جاسوس في وزارة الدفاع.. محاكمة مسؤول سابق كبير تشير إلى لعبة السلطة في طهران
أشارت مصادر إيرانية إلى أن القضية من المحتمل أن تكون أقل علاقة بالتجسس المزعوم، وأكثر ارتباطًا بسياسات القوة المتعلقة بانتقال السلطة في إيران.

ترجمات - السياق
كشف موقع أمواج -المتخصص في الشأن الإيراني- تفاصيل محاكمة مسؤول رفيع المستوى في إيران، بتهمة التجسس، مشيرًا إلى تصنيف المشتبه به على أنه "جاسوس رئيس" لأجهزة المخابرات الأجنبية، موضحًا أن القضية تشير إلى ما سماها (لعبة السلطة في طهران) في ما يخص خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي.
وحسب الموقع، ظهرت تقارير في إيران عن "تحديد هوية واعتقال وإصدار أحكام" بحق "مسؤول كبير سابق"، وكما ورد أدين بالتجسس.
وأشار إلى أنه في حين لم يكشف اسم المسؤول المتهم، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية وصفت المسؤول السابق بأنه يتمتع بدرجة عالية من "النفوذ" بسبب "مناصبه المهمة في الهيكل الحاكم للبلاد".
وقد أثارت السرية التي أحيطت بالقضية دهشة المراقبين، كما حظيت بالاهتمام لأنها تأتي بعد أشهر من الاحتجاجات المناهضة للنظام الحاكم، ووسط استمرار جمود المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
ومع ذلك -حسب "أمواج"- هناك مؤشرات في جوهرها على أن القضية قد تكون -نهاية المطاف- عن الاقتتال السياسي الخطير بين المحافظين والمعتدلين، بينما تستعد المؤسسة الحاكمة لانتقال السلطة، مع تأخر الحالة الصحية للمرشد الأعلى علي خامنئي.
يذكر أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يُعاني سرطان البروستاتا في مرحلة متأخرة، ما يزيد خطر وفاته في أي لحظة، ومن ثمّ، قد تؤدي وفاته إلى صراع على السلطة.
جاسوس في وزارة الدفاع
وبيّن موقع أمواج، أنه نظرًا لأن طهران مليئة بالتكهنات عن هوية المسؤول السابق المعتقل، أشارت مصادر إيرانية إلى أن القضية من المحتمل أن تكون أقل علاقة بالتجسس المزعوم، وأكثر ارتباطًا بسياسات القوة المتعلقة بانتقال السلطة في إيران.
ووصف مصدر مطلع للموقع -رفض كشف هويته- المعتقل بأنه مسؤول سابق في وزارة الدفاع برتبة "أقل من وزير" يتمتع بنفوذ ولعب دورًا في المفاوضات السابقة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
بينما أوضح مصدر إيراني كبير لـ "أمواج"، أن المقصود نائب وزير الدفاع السابق علي رضا أكبري، الذي سُجن قبل عامين أو ثلاثة بتهمة التجسس، زاعمًا أن أجهزة المخابرات ألقت القبض عليه بهدوء، بعيدًا عن الضجة التي عادةً ما تصاحب مزاعم كشف الجواسيس، في وسائل الإعلام الحكومية.
والأهم من ذلك -حسب الموقع- وصف المصدر الثاني "أكبري" بأنه مساعد مُقرب منذ فترة طويلة لعلي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (إس إن إس سي).
ويجمع المجلس بين القيادات المدنية والعسكرية للبلاد، لاتخاذ قرارات مهمة في السياسة الداخلية والخارجية، التي لا يحق إلا للزعيم الأعلى علي خامنئي نقضها.
كما أشار المصدر الثاني إلى صلة مزعومة بين أكبري ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني -كبير المفاوضين الإيرانيين في المسائل المتعلقة بالأمن القومي كالبرنامج النووي الإيراني- وهو محافظ تحول إلى معتدل من عائلة سياسية قوية، استطاع المتشددون منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية في يونيو 2021.
ويتردد أن أكبري عمل مع فريق لاريجاني المفاوض بين عامي 2005 و2007، عندما قاد المتحدث السابق المحادثات النووية مع الاتحاد الأوروبي، بصفته سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي.
وزعم المصدر الثاني، بشرط حجب اسمه، أن أفرادًا من عائلة "أكبري" كانوا يقيمون أحيانًا في المملكة المتحدة.
وكشف أن جهة اتصاله الرئيسة في فريق لاريجاني للتفاوض النووي، جواد فايدي، وهو سياسي مطلع له خلفية مزعومة في أجهزة الاستخبارات.
