هل تنهي زيارة شي للسعودية الزواج الأحادي بين الرياض وواشنطن؟
فورين بوليسي الأمريكية: زيارة الرئيس الصيني إلى للسعودية تسدل الستار على -الزواج الأحادي- بين الرياض وواشنطن

ترجمات - السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية تُظهر انتهاء زواج الرياض الأحادي بواشنطن، مشيرة إلى أن ما سمته "شهر عسل واشنطن والرياض" يقترب من نهايته، مبينة أنه "في الحرب الباردة الحديثة، لن ترفض المملكة الوقوف إلى جانب واشنطن فحسب، بل ستقترب أيضًا من موسكو وبكين، بحسب ما تمليه مصالحها الخاصة".
وأشارت، في تحليل للكاتب الأكاديمي آرون ديفيد ميلر -زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- إلى أنه في مقابلة عام 2004، قال وزير الخارجية السعودي آنذاك، سعود الفيصل، للصحفي السابق في صحيفة واشنطن بوست ديفيد أوتاوي: العلاقة الأمريكية السعودية لم تكن "زواجًا كاثوليكيًا"، حيث يُسمح بالارتباط بزوجة واحدة فقط، إنما "زواج إسلامي"، حيث يُسمح بالارتباط بأربع زوجات.
وكتب أوتاوي حينها: "لم تكن المملكة العربية السعودية تسعى إلى الطلاق من الولايات المتحدة، إنما فقط للارتباط بدول أخرى".
وبحسب المجلة الأمريكية "فقد تحقق ذلك الآن، حيث اتضح الأمر أكثر مع زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، وهي الأولى منذ عام 2016".
انتهاء الزواج
ورغم أن "فورين بوليسي" ترى أنه لا يمكن لبكين أن تحل محل واشنطن، في القضية الأكثر أهمية بالنسبة للسعوديين "الحفاظ على أمنهم في منطقة مضطربة"، فإن المجلة رأت أن زيارة شي بداية النهاية للعلاقات بين الجانبين، قائلة: "يبدو أن أيام زواج الرياض الأحادي بواشنطن بدأت تختفي من الوجود".
وأشارت إلى أنه في خضم الحرب الباردة الثانية، لن ترفض المملكة العربية السعودية فقط اختيار أحد الجانبين، لكن من المحتمل أيضًا أن تقترب أكثر من بكين وموسكو، كما تقتضي مصالحها، مضيفة: "باختصار، لم تعد واشنطن الزوجة الوحيدة في المنطقة".
وأوضحت المجلة أنه من الواضح أن المصلحة السعودية في تحسين العلاقات مع الصين، تشكل تكتيكًا مؤقتًا لتذكير الولايات المتحدة، بإيلاء المزيد من الاهتمام للمصالح السعودية، وعدم اعتبار الرياض أمرًا مفروغًا منه.
وبينت أن العلاقات الشخصية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي جو بايدن، لم تكن ودية على الإطلاق، لكن ما يحول دون نجاح العلاقة الأمريكية السعودية، أعمق بكثير من الكيمياء السيئة بين الرئيس وولي العهد.
وقالت: "لقد تآكلت المقايضة الأساسية، التي حافظت على العلاقة لعقود عبر السنين، المتمثلة في حاجة واشنطن إلى النفط السعودي، وحاجة الرياض إلى الضمانات الأمنية الأمريكية، بسبب قائمة طويلة من الضغوط والتوترات".
وذكرت المجلة أن هذه الضغوط تتمثل في: "هجمات 11 سبتمبر عام 2001 والأسئلة العالقة عن مدى معرفة الحكومة السعودية بالمؤامرة، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أدى إلى نظام يهيمن عليه الشيعة في بغداد وعرضة للنفوذ الإيراني، ودعم واشنطن لما يسمى الربيع العربي، والاتفاق النووي بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والعدو اللدود للسعودية، إيران، ومخاوف الرياض المتزايدة -التي أبرزتها استجابة واشنطن الضعيفة المتصورة لهجمات الطائرات من دون طيار/ صواريخ كروز الإيرانية في سبتمبر 2019 على منشأتين رئيستين لإنتاج النفط السعودي - بشأن التزام الولايات المتحدة بالأمن السعودي، وآخرها، قتل الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي".
مزيد من السوء في العلاقات
أمام هذه الأزمات المتلاحقة، قالت "فورين بوليسي": "يبدو أن الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات تزيد الأمر سوءًا"، مشيرة إلى أنه رغم المصافحة الأخوية بالقبضة بين بايدن وولي العهد خلال زيارة الرئيس إلى المملكة، إلا أن الشعور الواضح بدا أن للسعوديين الكلمة الأخيرة، وأنهم حصلوا على أكثر مما أعطوا، ولم تكن لديهم نية للاصطفاف مع إدارة بايدن ضد روسيا في أوكرانيا أو ضد الصين الصاعدة.
وأشارت إلى أنه بصرف النظر عن التفاهمات التي توصل إليها الجانبان، بشأن نية السعودية لزيادة إنتاج النفط، فقد انهارت في لحظة من التوتر عندما اتخذ السعوديون والروس، في اجتماع أوبك بلس في أكتوبر الماضي، قرار خفض الإنتاج بمليوني برميل يوميًا، في فعل كان ينظر إليه في واشنطن على أنه دعم مباشر لتمويل آلة حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
وأضافت المجلة، أنه لأمر مدهش أن يشير بايدن، في المقال الذي نشره في "واشنطن بوست" قبل رحلته إلى الشرق الأوسط في يوليو الماضي، إلى أنه من الضروري تحسين العلاقات الأمريكية السعودية للتنافس مع الصين، لكن يبدو أن الأمير محمد بن سلمان، بالطبع، لا يرى الأمر بهذه الطريقة.
