الجزائر قوة إقليمية... هل تعيد تصريحات الرئيس تبون بلاده إلى مكانتها؟
حلول وتعهدات بممارسة دور أكبر... هل تعود الجزائر إلى مكانتها من بوابة الأزمات الإفريقية؟

السياق
«الجزائر قوة إقليمية في نظر العالم، الذي يكن لها كل التقدير».. تصريحات للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، كشفت عن محاولة البلد الإفريقي، لاستعادة مكانته الإقليمية والدولية، بعد غياب سنوات عن تلك الساحتين، أدى إلى شكوى بعض الدول الإفريقية.
فمن تونس إلى مصر، مرورًا بمالي وليبيا إلى منطقة الساحل، تركَّزت تصريحات الرئيس الجزائري، التي بثَّها التلفزيون الوطني، على هامش لقائه عددًا من وسائل الإعلام المحلية.
الرئيس تبون، أكد أن بلاده في نظر العالم «قوة إقليمية» يكن لها كل التقدير، محذِّرًا من محاولات «تصغير» دورها الريادي، من خلال إملاءات قال إنها «صادرة من وراء الستار»، عن طريق ما يعرف بحرب «الجيل الرابع» التي تهدف إلى زعزعة استقرار الجزائر باستغلال أبنائها.
الوضع المحلي
محليًا، حذَّر الرئيس تبون مما وصفها بـ«الإشاعات» التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن مختلف القطاعات، وتستغل الظرف الصحي الحالي لزرع الهلع في نفوس المواطنين، عبر نشر الأخبار الكاذبة، التي قال إنها منافية للحقيقة.
وأوضح الرئيس الجزائري، أن بلاده لديها «وسائل تقنية متطورة» للكشف عن الجرائم السيبرانية، محذِّرًا من أنه لن يكون هناك أي تسامح، مع محاولات المساس بالوحدة والوطنية واستقرار البلاد.
وأشار إلى أن محاولات المساس بالجيش الوطني، ترمي إلى «رفع الحماية عن الجزائريين، لكون الجيش حامي اللحمة الوطنية والعمود الفقري للدولة الجزائرية، والضامن الدستوري لوحدة وسيادة البلاد»، مؤكدًا أن استهداف الجيش الوطني «مقصود، كونه جيشًا قويًا يحمي الحدود الشاسعة للجزائر».
وتعهد بالانطلاق في برامج تنمية ببعض الولايات، التي عانت الكثير بهدف التخفيف عنها، خلال شهرين، مشيرًا إلى أن هناك توزانًا بشأن التشكيلة الحكومية الجديدة، وأن ما يقارب نِصفها تم تعيينه بناءً على اقتراحات من الأحزاب السياسية.
وأكد الرئيس الجزائري، انتعاش الاقتصاد، بعدما تمكَّن من تحقيق معدل نمو يقدَّر بـ3.8% مع تسجيل الصادرات مستويات هي الأعلى منذ 25 سنة، كاشفًا أن احتياطات العملة الصعبة، نحو 44 مليار دولار.
الوضع الدولي
الرئيس الجزائري، أكد أن الدبلوماسية الجزائرية استعادت «مكانتها الحقيقية، بعد التقهقر الذي عرفته سنوات عدة»، مشيرًا إلى أن المسؤولين الإفريقيين «اشتكوا غياب الجزائر وطالبوا بعودتها للقيام بالدور المنتظر منها».
مالي
إعلان فرنسا قرب سحب قواتها من منطقة الساحل، اعتبره الرئيس الجزائري «شأنًا داخليًا»، مؤكدًا أن «الجزائر قادرة على الدفاع عن أمنها، مهما كانت الظروف والإمكانات».
وأوضح الرئيس الجزائري، أن «فرنسا لديها سياستها الخاصة، والجزائر كذلك»، مشيرًا إلى أن بلاده ملتزمة مع كل الدول الأوروبية، والدول الشقيقة والصديقة، في ما يخص مكافحة الإرهاب، وأنها على اتصال بفرنسا، في هذا الشأن.
وأشار إلى أن الجزائر ومالي، لديهما يقين بأن الحل يبدأ من اتفاق السِّلم والمصالحة، المنبثق عن مسار الجزائر، الذي يُـعَـدُّ أساس تهدئة الوضع، والذي من خلاله يعيش الشمال والجنوب في دولة واحدة موحَّدة.
وجدَّد الرئيس تبون، تأكيد أن حل الأزمة في هذه الدولة يبدأ من «اتفاق الجزائر الذي هو الأساس لإطفاء نار الفتنة ويؤسِّس للتعايش بين الشمال والجنوب، ويحافظ على وحدة الماليين»، مشيرًا إلى أن غير هذا الحل «مغامرة».
وأكد أن الجزائر «ملتزمة مع كل الدول الشقيقة والصديقة، بتقديم يد المساعدة، في محاربة الإرهاب أين ما كان».
