تحول مفاجئ في سياسة اليابان لأول مرة منذ الحرب العالمية... ما الأسباب وسر التوقيت؟

اليابان تطوِّر قدرات الهجوم المضاد وتقود حراكًا لتقويض الصين... ما أسباب التحول المفاجئ وسر التوقيت؟

تحول مفاجئ في سياسة اليابان لأول مرة منذ الحرب العالمية... ما الأسباب وسر التوقيت؟

ترجمات _ السياق

رفع ميزانية الدفاع وتطوير قدرات الهجوم المضاد وحماية الديمقراطية، ملامح تحول مفاجئ في موقف اليابان، التي آثرت الدخول في قضايا منطقتها بديلًا للحيادية، التي كانت أساسًا لعلاقاتها الخارجية، منذ الحرب العالمية الثانية.

فالبلد الآسيوي، الذي كان يجنح إلى النزعة السلمية، بدأ يتخذ طريقًا مغايرًا منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، فدخل رئيس وزرائه فوميو كيشيدا في سياسة العقوبات على موسكو، ووافق على السعي إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية مع البابا، وقام بجولة دبلوماسية جنوبي شرق آسيا وأوروبا، لحشد قادة العالم لحماية الديمقراطية.

إلا أن جهود اليابان لم تكن لحماية الديمقراطية في أوكرانيا فحسب، بل ترى أن هناك أوجه تشابه بين تصرفات روسيا في أوروبا وتوسع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تمتد من ساحل أمريكا على المحيط الهادئ إلى المحيط الهندي، بحسب «سي إن إن».

ذلك الموقف عبَّـر عنه كيشيدا قائلًا، ببيان مشترك مع زعماء الاتحاد الأوروبي في مايو الجاري: «نعارض بشدة أي محاولة أحادية لتغيير الوضع الراهن بالقوة، بصرف النظر عن الموقع».

وتضمن البيان ذاته فقرة عبَّرت عن «القلق الشديد من التقارير التي تتحدث عن العسكرة والإكراه والتخويف في بحر الصين الجنوبي»، رغم أنها لم تذكر الصين بصفتها المعتدي.

بيئة متقلبة

وبحسب «سي إن إن»، فإن موقع اليابان يضعها في بيئة أمنية متقلبة بشكل متزايد، تحيط بها الصين من الجنوب، وكوريا الشمالية المسلحة نوويًا من الغرب وروسيا من الشمال، إلا أن الحرب في أوكرانيا حفزت مناقشات الأمن القومي لليابان، كما لم يحدث من قبل.

ففي أبريل الماضي، قدَّم أعضاء الحزب الحاكم اقتراحًا برفع ميزانية الدفاع من 1% إلى 2%، بما يتماشى مع أعضاء (الناتو)، وتطوير «قدرات الهجوم المضاد»، وهي خطوة تنذر بتغييرات كبيرة الموقف الأمني السلمي لليابان طويل الأمد.

لكن طوكيو لا تستثمر فقط في الدفاع عنها، بل تستخدم الدبلوماسية لتقوية علاقاتها في المنطقة وخارجها، فقبل اجتماع كيشيدا مع رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، الاثنين، يقول الخبراء إن ثالث أكبر اقتصاد في العالم يعيد تقييم مقاربته للردع، ويظهر نفسه كشريك موثوق به على المسرح العالمي.

اختراع ياباني

وفي محاولة من اليابان لتكون هذا الشريك، طرحت فكرتها عن «قوس الحرية والازدهار» الذي يمتد عبر المحيطين الهندي والهادئ، ويستقطب الولايات المتحدة وأستراليا منذ أكثر من عقد.

وعام 2007، أخبر رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي المشرِّعين الهنود بأن «آسيا الأوسع» بدأت تتشكل، وناشد دلهي العمل جنبًا إلى جنب مع طوكيو لرعاية هذه البحار وإثرائها.

جاءت محاولات آبي لتوحيد حلفاء المحيط الهادئ، في الوقت الذي كانت فيه الصين تتفوق على اليابان كثاني أكبر اقتصاد في العالم، بينما كانت بكين تروِّج لمبادرة الحزام والطريق، لتطوير طرق تجارية جديدة تربط الصين بالعالم.

التوسع الصيني

وتدعي الصين سيادتها على بحر الصين الجنوبي الذي يبلغ 1.3 مليون ميل مربع تقريبًا، وقد حوَّلت العديد من الشعب المرجانية والحواجز الرملية -بعيدًا عن شواطئها - إلى جزر اصطناعية من صنع الإنسان ومحصنة بشدة بالصواريخ والمدارج وأنظمة الأسلحة، بحسب «سي إن إن».

كان المراقبون قلقين من أن التوسع الصيني قد يسمح لبكين -نهاية المطاف- بالسيطرة على الممرات المائية في بحر الصين الجنوبي، ما يهدد التدفق الحر للتجارة، لذلك عام 2016 رفع آبي فكرته وقدَّم مفهوم «المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح».

وفي إطار FOIPستعمل البلدان والمنظمات ذات التفكير المماثل عبر جنوب شرق آسيا وإفريقيا، على حماية منطقة المحيطين الهندي والهادئ، عبر ضخ تريليونات الدولارات من البضائع، التي تمر من خلالها كل عام.