ويتردد أن فايدي عقد اجتماعات بانتظام مع أكبري، خلال توليه منصب كبير المفاوضين النوويين، منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
تجدر الإشارة إلى أن فايدي يشغل منصبًا رفيعًا في هيئة التفتيش العامة -وهي هيئة قضائية مكلفة بالإشراف على كيانات الدولة- وكان نائب سكرتير مجلس الأمن القومي.
قصة قديمة
بينما وصف مصدر ثالث رفيع المستوى في طهران –من دون كشف هويته ولا تأكيد هوية المسؤول السابق المحتجز- قضية أكبري بأنها "قصة قديمة".
وأوضح المصدر لموقع أمواج، أنه حُكم عليه منذ عامين، لكن قضيته أحيلت للإعدام منذ أربعة أشهر.
ورفض المصدر الإفصاح عما إذا كان حكم الإعدام المزعوم جاء عقب استئناف غير ناجح من أكبري، لكنه كشف أن أفرادًا من عائلة أكبري تواصلوا مع عدد من الشخصيات السياسية البارزة لمطالبتهم بالتدخل.
وأشار المصدر الثالث إلى أن ارتباط أكبري بشمخاني كان "مستمرًا" ويعود إلى الحرب العراقية الإيرانية من 1980 إلى 1988.
ومع ذلك، شكك المصدر في تورط أكبري بمفاوضات نووية مع القوى الغربية، وقال إن المسؤول الكبير السابق بوزارة الدفاع "لم يشارك في الحكومة منذ عام 2003" ، مؤكدًا أن أكبري كان حتى ذلك الحين نائبًا لشمخاني.
يذكر أن شمخاني كان منصب وزير الدفاع طوال فترة رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي من 1997 إلى 2005.
وبينما شكك في علاقة مباشرة بين أكبري ولاريجاني، قال المصدر: ربما كانت هناك صلة بين أكبري وفريق لاريجاني المفاوض النووي.
انتقال السلطة
وحسب موقع أمواج، بينما رفض المصدران الثاني والثالث تأكيد هوية المسؤول السابق المحتجز، فإنهما ربطا القضية بالسياسة، بينما تستعد إيران لانتقال السلطة، على خلفية مرض خامنئي.
وأشارا إلى أن خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا، الذي يشغل منصب المرشد الأعلى منذ عام 1989، يعاني السرطان.
بينما زعم المصدر الثاني أن لاريجاني وشمخاني الهدفان السياسيان المحتملان لقضية التجسس المزعومة، لافتًا إلى أن الرجلين سعيا -خلال الأشهر الأخيرة- إلى لعب دور الوسيط، بعد أن اهتزت المؤسسة الحاكمة التي يهيمن عليها المحافظون بسبب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، والمعادية بشكل صريح لحكم خامنئي، والمستمرة منذ أشهر على خلفية قتل فتاة تدعى مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، بدعوى عدم ارتدائها الحجاب بالشكل اللائق.
وردًا على هذه الاضطرابات، دعا عديد المحافظين البارزين الحاليين والسابقين -في الأشهر الماضية- إلى إجراء إصلاحات، لضمان بقاء الجمهورية الإسلامية، ومنع الصراع الداخلي المتنامي.
تشمل هذه الأسماء، لاريجاني وخليفته في منصب رئيس البرلمان المحافظ محمد باقر قاليباف.
ويرى لاريجاني -وهو معتدل يعمل مستشارًا لخامنئي- أن الجمهورية الإيرانية يجب أن تتجاهل فرض الحجاب، مستشهدًا بقانون يحظر أطباق الأقمار الاصطناعية، الذي يعاني التجاهل.
وقال قاليباف إن الإصلاحات يجب أن تحدث في "نظام الحكم"، بحجة أن التغيير لا يعني انهيار المؤسسة الحاكمة.
وهاجم رئيس البرلمان الإيراني السياسي المتشدد، القائد الأسبق للحرس الثوري، محمد باقر قاليباف، مؤخرًا، حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي.
كان قاليباف من أشد الداعمين للرئيس الإيراني، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو 2021.
ورأى قاليباف أن "تجاهل حكومة رئيسي لتطبيق القانون الذي شرعه البرلمان في دعم السلع الأساسية، زاد أسعار تلك السلع، الأمر الذي ضاعف نقمة الشعب على المسؤولين في ظل سوء الأوضاع".
