فايننشال تايمز: الغزو الروسي لأوكرانيا يعرقل المغامرة النووية الفرنسية

المشكلات التي تعيق مشروعات الطاقة النووية في فرنسا، تواجه أسوأ توقيت، مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز

فايننشال تايمز: الغزو الروسي لأوكرانيا يعرقل المغامرة النووية الفرنسية

ترجمات – السياق

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تخطط دول الاتحاد الأوروبي، لإنهاء اعتمادها على موسكو في مجال الطاقة، لكن الحلفاء الأوروبيين يواجهون صعوبة في إيجاد بديل لنفط روسيا، التي تعد أكبر منتج للنفط، بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز، أن فرنسا التي وصفتها بـ"الصديقة للطاقة النووية"، لديها سبب وجيه للشعور بقلق أقل من معظم الدول، مشيرة إلى أن اعتماد فرنسا طويل الأمد على الطاقة النووية، يعني أن باريس لم تواجه سوى القليل من القرارات الصعبة، التي اتخذتها دول مثل ألمانيا، تتعرض لضربة اقتصادية كبيرة ناجمة عن خروج مفاجئ للغاز الروسي.

ظلال من الشك

ورغم القدرات النووية الفرنسية الكبيرة، فإن "فايننشال تايمز" ذكرت بعض الأسباب التي تعيق استمرار باريس في اعتمادها على ذلك بعيدًا عن النفط الروسي، مشيرة إلى أن هناك سلسلة من أزمات الصيانة التي تواجه المشروعات النووية الفرنسية، بما في ذلك التآكل والتأكسد في بعض المفاعلات القديمة، والمشكلات في مجموعة الطاقة التي تسيطر عليها الدولة، وغياب الاستثمارات النووية الجديدة المهمة سنوات طويلة.

وذكرت أن هذه الأزمات تقوِّض الإمدادات، وتلقي بظلال من الشك على ما إذا كانت الطاقة النووية ستعزل فرنسا عن مشكلات جيرانها، مشيرة إلى أن نِصف مفاعلات فرنسا البالغ عددها 56 مفاعلًا غير متصل بالإنترنت -وهو رقم قياسي- مع إغلاق 12 مفاعلًا منها بسبب عمليات التفتيش على التآكل.

ونقلت الصحيفة عن إيف مارينياك، رئيس القطب النووي والطاقة الأحفورية بمعهد نيغاوات، قوله: "هناك سلسلة من المشكلات التي أدت إلى مستوى غير مسبوق على الإطلاق من الصعوبات والإغلاق في الصناعة النووية الفرنسية"، مشيرًا إلى أن أزمات التآكل والتأكسد التي تواجه بعض المشروعات النووية الفرنسية، تواكب 10 سنوات من التراجع في أداء الأسطول النووي للبلاد.

وكشف تقرير مراجعة الطاقة في فرنسا لعام 2021، لوكالة الطاقة الدولية، أن فرنسا تستفيد من الكهرباء منزوعة الكربون وأقل انبعاثات من الاقتصادات المتقدمة على مستوى الفرد، ويعود ذلك إلى دور الطاقة النووية، التي شكلت 67% من مزيج الطاقة عام 2020، بانخفاض عن 76% عام 2010.

أسوأ توقيت

ورأت "فايننشال تايمز" أن المشكلات التي تعيق مشروعات الطاقة النووية في فرنسا، تواجه أسوأ توقيت، مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز ورفع عمليات الإغلاق الخاصة بكورونا، تلتها اضطرابات في سلسلة التوريد والطقس غير المواتي، الذي استنفد إنتاج الطاقة المتجددة العام الماضي، مشيرة إلى أن ذلك واكبته الحرب في أوكرانيا، ما زاد وقع هذه الضغوط على فرنسا.

من جانبها، قالت الوكالة الفرنسية للطاقة النووية الأسبوع الماضي: إن عملية التآكل والتأكسد، تسببت في شقوق بأنابيب نظام حقن المياه الاحتياطي، قد يستغرق إصلاحها سنوات.

وحسب الصحيفة البريطانية، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل غزو روسيا لأوكرانيا، في فبراير الماضي، بإعادة بدء "المغامرة النووية" الفرنسية، وكشف النقاب عن خطة بـ 52 مليار يورو لبناء مفاعلات جديدة في استراتيجية تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون، مع توفير أمن الطاقة.

وأشارت إلى أن فرنسا استمدت 69 في المئة من إنتاجها من الكهرباء من الطاقة الذرية العام الماضي، إلا أن حالات الانقطاع خفضت ذلك إلى 59 في المئة هذا العام، ما أضر بمجموعة إليكتريسيتي دو فرانس لإنتاج الكهرباء -التي تسيطر عليها الدولة- ماليًا بشكل كبير.

