القمة الخليجية الصينية.. هل تؤسس لعالم متعدد الأقطاب؟

محمد بن سلمان: القمة الصينية الخليجية تعقد في ظل تحديات تواجه المنطقة والعالم، وظروف استثنائية تحتم تفعيل العمل الجماعي المشترك بين الصين والخليج، لمواجهة هذه التحديات

القمة الخليجية الصينية.. هل تؤسس لعالم متعدد الأقطاب؟

السياق 

«تنشيط مسار التعاون الخليجي الصيني، وتعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف»، كلمات وجَّهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كلمته خلال القمة الخليجية الصينية، التي عُقدت في العاصمة الرياض الجمعة.

تلك الكلمات كشفت عن طي صفحة العالم أحادي وثنائي القطب، الذي أطلقت الحرب الأوكرانية عليه رصاصة الرحمة، في انتظار عالم متعدد الأقطاب، لا تكون فيه الهيمنة للغرب، في تطورات تستلزم إعادة تغيير خارطة العالم، بما يتوافق مع دوائر النفوذ وموازين القوى الجديدة.

 

فكيف تناولت كلمة ولي العهد السعودي التغييرات في المنطقة؟

التأمت اليوم في العاصمة السعودية الرياض، القمة الصينية الخليجية، التي تعد الأولى من نوعها، بحضور قادة وزعماء مجلس التعاون الخليجي، الذين عقدوا –الجمعة- القمة الخليجية الـ43.

وبدأ ولي العهد السعودي، كلمة المملكة في القمة الصينية الخليجية الأولى، بتوجيه رسائل خارجية، لأطراف عدة، قائلًا إن القمة الصينية الخليجية تعقد في ظل تحديات تواجه المنطقة والعالم، وظروف استثنائية تحتم تفعيل العمل الجماعي المشترك بين الصين والخليج، لمواجهة هذه التحديات، في رسالة وصفها مراقبون بأنها موجهة للولايات المتحدة.

وأوضح ولي العهد في كلمته، أن دول مجلس التعاون تعد الصين شريكًا أساسيًا مهمًا لها، مشيرًا إلى أن ثمار هذه الشراكة انعكست على المصالح المشتركة وأمن المنطقة واستقرارها.

وامتدح ولي العهد السعودي الصين بكلمات أشاد فيها بتطورها اللافت، وبقصة نجاحها الاقتصادية المذهلة، قائلًا: قصة نجاح تتجلى في مكانة الصين الرائدة الاقتصادية العالمية، وتولد أهمية قصوى لرفع الشراكة بين الخليج والصين، مضيفًا: «تتطلع دول الخليج لتبادل الخبرات، وشراكات متنوعة في ظل خطط التنمية الطموحة لدول المجلس والتعاون في المجالات الثنائية».

وتوقع ولي العهد السعودي، استمرار العلاقة بين الصين والخليج في النمو خلال السنوات المقبلة، بعد انتهاء مفاوضات إقامة المنطقة التجارية الحرة بين الجانبين، لتسهيل التجارة، بما يتيح الاستفادة القصوى من فرص الاستثمار الواعدة.

وفي رسائل خارجية لا تخطئها العين، قال ولي العهد، إن دول الخليج مهتمة بالعمل مع الصين لاستكشاف سبل عملية لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك الأمن الغذائي وتحسين تكامل سلاسل الإمداد العالمية وأمن الطاقة، مؤكدًا أن دول الخليج ستظل مصدرًا موثوقًا لتلبية احتياجات العالم والصين من الطاقة.

وثمَّن سعي الصين لطرح مبادرات تعنى بتنشيط مسار التعاون وتعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف، على رأسها مبادرة أصدقاء التنمية العالمية، مؤكدًا أن المجلس يشارك التفكير مع الصين في أهمية إعادة تركيز المجتمع الدولي نحو التنمية، والتحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية.

