بعد 20 عاماً من الحرب.. هل الانسحاب من أفغانستان بمثابة هزيمة أمريكية؟
يتسائل مكارثي، كيف نضمن أن النظام الأفغاني الحاكم، لن يسمح بأن تكون أراضيه منصة انطلاق للهجمات المتطرفة على الولايات المتحدة، بما في ذلك مصالحنا ومنشآتنا وحلفائنا في المنطقة وخارجها؟

ترجمات - السياق
سلَّط الكاتب الأمريكي، أندرو سي مكارثي، الضوء على تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وأوضح أن هذه ليست الطريقة، التي من المفترض أن يكون عليها الانسحاب من أفغانستان، لا سيما بعد التضحية بـ 20 عامًا من الجهد، وفقدان حياة 2300 جندي أمريكي، ورعاية أكثر من 20 ألف جريح، وإنفاق تريليون دولار.
وقالت مكارثي، في مقال بمجلة ناشونال ريفيو الأمريكية، إنه لم يتبق سوى عدد قليل جدًا من القوات، غير كافية حتى للدفاع عن نفسها بشكل مناسب، ناهيك عن تنفيذ العمليات القتالية، مؤكدا أنه سيتم استغلال انسحاب القوات الأمريكية لأغراض دعائية، ما يمكِّن طالبان وحليفها الدائم "القاعدة" من إظهار أنهم يطاردون قوة عظمى أخرى «بشكل مهين» خارج بلادهم.
وقال مكارثي، إنه لا ينبغي أن تكون المهمة الاستراتيجية، سحب القوات الأمريكية المتبقية في موعد رمزي، وأضاف: "في ظل الظروف، التي سيتم فيها تصوير المغادرة على أنها هزيمة، فإن إصرار إدارة بايدن، على تحديد ذلك التاريخ في 11 سبتمبر، أمر منحرف".
استراتيجية الخروج
وأشار إلى أن الأمن القومي، يدور حول الحقائق على الأرض، وبذلك فإن «استراتيجية خروج» مناسبة من شأنها أن تقيّم ما تبقى من مهمة الدفاع الوطني، ومن ثم نشر القوات اللازمة لإنجازها، والانسحاب فقط عندما يتم إنجاز تلك المهمة، وهو ما قد يعني عدم الانسحاب، إذا كان الوجود المستمر ضروريًا لتحقيق ذلك، وهو الحفاظ على الأمن الأمريكي.
الكاتب الأمريكي، الذي قاد محاكمات للإرهاب في بلاده، أضاف: أفهم من أين أتيت، لا أريد واحدًا من شبابنا وشاباتنا في أفغانستان ثانية واحدة أطول مما يتطلبه الأمن القومي.
وتابع: كنت أعمل في مجال مكافحة الإرهاب، وأحاكم الجهاديين، مؤكدًا أن هناك صِلة بين الجهاد في أفغانستان والأمن في الولايات المتحدة، وأضاف: "خلال عقدين من الزمن، كنت من أشد المنتقدين لمشروع (الشريعة الديمقراطية)، الذي لم تكن لديه فرصة للنجاح، لكن كان من المؤكد أنه يستنزف الإرادة السياسية للشعب الأمريكي، لدعم الإجراءات الحيوية للدفاع عنّا.
وأوضح الكاتب الأمريكي، أنه ظل سنوات يزعم أن المأزق المحبط، الذي تجد واشنطن نفسها فيه الآن، وظيفة حتمية تتمثَّل في التظاهر بأن طالبان كانت حلاً محتملاً لمشكلتنا الأمنية، بدلاً من كونها عنصرًا لا يمكن إصلاحه، كما أخبرنا أصدقاؤنا البريطانيون وخصومنا الروس.
الحرب لم تنته
وأشار مكارثي، إلى أن واشنطن تسحب قواتها من أفغانستان، رغم عدم وجود استراتيجية قابلة للتطبيق، لمواجهة التحدي الذي لا يزال قائماً، وتساءل: كيف نضمن أن النظام الأفغاني الحاكم، لن يسمح بأن تكون أراضيه منصة انطلاق للهجمات المتطرفة على الولايات المتحدة، بما في ذلك مصالحنا ومنشآتنا وحلفائنا في المنطقة وخارجها؟
وأشار الكاتب، إلى أن الحرب الأمريكية في العراق كانت اختيارية، بينما لم تكن الساحة الأفغانستانية كذلك، فالمسلحون في أفغانستان، هم الذين بدأوا الصراع، ومازالوا فيه، على حد قوله.
وحذَّر بلاده، من المغادرة من دون خُطة أمنية، «فإرادة المعتدي لم تنكسر، والحرب لم تنته، بينما استعادت طالبان مناطق كثيرة في البلاد».
وقال مكارثي، إن واشنطن لم تخض حربًا في أفغانستان، بأي معنى واقعي منذ سنوات، ورغم ذلك، فإنها أهدرت أعوامًا وأرواحًا ثمينة، وموارد لدعم «خُطة فاسدة» للحكومة.
الملاذ الآمن
ورغم تلك السلبيات، التي رآها الكاتب في الانسحاب الأمريكي، فإنه قال إن هناك اتجاهًا إيجابيًا «فلقد حرمنا المتطرفين الملاذ الآمن، الذي ارتكبوا منه سلسلة من الفظائع، وبلغت ذروتها بهجوم على وطننا، أكثر فتكًا من بيرل هاربور».