فمن وجهة نظر ابن سلمان -حسب المجلة- أن اللعبة الآن هي كيف يمكنه استخدام بطاقة الصين لصالح المملكة العربية السعودية، واستخراج كل ما يمكنه الحصول عليه من بكين وواشنطن، من دون نفور أي من الدولتين".
وحسب المجلة، ظل السعوديون يطورون علاقاتهم مع الصين منذ سنوات، لكن هذا تطور جديد -وربما استراتيجي- على لعبة قديمة جدًا تلعبها القوى الصغيرة والضعيفة مع القوى العظمى. عند إلغاء القوة العظمى -في هذه الحالة الولايات المتحدة- الأولوية للقوة الأصغر (أو منطقتها)، تعيد الأخيرة أيضًا ضبط الموازنة، وتسعى للوصول إلى قوى عظمى أخرى لتحقيق التوازن، لكن ما تغير هو ثقة المملكة العربية السعودية المتزايدة، واستعدادها للعمل بشكل مستقل للدفاع عن المصالح السعودية، فضلاً عن الأهمية المتزايدة للصين كقوة عظمى في الحسابات السعودية.
ماذا تقدم الصين للسعودية؟
تتساءل "فورين بوليسي": ماذا تقدم الصين للسعودية؟
وتجيب: "بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن الصين ليست مجرد رافعة يتم سحبها ضد الولايات المتحدة، إنما لها قيمة حقيقية، إذ تعد الصين الآن أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، بعد زيادة التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية في السنوات الأخيرة.
بينما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن الشركات الصينية متعمقة داخل المملكة، حيث تبني المشاريع العملاقة، والبنية التحتية للجيل الخامس، وتطوير الطائرات العسكرية من دون طيار.
ونقلت المجلة الأمريكية عن إيفان أ. فيغنباوم، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قوله: بكين تتبع نهجًا متعدد الأبعاد، يشمل التكنولوجيا والاتصالات.
الشهر الماضي، وقَّعت شركة الاتصالات الصينية (تشاينا موبايل إنترناشيونال) مذكرة تفاهم مع الرياض "لتعزيز النظام البيئي للوسائط الرقمية في المملكة العربية السعودية".
كما تقدم الصين للمملكة علاقة خالية من أي قيود ومن التدخل في السياسة الداخلية للبلاد، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأشارت المجلة إلى أنه نادرًا ما سافر شي خارج الصين، منذ بداية جائحة كورونا، وليس من قبيل المصادفة أنه اختار المملكة العربية السعودية، لتكون بين رحلاته العديدة إلى الخارج، حيث لن تكون هناك احتجاجات أو تغطية صحفية محرجة للأويغور أو هونغ كونغ أو المظاهرات الصينية الأخيرة ضد عمليات الإغلاق .
وأضافت المجلة: "هذا يعني أنه على عكس رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، من المرجح أن تتميز زيارة شي بالدفء المتبادل، وأن تكون خالية من الكراهية والاحتكاك، وستسمح الزيارة، التي تشمل ثلاث قمم بحسب ما ورد، لكل من محمد بن سلمان وشي بإظهار محوريتهما في المنطقة".
يذكر أن زيارة شي تتضمن ثلاث قمم، الأولى مع الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان، والثانية مع زعماء دول الخليج، والثالثة مع قادة دول جامعة الدول العربية.
بينما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن أكثر من 30 رئيس دولة وزعماء المنظمات الدولية يخططون للحضور.
ورغم التقارب السعودي الصيني، فإن "فورين بوليسي" ترى أن العلاقة الأمريكية السعودية ليست على وشك الانهيار، ومن المرجح أن تظل واشنطن الشريك الرئيس للرياض، في التعاون الأمني والاستخباراتي، بل من المرجح أيضًا أن يضمن التهديد الخارجي من إيران، بقاء جانب واحد على الأقل من العلاقة الخاصة، إذا تعرض أي من الطرفين إلى هجوم.
ومن ثمّ -حسب المجلة- "لا يمكن للصين أن تحل محل تطور وفعالية الأسلحة الأمريكية، أو أن تعمل كضامن لحرية الملاحة في الخليج العربي، إذ إن البحرية الأمريكية هي التي تحمي بالفعل وتساعد في تأمين إمدادات الطاقة الصينية هناك".
ومع ذلك -تضيف المجلة الأمريكية- "يجب على إدارة بايدن أن تراقب ما قد تبيعه بكين من المعدات المتطورة للصواريخ الصينية الموجودة بالفعل لدى السعودية، وكذلك التعاون النووي الأولي الذي قد يحدث"، مضيفة: "هناك شيء واحد مؤكد، إذ لا تزال الولايات المتحدة مهمة للغاية بالنسبة لحسابات محمد بن سلمان، لكن ربما لا تكون مركزية".
وتابعت: "لقد ولت أيام الملوك السعوديين الذين يكرهون المخاطرة، والذين يحركهم الإجماع، لكن بدلاً من ذلك، نشاهد ملكًا سعوديًا جاهزًا للمخاطرة، واثقًا، وحتى متعجرفًا، يعرف أن العالم، سواء جرت ثورة خضراء أم لا، سيعتمد على الهيدروكربونات السعودية لسنوات مقبلة".
وأشارت إلى أنه خلال رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، أخبر بايدن السعوديين وغيرهم من قادة دول الخليج العربي بأن الولايات المتحدة "لن تذهب إلى أي مكان" وأنها ستبقى في المنطقة، لكن إذا قرر محمد بن سلمان القيام بما يريده بالفعل، لن تذهب الصين -وربما روسيا أيضًا- من المنطقة".