وأشار إلى أن دول المجلس تستمر في بذل جميع الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تدعم الحلول السياسية والحوار لجميع التوترات والنزاعات الإقليمية والدولية، إلا أنه قال إن هذه الغايات لن تتحقق إلا بخروج المليشيات المسلحة المرتزقة من جميع الأراضي العربية، ووقف التدخلات الخارجية بشأنها.

الرسائل الخليجية السعودية، تلقفها الرئيس الصيني شي جي بينغ، في كلمته خلال القمة الصينية الخليجية، بينما استغل كلمته لمواجهة رسائل خارجية، بشأن النظام العالمي الجديد وتايوان وقضايا محلية وإقليمية ودولية.

 

رسائل الرئيس الصيني

أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، ضرورة إثراء المقومات الاستراتيجية في العلاقات الصينية والخليجية، ودعم المصالح الحيوية المشتركة، والعمل على صيانة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبذل الجهود المشتركة بتطبيق مبدأ تعددية الأطراف الحقيقية، بما يحافظ على المصالح المشتركة للدول النامية الغفيرة.

وتابع الرئيس الصيني: لنكون شركاء للسعي إلى التنمية علينا تعزيز المواءمة بين استراتيجيتنا وتوليد قوة دافعة للتنمية، أتطلع إلى تضافر الجهود مع الأطراف لتنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030، بما يسهم في تنمية المنطقة، ولنكون شركاء في تحسين الأمن، ستواصل الصين دعمها الثابت، لدول الخليج في الحفاظ على أمنها، وتدعم دول المنطقة في حل الخلافات عبر الحوار والتشاور، وبناء منظومة الأمن الجماعي في الخليج.

وشدد الرئيس الصيني على أن بلاده ترحب بدول الخليج للمشاركة في مبادرة الأمن العالمي، للحفاظ على أمن المنطقة بالجهود المشتركة، مؤكدًا ضرورة تعزيز التقارب بين الشعوب وتنويع التواصل.

ولتنفيذ الرؤية الصينية، قال الرئيس شي، إن بلاده ستنشئ مجلس استثمار مع دول الخليج، وستعمل مع دول الخليج لتفعيل نظام المدفوعات بالعملات المحلية، ما يوجه ضربة قوية للدولار الأمريكي.

وأشار شي جين بينغ إلى الحرص على التعاون مع دول الخليج في مجالات الحوسبة والاقتصاد الرقمي، مؤكدًا أنه سيكون هناك تعاون متبادل لتعليم اللغتين الصينية والعربية.

وأكد أهمية توفير مسارات جديدة للتعاون اللغوي والثقافي مع دول الخليج، وتوفير آلاف الفرص التعليمية للغة الصينية لدول الخليج، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك تعاون متبادل لتعليم اللغتين الصينية والعربية.

وغازل الرئيس الصيني دول الخليج، قائلًا: يعود التواصل الودي بين الصين والخليج إلى ما يقارب ألف عام (...) كانت الشعوب تتواصل بشكل مكثف في طريق الحرير القديم بالحكمة الشرقية المتمثلة في الاهتمام والسلام، بالدعوة للانسجام والسعي إلى العلم، مشيرًا إلى أن الصين بدأت تتواصل مع مجلس التعاون فور تأسيسه عام 1981.

وواصل الرئيس الصيني كلماته الودودة تجاه مجلس التعاون، قائلًا: كتب الجانبان فصولًا مبهرة خلال السنوات الماضية للتعاون المشترك، والثقة المتبادلة.

وحاول الرئيس شي إبراز الفرص المتاحة بين الجانبين، قائلًا: الصين تتمتع بسوق استهلاكية واسعة ومنظومة صناعية متكاملة، بينما يتميز الخليج بموارد طاقة غنية وتطور مزدهر لتنويع الاقتصاد، مشيرًا إلى أن الجانبين يعدان شريكين طبيعيين للتعاون، فشعبا البلدين ينتميان للحضارة الثقافية وللقيم الثقافية المتشابهة، ويتبادلان المساعدة بروح الفريق الواحد في وجه تغيرات الأوضاع الدولية والإقليمية والتحديات الناجمة عن جائحة كورونا والأزمة المالية والكوارث الطبيعية الكبرى.