الأزمة الليبية
وعن الأزمة الليبية، قال الرئيس الجزائري، إن الليبيين متأكدون من أن «الجزائر سند لهم، وأنها البلد الوحيد الذي ليس لديه أطماع»، مشيرًا إلى أن الشرعية في ليبيا، تأتي من خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقرَّرة نهاية العام الجاري.
وكشف الرئيس تبون عن فئة متفائلة بالانتخابات الليبية، وأخرى مشككة في الظرف والإمكانات، إلا أن هناك -بصفة عامة- قبولًا بمبدأ الانتخابات.
«ليبيا عاشت في فوضى عشر سنوات، وهناك أطراف ركَّزت على مصالحها من خلال تلك الفوضى، وليس من السهل عليها أن تتخلى عن تلك المصالح بين عشية وضحاها»، يقول تبون، مشيرًا إلى اتصالات يجريها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، مع نظرائه الأمريكي والفرنسي والروسي والتركي، لإيجاد حلول ترضي الشعب الليبي.
وأكد تبون أن المسؤولين الليبيين، مرتاحون من موقف الجزائر، التي هي «سند لليبيين في كل الظروف»، مجددًا موقف بلاده الداعم لـ«الشرعية التي أساسها الصندوق».
المغرب
وعن العلاقات بالمغرب، قال الرئيس تبون، إنه لم يكن هناك تجاوب من المغرب، عقب استدعاء الجزائر سفيرها لدى المملكة للتشاور، على خلفية تصريحات ممثِّل المغرب لدى الأمم المتحدة.
وفي ما يتعلق بالقضية الصحراوية، أعرب الرئيس تبون عن استعداد الجزائر لاحتضان أي لقاء بين الجمهورية الصحراوية والمغرب، ووضع الإمكانات الضرورية تحت تصرفهما، مؤكدًا أن الجزائر -باعتبارها عضوًا ملاحظًا- لن تفرض أي قرار على الصحراويين.
تونس
وبالنسبة للوضع في تونس، قال الرئيس تبون إن «يد المساعدة ممدودة لتونس في السراء والضراء»، مشيرًا إلى أن «تونس تحل مشكلاتها بنفسها، من دون ضغط من أي طرف»، واعتبر أن الوضع الذي تمر به هذه الدولة الجارة «شأن داخلي».
سد النهضة
أزمة سد النهضة، كانت أحد المحرِّكات الرئيسة التي حاولت الجزائر تلمُّس دور فيها، فالرئيس تبون دعا في تصريحاته، الأطراف المتنازعة إلى «تغليب العقل».
وأكد تبون أن «المبادرة الجزائرية تلقى تجاوبًا كبيرًا جدًا» من مسؤولي الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، مشيرًا إلى أن «الوساطة الجزائرية لن تتوقَّف وستنجح، لأن الجزائر ليس لها في هذا الملف ناقة ولا جمل»، على حد قوله.
وأجرى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة -خلال الأيام الماضية- جولات مكوكية إلى مصر والسودان وإثيوبيا، في محاولة للوصول إلى حل، يقضي باستنئاف المفاوضات، التي وصلت إلى طريق مسدود، بين البلدان الثلاثة.
وأكد الوزير لعمامرة، دعم الجزائر واستعدادها للمساهمة في تعزيز الجهود، لتجاوز التحديات، وترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية.
الزيارات الجزائرية إلى بلدان أزمة سد النهضة، كانت محاولة لإعادة الجزائر إلى الساحة الدولية، بحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، في تصريحات صحفية.
وأوضح أستاذ التاريخ، أن ذهاب الوزير الجزائري إلى إثيوبيا ومصر والسودان، يندرج في سياق إيجاد حل لمشكلة سد النهضة، بهدف حفظ السلام في المنطقة.
وأشار إلى أن الجزائر تريد الدخول من هذا الباب، ليس فقط من أجل مساعدة مصر، بل أيضاً لإعطاء دفعة قوية للدبلوماسية الجزائرية، متوقِّـعًا أن تساهم جولة لعمامرة، في تقريب وجهات النظر بين البلدان الثلاثة، وستفتح الباب أمام الجزائر لمعرفة فصول القضية عن قرب، واستخدامها لتحقيق مصالح أو كسب قضايا، مع جهات اعتبرها «معادية» في حال فشل وساطتها.
توقُّعات بنجاح المفاوضات
ويتوقَّع مراقبون أن تنجح الجزائر، في العودة إلى الساحتين الإفريقية والدولية، في الوقت الذي تعاني القارة السمراء أزمات خانقة، تضرب معظم بلدانها، وتهدِّد منطقة القرن الإفريقي، وهو ما ستسعى الجزائر إلى حلحلته.
إلا أن الحُكم على نجاح الدبلوماسية الجزائرية الجديدة القديمة، لن يكون قبل محاولة بلورة الأفكار الجزائرية على الورق، وترجمتها بشكل فِعلي، بزيارات واستضافة أطراف الأزمة في البلدان المأزومة، وتقريب وجهات النظر بينها.