فورين بوليسي: لماذا تخشى الصين قمة بايدن للديمقراطية؟

أثارت لائحة المدعوين لقمة الديمقراطية  توترًا شديدًا، إذ نددت الصين وروسيا اللتان يعدهما بايدن أبرز الدول السلطوية، باستبعادهما، كما أغضبت دعوة تايوان، بكين التي تعدها مقاطعة صينية حتى لو لم تكن تسيطر عليها.

فورين بوليسي: لماذا تخشى الصين قمة بايدن للديمقراطية؟

ترجمات - السياق

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن أسباب القلق الصيني من قمة الرئيس الأمريكي جو بايدن للديمقراطية، مشيرة إلى أن الحكومة الصينية ليست غاضبة فقط من هذه القمة، بل تريد أن توصل احتجاجها عليها إلى العالم أجمع.

ونظم الرئيس الأمريكي الخميس والجمعة "قمة من أجل الديمقراطية"، جمعت، عبر الفيديو، ممثلين من مئة دولة ومنظمة غير حكومية وشركات ومنظمات خيرية.

وأثارت لائحة المدعوين لقمة الديمقراطية  توترًا شديدًا، إذ نددت الصين وروسيا اللتان يعدهما بايدن أبرز "الدول السلطوية"، باستبعادهما، كما أغضبت دعوة تايوان، بكين التي تعدها مقاطعة صينية حتى لو لم تكن تسيطر عليها.

وقالت المجلة في تقرير: قبل نحو أسبوع من انعقاد القمة، عقدت الحكومة الصينية على عجل منتدى الديمقراطية الخاص بها ونشرت كتابًا أبيض بعنوان "الصين: ديمقراطية تعمل"، إضافة إلى تقرير بعنوان "حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة"، ادعت فيه أنها "تكشف عن أوجه القصور وإساءة استخدام الديمقراطية" في الولايات المتحدة.

وأوضحت "فورين بوليسي" أن هذه الإجراءات تزامنت مع عدد لا يحصى من المقالات والمؤتمرات الصحفية، وتغريدات عن "ديمقراطية" الصين وتفوقها المزعوم على الديمقراطية الأمريكية.

 

لماذا هذا التفاعل؟

وللإجابة عن سؤال: لماذا كل هذا التفاعل الصيني مع مؤتمر بايدن؟... نقلت "فورين بوليسي" عن عدد من المراقبين للشأن الصيني قولهم: إن سبب التخوفات الصينية، يعود بالأساس لمشاركة تايوان التي تعدها الصين جزءًا من سيادتها.

وذكرت أن انضمام تايوان إلى منتدى استُبعدت الصين منه، إهانة غير مقبولة لبكين، التي تدعي أن تايوان -المتمتعة بالحكم الذاتي- جزء من أراضيها.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الصين بذلت جهودًا كبيرة لمحاولة عزل تايوان دوليًا، بما في ذلك منعها من حضور اجتماعات منظمة الصحة العالمية، بينما في المقابل أحرزت إدارة بايدن تقدمًا في حشد الحلفاء من جميع أنحاء العالم لدعم تايوان، وهو ما يقوِّض هدف الصين المتمثل في زرع الشكوك في تايوان، بأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيظلون ملتزمين بازدهار الجزيرة وأمنها.

ويرى المراقبون، أن تايوان تفسر جزئياً رد الفعل الصيني العنيف تجاه مؤتمر بايدن، مشيرين إلى أنه رغم أن الحكومة الصينية تتهم الغرب -في كثير من الأحيان بشكل ساخر- بأن لديهم "عقلية الحرب الباردة" وأنهم يسترشدون بـ "عقلية محصلتها صفر"، فإنها تنظر إلى نفسها باعتبارها في منافسة عالمية على قيادة العالم ضد الولايات المتحدة.

 

الصين في المقدمة

ووفقاً لـ "فورين بوليسي" فإن من الأسباب التي تؤرق الصين، أنها تنظر لنفسها باعتبارها القوة الأكبر الآن من الولايات المتحدة،

وأوضحت المجلة، أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، ينظر إلى نفسه باعتباره الفائز في أي منافسة على زعامة العالم مع الولايات المتحدة، مستشهدة بما كتبه الباحث الصيني راش دوشي في كتابه (اللعبة الطويلة)، من أن إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ، في اجتماع حزبي عام 2018 أن العالم يمر "بتغييرات كبيرة غير مرئية منذ قرن"، يشير إلى التراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة والفرص الاستراتيجية التي يقدمها هذا للصين.

وذكرت "فورين بوليسي" أن بكين أجرت أول تقدير بأن الولايات المتحدة كانت في حالة تدهور بداية الأزمة المالية العالمية عام 2008، مشيرة إلى أن سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وفشل الولايات المتحدة في السيطرة على انتشار كورونا، أديا إلى زيادة ثقة الصين في صحة تحليلهم.

