍ من قابلية التشغيل البيني العسكري مع التحالف، وإمكانية الانضمام السريع إلى الحلف عندما يحين الوقت.

وبينما يتحدث السياسيون الفنلنديون عن لحظة يقظة وطنية، قالت «الغارديان»: بينما كانت القوات الروسية تحتشد على الحدود الأوكرانية في يناير الماضي، كانت رئيسة وزراء فنلندا سانا مارين تقول إنه من غير المحتمل أن تنضم فنلندا إلى "الناتو" خلال ولايتها.

إلا أن تحولًا جذريًا حدث الأسبوع الماضي، عندما صوَّت البرلمان على هذه المسألة، ليعترض ثمانية فقط من نواب البرلمان البالغ عددهم 200، بحسب «الغارديان»، التي قالت إن هذا الموقف كان له صدى في الشارع الفنلندي.

فبحسب استطلاعات الراي، قدرت -العام الماضي- نسبة التأييد لعضوية "الناتو" في فنلندا بـ 34%، بينما بلغت هذه النسبة 76% الأسبوع الماضي.

وعن تلك التطورات، قال أولاندر: "نعم... أعتقد أنه يمكننا القول إنه تحول زلزالي، فهذا لاشك تغيير تاريخي بالنسبة لفنلندا".

موقف السويد

وعن الموقف السويدي، قالت غونيلا هيرولف، الباحثة الزميلة البارزة في المعهد السويدي للشؤون الدولية: التغيير في السويد هائل بالقدر نفسه في فنلندا، مضيفة: لقد حافظنا على عقيدة واحدة 200 عام، إذ كانت قضية هوية بالنسبة لكثيرين.

وأكدت هيرولف: لو سألت السويديين عن ثلاثة أشياء تحدد بلدهم، فقد يجيب الكثير بأنها صيد الأيائل، وتناول الرنجة المخمرة، وعدم الانحياز، مشيرة إلى أنه مع قيام فنلندا بدور (المنطقة العازلة) ضد روسيا، يمكن للسويد -التي لم تخض أي حرب ولم تنضم إلى أي تحالفات منذ عام 1812- أن تصوغ حيادها على أسس أيديولوجية أكثر مثالية.

وأضافت: «كانت السويد محمية خلف فنلندا، التي على عكسنا لم تشعر بالأمان، إذ كانت لدينا رفاهية أن نكون قادرين على قول ما نحب، لذلك على مدى القرنين الماضيين، خصوصًا منذ عام 1945، أنشأت السويد لنفسها مساحة تحسد عليها، تقوم على أساس: (السلام، ونزع السلاح النووي، والوساطة الدولية، ودعم الديمقراطيات الوليدة في جميع أنحاء العالم».

هذا الواقع الذي تجسد خلال القرنين الماضيين، بات جزءًا من الصورة الذاتية الوطنية، خاصة هوية الديمقراطيين الاجتماعيين الأقوياء في السويد، الذين فازوا في انتخابات 100 عام، بحسب «الغادريان»، التي قالت إن الكثيرين من اليساريين لا يزالون يشعرون بأن الردع النووي لحلف الناتو يزيد التوترات، ويجعل السويد أقل أمانًا، وسيكلفها دورها البارز في نزع السلاح العالمي.

ورغم ما يعرف عن السويد بأنها دولة محايدة، فإنها لم تكن تتصرف دومًا من هذا المنطلق، فقد أرسلت مساعدات عسكرية إلى فنلندا خلال حرب الشتاء، فضلًا عن أنه خلال الحرب الباردة كان لديها اتصال أمني سري بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى الحد الذي دفعها لبناء مدارج أطول مما تحتاجه طائراتها، لاستيعاب الطائرات الأمريكية ، بحسب هيرولف.

عواقب الانضمام

وعن العواقب المحتملة للانضمام إلى "الناتو" ترى «الغارديان» أن البلدين (السويد وفنلندا) لا يتوقعان أي عواقب وخيمة، مشيرة إلى أن روسيا أوقفت صادرات الكهرباء إلى فنلندا وهي على وشك أن تفعل الشيء نفسه مع الغاز، لكنهما يمثلان أقل من 10% من الإمدادات التي تحتاج إليها البلاد.

ويتوقع أولاندر، أن تلجأ روسيا إلى معاقبة البلدين، عبر بعض الهجمات الإلكترونية، وربما بعض الانتهاكات للمجال الجوي، إلا أنه قال إن البلدين مستعدان لذلك.