وكشفت أن المجموعة المثقلة بالديون اضطرت إلى شراء الطاقة في أسواق الجملة، في الوقت الذي أدت فيه الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع الأسعار .

كما أضرت -حسب الصحيفة- التأخيرات المتكررة وتجاوزات التكلفة في مشروعين رائدين من الجيل التالي للمفاعلات المضغوطة الأوروبية في فرنسا وبريطانيا، بسمعة إليكتريسيتي دو فرانس، لأنها غير قادرة على صُنع تقنيات نووية جديدة، في الوقت المحدد، وبالميزانية المسموح بها.

ونقلت الصحيفة عن دينيس فلورين، من شركة لافوازييه لاستشارات الطاقة، قوله: "هناك مشكلة أساسية لمجموعة إليكتريسيتي، تظهر من خلال المشكلات المتكررة التي استمرت فترة طويلة جدًا"، مشيرًا إلى أن هذا الأمر وضعها في محل انتقاد متواصل من قِبل دافعي الضرائب والمستثمرين، الذين يضخون المليارات في هذه المشروعات.

ومع ذلك، فإن فرنسا ليس لديها مساحة كبيرة للتلويح بأنها تخطط لمستقبل أقل كثافة للكربون، لافتة إلى أنها -كجيرانها في الاتحاد الأوروبي- تهدف إلى القضاء على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050، ورغم استثماراتها الكبيرة، فإنها متخلفة عن جيرانها الأوروبيين، في بناء مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بسبب البيروقراطية واعتمادها على الطاقة النووية.

تردد ماكرون

أمام تراكم هذه الأزمات التي تواجه فرنسا، بدا أن ماكرون متردد في ما يتعلق بالطاقة النووية، إذ إنه رغم إشرافه على إغلاق محطة نووية عام 2018 بعد انتهاء فترة عملها الافتراضية، فإنه يضاعف طاقته الذرية.

وأشارت إلى أنه عند إعلان المفاعلات الستة الجديدة المخطط لها، التي ستحل محل المفاعلات القديمة، في فبراير، قال ماكرون، إن ثمانية أخرى قد تتبعها، كما كشف النقاب عن خطة لإطالة عمر المحطات النووية إلى ما بعد الأربعين عامًا القياسية كلما أمكن، متخليًا -بشكل فعال- عن هدفه بخفض اعتماد فرنسا على الطاقة النووية إلى 50 في المئة بحلول عام 2035.

وقال في كلمة ألقاها بمصنع توربينات المفاعلات النووية شرقي فرنسا: "حان وقت نهضتنا النووية".

وتعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة عن فاليري فودون، رئيس جمعية الطاقة النووية الفرنسية، قولها: أوروبا تعتمد أيضًا على الإنتاج الفرنسي من الطاقة النووية، حيث كانت فرنسا أكبر مصدر صافٍ للطاقة في المنطقة العام الماضي، مشيرة إلى أن باريس زودت جيرانها -مثل إيطاليا وألمانيا- بالطاقة النووية، رغم أن الأخيرة أغلقت صناعتها النووية بسبب مخاوف بيئية.

عقبات جديدة

وحسب "فايننشال تايمز" يواجه ماكرون الآن سلسلة من العقبات تحول دون بدء تشييد المصانع الجديدة بنهاية ولايته الثانية عام 2027 في الموعد المستهدف لبدء التشغيل عام 2035.

وأشارت إلى أن التحدي الأول أمامه هو الحصول على أغلبية أخرى بالانتخابات التشريعية في يونيو الجاري، لافتة إلى أن المرشحين ذوي الميول اليسارية، بمن في ذلك بعض المؤيدين المناهضين للأسلحة النووية، شكلوا تحالفًا لزيادة فرصهم ضده، رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن ذلك غير مرجح.

وشددت الصحيفة، على أنه سيتعين على فرنسا أيضًا حل الخلاف بشأن إطار تنظيمي جديد للاتحاد الأوروبي للقطاع النووي، مع مناقشات يمكن أن تبدأ هذا العام، حيث تستعد للتصويت في البرلمان الأوروبي في يوليو على ما إذا كان سيتم تصنيف الطاقة النووية على أنها خضراء، الأمر الذي يفتح أبواب الاستثمار أمام هذه المشروعات، ما يخدم بقاءها وتطورها.

وذكرت أنه رغم أن مجموعة إليكتريسيتي دو فرانس، أعلنت أنها مستعدة لبناء مفاعلات جديدة، فإن الصناعة تواجه نقصًا في الموظفين المهرة، بمن فيهم عُمال اللحام والمهندسون، بعد أن غادر الكثيرون القطاع، بسبب ندرة المشاريع في السنوات الأخيرة.