وقال كليو باسكال، الخبير الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن البلدين كانا بطيئين بالبداية في اللحاق ببرنامج FOIP، مضيفًا: «كثيرون لم يعتقدوا أن FOIP كانت مشكلة، لأنهم افترضوا أن البحار ستكون مفتوحة، وأن الناس سيكونون أحرارًا، لكننا الآن ندرك أن هذين الأمرين المتمثلين في الحرية والانفتاح، هما في الواقع تحت التهديد».

ومن المتوقع أن يكون توسع الصين في المنطقة، إحدى النقاط الرئيسة للمناقشة، عندما يجتمع قادة المجموعة الرباعية في طوكيو الثلاثاء.

ميثاق أمني أمريكي أقوى

وأتت جهود اليابان، لتوحيد حلفائها الديمقراطيين، ثمارها عندما اعتمدت الولايات المتحدة خطة حرية التعبير عام 2017، ما منح نفوذاً إضافياً لهذا المفهوم، إلى جانب الموارد والبرامج والشراكات الجديدة.

لكن المحللين يقولون إن الولايات المتحدة تتوقع أن تقوم اليابان بدور قيادي أقوى في المنطقة، ما يجعل من الضروري على طوكيو تكثيف دفاعاتها.

وقال كين جيمبو، خبير الأمن القومي، الأستاذ في جامعة كيو: «تدرك اليابان أنها إذا اعتمدت فقط على الولايات المتحدة، لن يحافظ ذلك على الثقة السياسية بين الجانبين».

ضرب قواعد العدو

وبينما أعلن كيشيدا في ديسمبر الماضي، أن الحكومة تدرس خيارات لمنح اليابان القدرة على ضرب قواعد العدو، قالت «سي إن إن»، إن الدعوات تكثفت من داخل الحزب الحاكم في اليابان، لتطوير قدرات الهجوم المضاد بالتنسيق مع الولايات المتحدة، في خطوة ستؤدي إلى توسيع حدود دستور البلاد السلمي، وستزيد قدرة طوكيو في الرد على الهجمات المحمولة والغواصات.

من جانبه، قال كليو باسكال، الخبير الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ: «اليابان تريد أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، توجد في البلاد شريحة قوية جدًا من الذين لا يريدون الاعتماد على القوى الخارجية، كي يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات قد تكون مخاطرة»، مشيرًا إلى أن هناك مقاومة داخل البلاد لأي تحرك، بعيدًا عن موقف اليابان السلمي.

وقال جيمس براون، خبير العلاقات الدولية في جامعة تمبل: لا يزال الرأي العام الشعبي ينظر إلى اليابان على أنها دولة مسالمة ينبغي ألا تكون لديها القدرة على مهاجمة الآخرين، ويجب أن تكون لديها فقط الوسائل الكافية للدفاع عن نفسها، مشيرًا إلى أن هذا القلق جعل الحكومة تتحرك بشكل أبطأ في هذا الشأن.

إلا أنه مع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا تعمل على تغيير المواقف، وهو ما أظهره استطلاع حديث أجرته أساهي شيمبون وجامعة طوكيو، أشار إلى أن 64% من 3000 شخص شملهم الاستطلاع، يؤيدون تعزيز اليابان لقدراتها الدفاعية، وهي أعلى نسبة منذ بدء المسح عام 2003.

إدارة نفوذ الصين

وتقول «سي إن إن»، إن دعم الصين للإجراءات الروسية في أوكرانيا عزز مهمة كيشيدا لحماية سلامة منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مشيرة إلى أنه لا يتواصل مع حلفاء أكبر في الولايات المتحدة وأوروبا فحسب، بل إنه دخل في دبلوماسية أقرب إلى الوطن، لتوضيح أن اليابان شريك يمكن الاعتماد عليه في الأوقات المضطربة.

ففي مارس الماضي، زار وفد ياباني جزر سليمان، بعد أن وقَّعت الصين وهونيارا اتفاقًا أمنيًا يخشى البعض أن يرى -في النهاية- قاعدة عسكرية صينية في المحيط الهادئ.

وقال باسكال المحلل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن الرحلة الدبلوماسية تسلِّط الضوء على اهتمام طوكيو بوضع نفسها كمزود أمن بديل.

بديل آمن

وقال توماس ويلكينز، الزميل الأول في الأسترالي الاستراتيجي، إن اليابان تريد أيضًا تقديم بديل للصين، من خلال عرض مشاريع البنية التحتية عالية الجودة الخاصة بها، التي تستخدم العمالة المحلية، ولديها ضوابط عالية الجودة ولا تترك أعباء ديون لا يمكن تحمُّلها في البلدان المشاركة.

ولم تذهب جهود طوكيو من دون أن يلاحظها أحد في بكين، فخلال مكالمة فيديو مع نظيره الياباني –الأربعاء- قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إنه حتى قبل وصول بايدن إلى آسيا، فإن التصور بأن اليابان والولايات المتحدة متحدتان ضد الصين «كان متفشيًا بالفعل وأفرز جوًا كريهًا» وفقًا لبيان وزارة الخارجية الصينية.

وتقول «سي إن إن»، إن رد اليابان الحازم على الهجوم الروسي على أوكرانيا، علامة تجارية لبلد يحاول تعزيز العلاقات الديمقراطية في منطقته، مشيرة إلى أنه عندما يجتمع أعضاء الرباعية في طوكيو –الثلاثاء- سيحاولون تقديم جبهة موحدة، تتناسب مع رؤية اليابان الأصلية لـ«قوس الحرية والازدهار».