وأشاد الرئيس شي بما بذله الخليج من جهود، ليصبح المجلس أكثر منظمة حيوية في الشرق الأوسط والخليج، معبرًا عن تضامنه في وجه التحولات العالمية، وتحقيق نمو اقتصادي، والعمل على الدفع لإيجاد حلول سياسية في المنطقة.

وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، أن بلاده ستعمل على إنشاء مركز مشترك مع دول مجلس التعاون لاستكشاف الفضاء، مضيفًا: نحرص على إطلاق سلسلة من مشروعات التعاون مع الخليج في مجالات الفضاء.

 

بيان صيني خليجي مشترك

في ختام القمة، صدر البيان الختامي لقمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية، الذي ارتكز على 18 نقطة، تؤطر للتعاون بين الجانبين، وتؤكد أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين مجلس التعاون والصين، ودفعها نحو آفاق جديدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

وأكد القادة أهمية الدعم المتبادل بما يحقق المصالح المشتركة للجانبين، بحسب البيان الذي أشار إلى أن الصين تدعم جهود دول الخليج لصيانة سيادتها ووحدة أراضيها، والحفاظ على أمنها واستقرارها، وتحقيق التنمية المتكاملة، كما تدعم دول الخليج جهود الصين لتنمية اقتصادها وصيانة سيادتها وسلامة أراضيها، والالتزام بمبدأ الصين الواحدة.

وأكد القادة أهمية مواصلة تعميق التعاون بين الجانبين في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار والمالية والصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء والصحة، بما يحقق المصلحة المشتركة للجانبين، بما في ذلك استكمال مفاوضات التجارة الحرة بينهما في أقرب وقت ممكن.

إدانة الإرهاب وتوافق في الرؤى

وعبّر القادة عن إدانتهم للإرهاب، أياً كان مصدره، ورفضهم لكل أشكاله وصوره، والعمل على تجفيف مصادر تمويله، وعبروا -كذلك- عن عزمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومنع التمويل والتسليح والتجنيد للجماعات الإرهابية من جميع الأفراد والكيانات، والتصدي لجميع الأنشطة المهددة لأمن المنطقة واستقرارها.

وناقش القادة القضايا الإقليمية والدولية، حيث توافقت الرؤى على أهمية تضافر الجهود لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء العالم، وأولوية استتباب السلم والأمن الدوليين، من خلال الاحترام المتبادل والتعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، والالتزام بمبادئ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة وحُسن الجوار، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها.

وأكد القادة ضرورة دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج، وضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، حفاظاً على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، وأكدوا دعوة إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

رسائل لإيران

كما أكد الجانبان (الصيني والخليجي) ضرورة أن تقوم العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة أو التهديد بها، والحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

وأكد القادة أهمية الحوار الشامل بمشاركة دول المنطقة لمعالجة الملف النووي الإيراني، والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، والتصدي لدعم الجماعات الإرهابية والطائفية والتنظيمات المسلحة غير المشروعة، ومنع انتشار الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وضمان سلامة الملاحة الدولية والمنشآت النفطية، والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية.

كما أكد القادة دعمهم للجهود السلمية، بما فيها مبادرة ومساعي دولة الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، من خلال المفاوضات الثنائية وفقًا لقواعد القانون الدولي، ولحل هذه القضية وفقا للشرعية الدولية.

ودعا القادة جمهورية العراق إلى أهمية احترام سيادة دولة الكويت وحرمة أراضيها، والالتزام بقرارات مجلس الأمن، لاسيما القرار رقم 833 والاتفاقيات المبرمة بين البلدين والمودعة لدى الأمم المتحدة، كما دعا القادة جمهورية العراق إلى استكمال ترسيم الحدود البحرية مع دولة الكويت.