العالم يدير ظهره لنساء أفغانستان
هل يخطِّط كبار المسؤولين من الولايات المتحدة والصين وروسيا، حقًا لمواصلة الحديث مع طالبان، كما لو أن مقاتليها لا يقتلون المدنيين -بمن في ذلك الناشطات- في جميع أنحاء أفغانستان، بل ويهاجمون التلميذات، ويخبرون النساء بأنهن لا يمكنهن مغادرة المنزل، من دون رجال يرافقونهن؟

ترجمات - السياق
مع استمرار سقوط المقاطعات الأفغانية بيد مسلحي طالبان، يواجه النساء أوضاعاً قاسية، إذ تجمع الحركة النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 45 عامًا لتزويجهن قسريًا بمقاتليها، بجانب منعهن من الخروج من المنزل، من دون مرافقة رجل.
وقالت الكاتبة روث بولارد -في مقال بشبكة بلومبيرج- إن العالم كان قد وعد بحماية الأفغانيات، من عودة أفكار طالبان المتطرفة "والآن يبدو أنه يدير ظهره لهن".
وتساءلت الكاتبة، عن الموقف الدولي تجاه أفغانستان قائلة: هل يخطِّط كبار المسؤولين من الولايات المتحدة والصين وروسيا، حقًا لمواصلة الحديث مع طالبان، كما لو أن مقاتليها لا يقتلون المدنيين -بمن في ذلك الناشطات- في جميع أنحاء أفغانستان، بل ويهاجمون التلميذات، ويخبرون النساء بأنهن لا يمكنهن مغادرة المنزل، من دون رجال يرافقونهن؟
وأضافت الكاتبة: "يبدو أن حكومات عدة في العالم سعيدة، بالصفقة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع طالبان، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تعهدت -في عهد جورج دبليو بوش- بتقديم أموال لدعم النساء والأطفال في أفغانستان.
وتابعت: "كل هذه الوعود أصبحت الآن جوفاء، بل وفضحت قائليها، وأكدت أنها كانت مجرَّد كلمات رمزية يسهل التراجع عنها".
فرغم التهديدات الواسعة لحركة طالبان في أفغانستان، حدَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس 31 أغسطس الجاري، موعدًا لانتهاء انسحاب قوات بلاده من هذا البلد الآسيوي، بعد نحو 20 عامًا من تدخلها.
وكان بايدن قد قال، إن واشنطن "حقَّقت أهدافها" في مكافحة التهديد الإرهابي وتجنُّب المزيد من الاعتداءات عليها، مضيفا: "نحن ننهي أطول حرب" في تاريخ الولايات المتحدة.
محو القائمة السوداء
وذكرت الكاتبة، أن ممثلي الجماعة المتشدِّدة التقوا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الشهر الماضي، وزاروا موسكو وطهران والدوحة، وأضافت: "بينما يواصلون السفر بحرية، حقَّق مقاتلو الحركة تقدُّمًا سريعًا في جميع أنحاء البلاد، تاركين عددًا مخيفًا من القتلى والفوضى وراءهم".
ودعت الحكومة الأفغانية والمجتمع المدني، إلى اتخاذ إجراءات بشأن هجمات طالبان على المدنيين، وطالبت الدول المشاركة في المحادثات مع المسلَّحين، بالإصرار على وقف فوري لإطلاق النار، واستئناف عملية السلام.
وفي المناطق التي انهارت تحت حُكم طالبان، تشكِّـل النساء المجموعة الأكثر ضعفًا، إذ قالت الأمم المتحدة الشهر الماضي: إن عدد القتلى في صفوف المدنيين ارتفع بنحو 50%، كما زاد عدد القتلى والجرحى، من النساء والأطفال في أفغانستان، في النصف الأول من عام 2021 عن الأشهر الستة الأولى من كل الأعوام، منذ بدء التسجيل عام 2009.
ضياع الحلم
وأشارت كاتبة المقال، إلى الخسائر الفادحة، التي تلاحق النساء في أفغانستان مع تقدُّم طالبان، وقالت: هناك جيل كبير من الأفغانيات اللاتي شغلن مكانًا مهمًا في المجتمع الأفغاني، يشاهدن الآن الفضاء والحرية تتقلَّص أمام أعينهن، موضحة أنهن دخلن الحياة العامة كمشرِّعات، وحُكام محليات، وطبيبات، ومحاميات، ومعلمات، وإداريات، وعملن عقدين للمساعدة في إنشاء مجتمع مدني، وتوفير الفرص لمن يأتي بعدهم، والآن يتبخَّر كل شيء.
