في الحرب الدعائية... كيف فازت أوكرانيا على روسيا؟

مع احتدام الحرب في أوكرانيا، ليس هناك شك في أن الرئيس زيلينسكي -الممثل والكوميدي السابق- استثمر الكثير من الجُهد في عمليات الدعاية، مثل المناورات التكتيكية في ساحة المعركة.

في الحرب الدعائية... كيف فازت أوكرانيا على روسيا؟

ترجمات - السياق

للحرب أكثر من جبهة، وبجانب القتال المستعر جوًا وأرضًا في الأراضي الأوكرانية، هناك حرب دعائية يخوض غمارها كل من موسكو وكييف وحلفائهما.

إلى ذلك سلَّطت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، الضوء على نجاح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حشد الآليات الدعائية المتاحة لتعزيز وتحسين صورة أوكرانيا على الصعيد العالمي، مؤكدة أن اهتمامه بحشد تأييد الرأي العام العالمي لبلاده، فاق اهتمامه بالمناورات العسكرية في ساحات القتال، لافتة إلى حُسن استغلال أوكرانيا للمعلومات خلال الحرب لتحقيق مصالحها.

وأرجعت المجلة -في تحليل للكاتبة الكندية تانيا جودسوزيان- قدرة زيلينسكي على جذب التعاطف إلى خلفيته كممثل، مشيرة إلى أن جذب الجمهور في هذا المجال يُعد أمرًا ضروريًا، وهو ما تجلى بنجاح الرئيس الأوكراني في إيصال رسالة أوكرانيا لمختلف الدول، وحشد الدعم العسكري والمالي لبلاده.

وقالت: "من العدل أن نتساءل عما إذا كانت عمليات الدعاية في الصراع الحديث، أكثر أهمية من العمليات في ساحة المعركة"، وتابعت: "إذا كان هناك أي شك في ذلك، فننظر إلى حملة الاتصالات الاستراتيجية الرائعة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا".

 

"مناورات تكتيكية"

أشارت "ناشيونال إنترست" إلى أنه مع احتدام الحرب في أوكرانيا، ليس هناك شك في أن الرئيس زيلينسكي -الممثل والكوميدي السابق- استثمر الكثير من الجُهد في عمليات الدعاية، مثل المناورات التكتيكية في ساحة المعركة.

ورأت أن وسائل الإعلام الغربية أصبحت تقبل بشكل روتيني التقارير الأوكرانية الرسمية عن الخسائر في الأرواح والخسائر في المعدات التي تكبدتها القوات الأوكرانية، مع المبالغة في تقدير خسائر القوات الروسية وترديد مزاعم مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" بشأن الهزيمة الروسية الوشيكة.

وأوضحت، أنه على النقيض من ذلك، يمكن تفسير الكثير من حملة التأثير الروسي المتقطعة -على الأقل تجاه الغرب- من خلال النفور طويل الأمد من التقارير الواقعية عن ساحة المعركة، وغياب وسائل الإعلام، والتركيز الأساسي على الجمهور الروسي الداخلي، ومع ذلك، فإن مستوى أهمية واستغلال معلومات ساحة المعركة من قِبل الأوكرانيين بات ملحوظًا بكل المقاييس.

وأضافت المجلة: "ربما يأتي فهم زيلينسكي للاتصالات الاستراتيجية من خلفيته في صناعة الترفيه، حيث يكون جذب الجمهور أمرًا ضروريًا".

وتابعت: "مهما كان السبب، فقد شنّ زيلينسكي هجومًا معلوماتيًا مُبكرًا"، مشددة على أنه "لا أحد الآن يستطيع منافسة الرئيس الأوكراني في إيصال رسالة بلاده إلى العالم".

ورأت أن زيلينسكي "كان غير مسبوق في استخدامه لأسلوب الإقناع"، مشيرة إلى أنه عندما طلب المساعدة من البرلمان البريطاني، استحضر رئيس الوزراء الراحل ونستون تشرشل -ذو الشعبية الكبيرة في بريطانيا- ومع الكونغرس الأمريكي استحضر هجمات 11 سبتمبر، ومع الكنيست الإسرائيلي استحضر الهولوكوست.

وأمام هذه الاستخدامات، ربطت المجلة بين زيلينسكي والرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، باعتبار أن الأخير أيضًا بدأ حياته المهنية "ممثلًا".
ورغم ذلك، فإن المجلة رأت، أنه من دون الدعم الغربي، كانت أوكرانيا ستسقط بعد وقت قصير من هجوم الروس.

 

"زيلينسكي ليس وحده"

ونبهت "ناشيونال إنترست" إلى أن زيلينسكي لم يكن وحده في الترويج لصورة المقاومة الأوكرانية الشجاعة، حيث كانت خلفه آلة دعاية جيدة، مبنية على الإعلان التجاري وسنوات من المساعدة الغربية.

وأشارت إلى أنه منذ عام 2014، وصفت العمليات الدعائية روسيا بأنها تخوض حربًا سوداء ضد أوكرانيا ذات الميول الغربية، لافتة إلى أنه عندما غزا الروس، أوكرانيا في فبراير 2022، كانت آلة الدعاية جاهزة، وكذلك كان زيلينسكي مستعدًا لاستكمال ما بدأه.

