أزمة صندوق الكرامة في تونس... تلهب نار الشعب تحت رماد الإخوان
حذَّر النائب البرلماني عن الكتلة الديمقراطية، هيكل المكي، من ثورة مقبلة، لن تكون كسابقتها، "سيخرج خلالها الناس، بذلّهم وجوعهم وفقرهم وثاراتهم، وما كسرته الإهانة فيهم".

السياق
أثارت تصريحات رئيس حركة شورى النهضة الإخوانية في تونس، عبدالكريم الهاروني، بخصوص مطالبته رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، بتفعيل صندوق الكرامة، قبل انتهاء يوليو الحالي، جدلاً واسعاً وسخطاً شعبياً، واصفاً تعطيل تفعيل آلياته بالجريمة، التي لن يسمح بارتكابها، حسب قوله، مضيفا: "ضحايا الاستبداد لن يقبلوا مجدداً بأية عرقلة للصندوق".
صندوق الكرامة
تأسس الصندوق بقانون عام 2013، وقت حكومة "حركة النهضة الإخوانية"، وخُصِّص لصرف تعويضات لـ"ضحايا الاستبداد" في عهدي رؤساء تونس السابقين، زين العابدين بن على، وبورقيبة.
ومنذ إقرار القانون، لم يتمكَّن من تنفيذه، لوجود قوى معارضة كبيرة، ترى أن الهدف منه هو ضخ أكبر قدر من الموارد المالية التونسية، في أيدي التنظيم الإخواني.
وحسب محللين تونسيين، فإن عددًا كبيرًا من قيادات الإخوان، وقت حكم زين العابدين، كان خارج البلاد، ومَنْ ظل فيها كان باتفاق مع النظام الحاكم وقتها.
باقى مكونات القوى التونسية، من يساريين وقوميين، وتعرَّضوا لانتهاكات وقت حُكم بن على، رفضوا أن يحصلوا على أموال "الكرامة" نظير نضالهم الوطني، خاصة مع تلك الأزمات العصية. ما يؤكد أن الثلاثة مليارات دينار تونسي "1.1 مليار دولار" يستهدف أن تذهب إلى أعضاء حركة النهضة.
جبر للضرر
في حين رد رئيس الكتلة الديموقراطية بالبرلمان، نعمان العش، بأن الصندوق لا يخص الإسلاميين فقط، بل باقي الفئات السياسية، وأن التعويضات جبر للضرر مقابل الاعتداءات والتعذيب، وليس مكافأة مقابل النضال، وفق قوله، وأن التمويل سيكون من خلال منظمات مانحة، وداعمة لمسار العدالة الانتقالية، من دون أن يسميها.
ورجَّح بعض المحللين التونسيين، أن دولة قطر ستتكفل بإجمالي المبلغ "1.1 مليار دولار" أو الجزء الأكبر منه.
كما نفى القيادي بحركة النهضة، نور الدين البحيري، أن يكون رئيس مجلس شورى الحركة، قد تحدَّث عن تعويضات مالية، إنما عن رد الاعتبار والكرامة لضحايا الاستبداد، لكنه لم يحدد ماهية هذا الاعتبار.
تناقض واضح
أنكر فتحي العيادي، الناطق الرسمي باسم الحركة، هذا المطلب الصادر عن رئيسه، كما أنكر تصريحات نور الدين البحيري، قائلاً إن "النهضة، لم تطلب تعويضات، لأنها تدرك جيداً أن الواجب الوطني اليوم، محاربة الوباء بكل ما تملك، والوقوف إلى جانب الفرق الطبية، واتهم بعض النخب اليسارية والقومية، بنشر الشائعات.
تزامن هذا التصريح المثير للجدل، مع وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمة اقتصادية وسياسية وصحية خانقة.
اقتصادياً
تنبأت مؤشرات عدة، بأن الاقتصاد التونسي مهدد بأزمة إفلاس، إذ يشهد الشارع التونسي تراجعًا في الإنتاج والخدمات، ومزيدًا من البطالة، وتدهوراً في مستوى المعيشة.
وحسب تقرير لـ "دويتشه فيله" فإن أبرز مؤشرات التدهور، انكماش الاقتصاد بنحو 9 بالمئة العام الماضي، وارتفاع معدل البطالة -حسب تصريحات رسمية-إلى 18 بالمئة، في الوقت الذي يتوقَّع وصوله بين الشباب إلى أكثر من 30 بالمئة.
ويضيف التقرير، أن الديون متراكمة، وتونس لا تستطيع دفع الأقساط والفوائد، من دون الحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، إذ وصل الدين الخارجي إلى نحو 30 مليار يورو، أي ما يزيد على 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
صحياً
دق ممثل منظمة الصحة العالمية في تونس، ناقوس الخطر، بخصوص تدهور الوضع الوبائي، إذ زادت عدد الإصابات اليومية على 10آلاف حالة، داعياً إلى دعم دولي عاجل، وهو ما استجابت له دول عربية "الإمارات والسعودية والجزائر ومصر" بإرسال مساعدات طبية ولقاحات.
سياسيا
البرلمان التونسي أصبح كـ "حلبة ملاكمة" إثر العنف الجسدي، الذي ينتهجه أعضاء حركة النهضة الإخوانية، تجاه زملائهم في المجلس. فبدلاً من أن يتناقشوا ويحتجوا بالآليات السِّلمية، يلجأون إلى اللكم والصفع، وسط تهديدات تتعرَّض لها النائبة المعارضة عبير موسي بالقتل، وكذلك كشف الرئيس التونسي قيس سعيد، عن محاولة أطراف تونسية إزاحته من الحكم واغتياله.
تأتي هذه الأحداث، كاشفة لحالة الشقاق السياسي البيّنة، التي تعيشها تونس، بكل مكوناتها السياسية من "برلمان وحكومة ورئاسة".
لن تكون ثورة ياسمين
رداً على تصريحات الهاروني، بخصوص "صندوق الكرامة"، دعت حركة الشعب، رئيس الحكومة، إلى عدم الاستجابة لما وصفته بالابتزاز والاستغلال الحزبي.
كما حذَّر النائب البرلماني عن الكتلة الديمقراطية، هيكل المكي، من ثورة مقبلة، لن تكون كسابقتها، "سيخرج خلالها الناس، بذلّهم وجوعهم وفقرهم وثاراتهم، وما كسرته الإهانة فيهم".
وقال المكي، في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك": "الثورة المقبلة لن تكون ثورة ياسمين، ولن يكون لها صوت ولا مشهدية إخراجية، ولن يقف لها الكونغرس، ولن تنتج خبراء في الديمقراطية المحلية، وجمعيات مجتمع مدني ودستورًا، بل ستكون خرساء صمّاء مغبرّة دامية، بوجه قبيح"، حسب تعبيره.