وأكد الكاتب الأمريكي، أن أمريكا تسحب الآن قواتها، بطريقة ستؤدي في وقت قصير، إلى ترك نظام معادٍ في السلطة، سيعمل بوحشية على الأفغان، الذين يُعتقد أنهم تعاونوا مع الأمريكيين، مشيرًا إلى أن قدرة أمريكا على جمع المعلومات الاستخباراتية، ستكون ضئيلة، بعد الانسحاب.
وقبل بضعة أسابيع، قال القائد الأعلى للقوات الأمريكية في المنطقة، الجنرال فرانك ماكنزي، لـ«صوت أمريكا»، إنه بمجرَّد اكتمال الانسحاب، لن تكون هناك غارات جوية أمريكية، لكبح استيلاء طالبان على السلطة.
وأوضح ماكنزي، أن أقرب القواعد الصالحة للاستخدام «على بعد آلاف الكيلومترات»، باستثناء حالة الطوارئ الرهيبة، إذ لدينا سبب للاعتقاد بأن هجومًا على وطننا أو مصالحنا وشيك، فإن أفغانستان ببساطة، لا تستحق العوائق اللوجستية لحملة مستدامة.
دور خفي للقاعدة
وأشار مكارثي، إلى أن تنظيم القاعدة لم يُهزم في أفغانستان، فقد لعب أيضًا دورًا رئيسًا في نجاح طالبان، أي إضافة إلى الأدوار التي لعبتها باكستان وإيران، مؤكدًا أن القاعدة قدَّمت لطالبان المشورة العسكرية والسياسية (بما في ذلك الجلسات الاستراتيجية للمحادثات مع الولايات المتحدة)، وساعدت طالبان في دمج الجماعات المتطرفة الإقليمية، للقتال تحت رايتها.
ففي الشمال، ساعدت القاعدة طالبان في تنظيم مجموعات، مثل الحركة الإسلامية المنحلة الآن في أوزبكستان، وجماعة أنصار الله، وكتائب الإمام البخاري، والحزب الإسلامي التركستاني، للقتال في صفوف طالبان.
وفي الشرق والجنوب، ساعدت مجموعات، مثل حركة طالبان في باكستان، وجيش محمد، وحركة المجاهدين في هجوم طالبان، ما يعني أن القاعدة لديها بالفِعل، ليس فقط ملاذًا، بل غرفة عمليات تشغيلية، في المناطق المتزايدة من أفغانستان الخاضعة لسيطرة طالبان، بحسب الكاتب.
ملاذات إرهابية
واستهجن الكاتب، تصريحات الإدارة الأمريكية المطمئنة بأنه "إذا عادت أفغانستان إلى ملاذ آمن للإرهابيين، بعد انسحاب قواتنا، فسنحتفظ بقدرة الضربة السريعة، لتدمير تلك الملاذات الآمنة"، مشيرًا إلى أن أفغانستان "ملاذ آمن للإرهابيين في الوقت الحالي، ونحن نغادر ولا نضرب".
بينما يقر القائد الأعلى للقوات الأمريكية، بأن مجرَّد وجود ملاذات إرهابية، في ظِل عدم وجود معلومات استخبارية، تشير إلى اقتراب هجوم واسع علينا، لن يكون كافياً لتبرير الجهد الهائل، الذي تترتب عليه الضربات العسكرية.
التداعيات الأسوأ
وقال مكارثي: "لنفترض أننا أطحنا طالبان ودحرنا القاعدة، ثم أعلنا أن المهمة أنجزت بحلول عام 2003، لنفترض أننا قضينا السنوات التالية، في بناء علاقات سياسية وعسكرية مع جيران أفغانستان، بدلاً من مواجهة المشروع الهائل غير المجدي، المتمثِّل في محاولة بناء أفغانستان، في ديمقراطية فاعلة مع حماية الحقوق المدنية على النمط الغربي، فلم يكن ليصرخ أحد الآن بكلام هراء «الحرب الأبدية»، وكان الجمهور سيؤيد الحفاظ على وجود صغير للقوات في البلاد وحولها، بما في ذلك أي عمليات قتالية ضرورية، لحرمان القاعدة من الملاذ، لمنع الجهاديين من القتل الجماعي للأمريكيين".
وأشار الكاتب الأمريكي، إلى أن بلاده أهدرت الدعم السياسي اللازم لمثل هذه المهمة، فبصرف النظر عمّا إذا كان الديمقراطيون أو الجمهوريون مسؤولين، فلا أحد يثق بهذه الحكومة، التي صاغت مشروعًا لبناء الدولة، لم يكن يريده الجمهور.
وقال إن "الحكومة أمضت سنوات، في إخبارنا بأن طالبان ليست العدو، بينما قضت السنوات القليلة الماضية، تخبرنا بأنه يمكننا المغادرة بثقة، لأن طالبان تعهدت بعدم السماح للقاعدة بالعمل"، وأضاف: " إلا أنه مع الافتقار إلى الدعم السياسي لما نحتاجه، فإن ذلك لا يغيِّـر حقيقة أنه عندما تغادر بينما لا يزال العدو ملتزمًا بمهاجمتك، فهذا لا ينهي الحرب، إنها هزيمة لا تزيد من جرأة العدو فقط، بل تجعلك أكثر عرضة للخطر".
وختم الكاتب الأمريكي مقاله: "بعد تريليون دولار وآلاف القتلى والجرحى من الأمريكيين، كل ما علينا أن نظهره، طوال 20 عامًا من الجهد، هو الأمل الساذج، في ألا تحدث 11 سبتمبر أخرى من القوى نفسها، التي هي اليوم أقوى مما كانت عليه".