وأضافت: "الآن تنتقل حركة طالبان من منزل إلى منزل في بعض المناطق، حيث تجمع قوائم النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 45 عامًا لتزويجهن قسريًا بمقاتليها، وقد قيل للنساء مرة أخرى، إنه لا يمكنهن مغادرة المنزل من دون مرافقة رجال، ولا يمكنهن العمل ولا الدراسة ولا ارتداء الملابس كما يحلو لهن، كما يتم إغلاق المدارس والكليات وتدمير الأعمال التجارية، إذ يتزايد نزوح أولئك، الذين يستطيعون تحمُّل نفقات الفرار من البلاد، يومًا بعد يوم".
فرخندة زهرة نادري، المشرِّعة السابقة وكبيرة مستشاري الرئيس أشرف غني في شؤون الأمم المتحدة، والعضوة الآن في المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في أفغانستان، إحدى النساء اللائي شهدن انفتاحًا داخل أفغانستان، لم تشهده خلال العقدين الماضيين، لتصبح جزءًا من المجتمع العالمي، وهي الآن تخشى تحول كل ذلك إلى النقيض.
وتقول زهرة: "خوفي الأكبر أنهم يقومون الآن بتهميش النساء اللاتي عملن في المناصب القيادية، واللاتي كن صوتًا قويًا ضد أقوى المسيئين، فضلًا عن أنهم يتعمَّدون الآن تغيير الوضع على أرض الواقع"، لكنهم إذا استبعدوا هؤلاء القادة من النساء، فإنهن سيكونن الصوت الذي يتحدَّث نيابة عن الأفغانيات، للدفاع عن المكاسب التي تحقَّقت على مدى العشرين عامًا الماضية، حسبما ذكرت كاتبة المقال.
زوال الديمقراطية
جنبا إلى جنب مع حقوق المرأة، فإن الديمقراطية آخذة في الزوال، حسب الكاتبة، مضيفة: "من الواضح أن طالبان لا تستطيع الفوز بالسُّلطة عبر صناديق الاقتراع، إذ وجد استطلاع أجرته جمعية آسيا للأفغان، عام 2019، أن نسبة السكان الذين يقولون إنهم لا يتعاطفون مع طالبان، نمت إلى 85.1% من 82.4% عام 2018، في حين أن أولئك الذين لديهم بعض التعاطف مع الإسلاميين المتطرفين، كانت نسبتهم 13.4%، ولذلك فإنهم يحاولون الاستيلاء على البلاد بالقوة.
ويحذِّر أحمد شجاع جمال، مدير الشؤون الدولية والتعاون الإقليمي، في مجلس الأمن القومي الأفغاني، من استمرار الصمت الدولي تجاه ذلك، ويقول: "تكمن المشكلة في أنه كلما استغرق المجتمع الدولي وقتًا أطول في التحرك، توغلت طالبان في المناطق المدنية، مستخدمة المنازل كنقاط انطلاق للهجمات، وإجبار الأطفال على العمل كدروع بشرية، لحمايتهم من الضربات الجوية، أثناء تحركهم حول المناطق النائية".
لكن بخلاف الاستطلاعات، هناك تصرُّفات تشير إلى أن الأفغان لا يريدون أن تعيدهم طالبان إلى العصور المظلمة، ففي تحدٍّ للحركة، سار بعض الرجال والنساء والأطفال في الشوارع، وتسلَّقوا أسطح منازلهم، ليصرخوا "الله أكبر".
فمن العاصمة كابل، إلى مدينتي هرات وخوست الإقليميتين، إلى مقاطعتي ننجرهار وباميان، يستعيد الأفغان هذه العبارة -التي غالبًا ما تسيء إليها الجماعات الإرهابية مثل طالبان- ويستخدمونها للدفاع عن جيشهم وهو يقاتل من أجل الدفاع عن البلد، الذي عملوا بجد لإعادة بنائه.
وقالت الكاتبة روث بولارد: ما لم يتحرَّك المجتمع الدولي، فإن هذه الأعمال الشجاعة من بعض الأفغان، ستكون عبثية ولا داعي لها، وستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها، قد تخلوا عن النساء والأطفال، الذين وعدوا بحمايتهم يومًا.