وأضاف: "حكومة إبراهيم رئيسي تتحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار، فلو نفذوا قرار مجلس النواب لما شهدنا الاستياء الحالي والمتزايد بين أبناء الشعب الإيراني".
كما تناول رئيس البرلمان الإيراني مشكلات نظام الحكم، رغم مرور 43 عامًا على حكم رجال الدين.
وقال قاليباف: "لابد أننا واجهنا مشكلات ونواقص في إدارة البلاد، نحن بحاجة إلى تغيير طريقتنا في النظر إلى عديد القضايا، والحكم الجديد يعني تغييرًا جديًا في إدارة البلاد، ولدينا خطة واضحة بشأنه".
وأضاف معترفًا: "ارتكبنا الأخطاء في إدارة البلاد وعلينا تغيير نظرتنا لكثير من الأمور، يجب إجراء بعض الإصلاحات الجادة في آلية الحكم، وإعادة النظر في إدارة البلاد، لتتمكن من منافسة باقي البلدان، ولتصبح نموذجًا للدول".
جماعات ضغط
إلى جانب الدعوات العامة للتغيير ، هناك أيضًا جماعات ضغط خلف الأبواب المغلقة، وكما أفاد موقع أمواج -نقلاً عن مصدر محافظ مطلع- فإن قاليباف وشمخاني والمستشار الاقتصادي للرئيس إبراهيم رئيسي، محسن رضائي، يتابعون بجدية موضوع الإصلاحات.
ويتردد أن الثلاثي المحافظ مدعوم من معتدلين مؤثرين، بمن في ذلك لاريجاني ومحمد رضا باهنار، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى.
تجدر الإشارة إلى أن شمخاني كان يتعامل بشكل منفصل مع الإصلاحيين البارزين.
ففي نوفمبر الماضي، التقى مجموعة من الشخصيات البارزة المؤيدة للإصلاح، بقيادة سياسي رفيع المستوى وزعيم الحزب السابق علي شكوري راد.
وبينما شكك المصدر الثالث بطهران في علاقة بين حظوظ لاريجاني السياسية وقضية التجسس التي ظهرت على السطح، فقد أقر بأن شمخاني هدف سياسي محتمل.
وخلص المصدر إلى القول: "أخمن أن المعتقل الذي لم يذكر اسمه شخص آخر غير أكبري ومقرب من شمخاني".
شهدت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي جرت في يونيو 2021، إقصاء جميع المرشحين الإصلاحيين.
واللافت للنظر أن مجلس صيانة الدستور منع أيضًا المعتدلين البارزين مثل لاريجاني من الترشح، ما منح رئيسي فوزًا انتخابيًا سهلاً.
بينما رد الناخبون على ذلك، بمشاركة هي الأدنى على الإطلاق، خلال انتخابات الرئاسة الإيرانية.
وحسب الموقع، بالنظر إلى أن جبهة التحمل استحوذت على جميع المناصب المهمة تقريبًا داخل الجمهورية الإسلامية، فإن المجموعة المتشددة التي أسسها رجل الدين الراحل محمد تقي مصباح يزدي (1935-2021) في صدارة السباق، لخلافة خامنئي في اليوم الذي يتنحى فيه أو يموت.
لكن تكلفة الاستيلاء على السلطة، دفعت باتجاه فقدان التوازن الداخلي للنظام السياسي، خصوصًا مع فجوة بين الدولة والمجتمع لم تشهدها إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
أمام ذلك، قال مصدر - بصفته أحد المطلعين السياسيين الذين لديهم معرفة عميقة بالديناميات الداخلية للنظام السياسي- لموقع أمواج: "لكي ينجح أي تغيير، على المحافظين الذين يطالبون بالإصلاح، التغلب على جبهة التحمل، وإقناع المرشد الأعلى والمؤسسة الأوسع بالخضوع لتغيير كبير".
وأضاف: "أي إصلاح يتطلب شجاعة كبيرة، لأن مؤيديه يجب أن يهزموا المدافعين عن الوضع الراهن"، متابعًا: "أعتقد أن أشخاصًا مثل لاريجاني يعرفون التغييرات الأساسية التي يجب أن تحدث، لكن لديّ شكوكًا في قدرات وشجاعة قاليباف ورضائي ونوع الإصلاح الذي يسعون إليه".
واستطرد: "إذا كان لاريجاني وشمخاني الهدفين الحقيقيين لقضية التجسس التي تثار في طهران، فقد يكون الهدف السياسي الأساسي هو القضاء على أي جهود وساطة، لتقليص الفجوة بين الدولة والمجتمع، على الأقل حتى تتبدل القيادة العليا".