وكشفت المجلة، أن مثل هذه التصريحات والتحليلات ينظر إليها باهتمام كبير في الصين، بل تعد تقييمات تاريخية رسمية مصحوبة بتغييرات رئيسة في السياسة الخارجية، مشيرة إلى أن ثقة الصين بهذه التغييرات، أدت إلى سلوك أكثر حزماً دوليًا، بما في ذلك التحركات العدوانية لتغيير الوضع الراهن على الحدود مع الهند، والعقوبات الاقتصادية الواسعة ضد أستراليا، وخطوات لإجبار الشركات العالمية على تجنُّب ليتوانيا بسبب علاقتها بتايوان.

 

إقناع القوى الكبرى

وتؤكد المجلة، أن الاقتناع الصيني بأن "الشرق ينهض والغرب يتراجع" ليس كافياً، إذ يجب عليها إقناع القوى الكبرى أيضًا.

وأمام هذا الطموح الصيني، ترى "فورين بوليسي" أن مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية يهدد بتقويض السرد الصيني من خلال تصوير الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأنه يتراجع.

وأشارت المجلة، إلى أنه علاوة على ذلك، فإن التقييم الرسمي لصعود الصين وانحدار الولايات المتحدة، لا يعني أن الحزب الشيوعي الصيني يمكنه الاسترخاء، إذ يجب عليه أن يكافح لتحقيق هذه الانتصارات على الأرض، مضيفة: "مثل أي حكومة استبدادية، تشكل الديمقراطية الحقيقية تهديدًا لشرعية النظام وأمنه".

ورأت "فورين بوليسي" أن أجندة بايدن لتعزيز الديمقراطية تشكل أيضًا تهديدًا لبكين، لأنها وسيلة لتقوية علاقات الولايات المتحدة بحلفائها وشركائها ذوي التفكير المماثل، استنادًا إلى القيم المشتركة، كما أنها تهدف إلى تعزيز القيادة العالمية لهذه البلاد.

وكشفت المجلة، أن الصين عملت بجد لدق "إسفين" بين الولايات المتحدة وحلفائها، ومن ثم تريد إثبات أن واشنطن لم تعد صالحة للقيادة في أي قضية دولية.

أكثر من ذلك -حسب المجلة- تشعر بكين بقلق حقيقي مما تعدها محاولة واشنطن لبناء "تحالفات مناهضة للصين"، مشيرة إلى مخاوفها من بعض المبادرات التي اتفقت عليها واشنطن مؤخرًا، ومنها اتفاقية أوكوس الخاصة بتطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية على سواحل أستراليا.

وترى "فورين بوليسي" أن مؤتمر بايدن للديمقراطية، من وجهة نظر بكين، محاولة لتعبئة الدول للحد من النفوذ الصيني واحتواء نمو القوة الصينية، خصوصًا مع ازدياد عدد الدول المشاركة، الذي يتخطى المئة.

وأضافت: "قد تنزعج الحكومة الصينية بشكل خاص، من حقيقة أن عددًا كبيرًا من الدول النامية يحضر قمة الديمقراطية، خصوصًا أنغولا والأرجنتين وأرمينيا، التي لا يمكن تصنيفها على أنها أعضاء في (النادي الغربي المناهض للصين) الذي تدعي الحكومة الصينية أنه مصمم على التآمر ضد الصين".

 

الديمقراطية والاستبداد

وتؤكد "فورين بوليسي" أن بكين تنظر إلى قمة الديمقراطية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من محاولة بايدن، لتأطير المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، على أنها مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد، وهو ما ترفضه الصين.

وتضيف المجلة: بدلاً من ذلك، يصر الصينيون على أن لديهم "ديمقراطية شعبية" تحقق نتائج أفضل لشعوبهم من الديمقراطيات الغربية، مشيرة إلى أن هذه النظرة تلعب دورًا في طموحات الصين الأكبر للقيادة العالمية، موضحة أنه في يونيو 2018، صرح شي بأن الصين يجب أن "تقود إصلاح نظام الحوكمة العالمي"، لكن -حسب فورين بوليسي- لإثبات أهليتها للعب هذا الدور، يجب على الصين تعزيز نجاح نظامها، مقابل نظام منافسها الرئيس على القيادة العالمية.

وتابعت: رغم أن بكين تنفي دخولها في معركة أيديولوجية مع الولايات المتحدة، فإن رد فعل الصين على قمة الديمقراطية، دليل على أن الأيديولوجية مركزية في المنافسة بين البلدين.

وشددت "فورين بوليسي" على أن هجمات الصين على الديمقراطية الأمريكية، أكثر من مجرد دبلوماسية متبادلة معتادة من بكين، مشيرة إلى أن الصين جادة برغبتها في إعادة تعريف ما تعنيه الديمقراطية، ودفع نموذجها السياسي كشكل أفضل من أشكال الديمقراطية الغربية، التي تقوم على إجراء انتخابات حرة من دون نتيجة محددة سلفًا، إذ تدعي الصين أن نظامها السياسي ديمقراطي، لأن الحزب الشيوعي الصيني -الحزب الحاكم الوحيد- يضم أصوات جميع الفئات في المجتمع، من خلال ما تسميها "الديمقراطية التشاورية".