وأضافت: "لهذا الغرض، كان النشر الانتقائي للمعلومات وتنظيم نتائج ساحة المعركة أمرًا ضروريًا، كما هو الحال مع انتشار التغريدات على "تويتر" والرسائل الإلكترونية الجماعية ومقاطع الفيديو التي تعرض الدبابات المتفجرة والقوات الأوكرانية القوية والمدن التي دمرتها الفظائع الروسية".

وفي هذا السياق، أشارت المجلة إلى نجاح أوكرانيا في توظيف المشاهد التي خلفتها الأزمة مع روسيا لكسب التعاطف الدولي، مستغلة صور الدبابات والمباني المدمرة، مُضيفة أن نشر مقاطع فيديو لما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي مثل "يوتيوب" يُعد سابقة هي الأولى من نوعها، حيث احتلت الكاميرات المثبتة في خوذات الجنود درجة أهمية البنادق نفسها.

وحسب المجلة، يُعد استخدام كاميرات جو برو، ومقاطع فيديو يوتيوب غير مسبوق، بل سيكون سابقة في أي ساحة معركة بالمستقبل، مشيرة إلى أنه قبل نحو عشرين عامًا ، كان الجدل يدور حول السماح للقوات باستخدام كاميرات الهواتف المحمولة في القتال، بينما اليوم، تعد (الكاميرات المثبتة في خوذات الجنود) ضرورية لعمليات المعلومات الأوكرانية، بل لا تقل أهمية عن البنادق.

 

"تأريخ"

ورأت "ناشيونال إنترست" أن أدوات الدعاية الحديثة مثل الفيديو، ستؤرخ لما يفعله الأوكرانيون من مقاومة شجاعة ضد الروس.
وأشارت إلى أن هذا التأريخ سينضم إلى ملاحم مازال العالم يتذكرها، وآخرها الحربان العالميتان، اللتان ظهر فيهما قناصون غيروا قواعد اللعبة آنذاك، أو طيارون بارعون ذوو أبعاد أسطورية، مع شخصيات مثل الطيار المقاتل الألماني مانفريد فون ريشتهوفن، المعروف باسم البارون الأحمر، والقناص السوفييتي فاسيلي زايتسيف، والقناص الفنلندي سيمو هايها المعروف بـ "الموت الأبيض"، والرامي السوفييتي الأوكراني المولد ليودميلا بافليشينكو، المعروف أيضًا بـ "سيد الموت".

أمام هذه الأساطير، ذكّرت المجلة بما سمته التأثير الإيجابي الذي خلفته عملية اختلاق شخصيات ذات طابع أسطوري على جبهات القتال، التي أسهمت في الحفاظ على دعم الأوكرانيين للجنود، وذلك مثل القناصة الأوكرانية الغامضة التي لقبت بـ "شاركول" -التي يُزعم أنها أسقطت العديد من الطائرات الروسية- أو الطائرة المقاتلة الأوكرانية التي لقبت بـ "شبح مدينة كييف" التي زعمت إسقاط العديد من الطائرات الروسية.

يذكر أن "شبح كييف"، اسم مستعار أُطلق على قائد طائرة ميكويان ميغ 29، وهو بطل أسطوري يزعم بأنه أسقط ست طائرات روسية بداية الحرب.

 

"الجمود الدموي"

وتابعت: "من الصعب المبالغة في تقدير إنجازات الرئيس زيلينسكي وآلة الدعاية الأوكرانية الجيدة، إذ لم يقتصر الأمر على حشد مواطني أوكرانيا للدفاع عنها، بل أيضًا على تدفق غير مسبوق من الدعم والمساعدة الغربيين"، لافتة إلى أن تركيزه على الدعاية والمعلومات بيّن لأي مدى تتعرض بلاده لقصف روسي بلا هوادة، بل وإظهار كيف أن الغزو الروسي غير مبرر وليس له علاقة بمخاوف موسكو المتعلقة بأمنها القومي.

وختمت "ناشيونال إنترست" تحليلها بتأكيد نجاح الحملة الدعائية الأوكرانية، في حشد الدعم الدولي والمساعدات الغربية، فضلًا عن تأكيد حق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، مشيرة إلى أن هذا النجاح لم يكن محض مصادفة، بل كان نتاج عمل أجهزة ركزت على التلاعب بالمعلومات وتوجيه الرأي العام لصالحها، من خلال استخدام المنصات الإعلامية القديمة والحديثة.

وأضافت: "لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا رغم الهجمات المضادة الأخيرة في الشمال والجنوب، التي تم تزويدها بإمدادات ضخمة من الأسلحة والذخيرة، ومع ذلك، من المحتمل أيضًا أن تتحول العمليات في ساحة المعركة إلى حالة من الجمود الدموي بدلاً من تحقيق هدف زيلينسكي لتحرير شرقي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، لكن بينما لا يزال أمام العمليات القتالية طريق طويل، فقد حققت عمليات الدعاية النصر بالفعل"، مستدركة: "لقد أصبحت عبارة "المجد لأوكرانيا -التي يرددها زيلينسكي كثيرًا- تحية شائعة في العالم".