استراتيجية بايدن للأمن القومي... هل تؤدي إلى عالم فوضوي؟
ذكرت مجلة فورين بوليسي، أن إصدار الاستراتيجية الجديدة، جاء متأخرًا جدًا، مشيرة إلى أنه عادةً ما كانت تصدرها الإدارات الأمريكية السابقة مع بدء توليها السلطة.

ترجمات - السياق
رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الاستراتيجية الجديدة التي أصدرها البيت الأبيض مؤخرًا بشأن الأمن القومي، قد تؤدي إلى عالم أكثر فوضى، مشيرة إلى أن الوثيقة التي طال انتظارها تترك أسئلة أكثر من الإجابات، عن نهج واشنطن في الأزمات العالمية.
وأصدر البيت الأبيض مؤخرًا، استراتيجيته الجديدة للأمن القومي، التي وصفها جو بايدن بأنها "ترتكز على العالم كما هو اليوم، وتضع المستقبل الذي نسعى إليه، وتقدم خارطة طريق لكيفية تحقيق ذلك".
وتحدد الاستراتيجية كيف تعمل الولايات المتحدة على "تعزيز مصالحها الحيوية والسعي إلى عالم حر ومنفتح ومزدهر وآمن".
ستستفيد الاستراتيجية من عناصر القوة الأمريكية للتغلب على المنافسين الاستراتيجيين، ومعالجة التحديات وتشكيل قواعد لخارطة الطريق، وتستهدف حماية أمن الشعب الأمريكي، وتعزيز الفرص الاقتصادية، والدفاع عن القيم الديمقراطية.
وتقدم الوثيقة -المكونة من 48 صفحة- نظرة أكثر عُمقًا لنظرة إدارة بايدن للعالم حتى الآن، حسبما وصفتها "فورين بوليسي" الأمريكية.
صدور متأخر
ورأت المجلة أن إصدار الاستراتيجية الجديدة، جاء متأخرًا جدًا، مشيرة إلى أنه عادةً ما تصدرها الإدارات في البيت الأبيض مع بدء توليها السلطة.
ووصفتها بأنها "مجرد تأكيد للقرارات والإجراءات التي تكشف خيارات السياسة الخارجية لفريق بايدن خلال العامين الماضيين لا أكثر، والتي يعرفها المراقبون بالفعل"، متساءلة: "ما الفائدة من امتلاك وثائق استراتيجية، إذا جرى كتابتها بعد الحدث؟".
ورأت "فورين بوليسي" أن إصدار استراتيجية الأمن القومي، أمر روتيني يطلبه الكونغرس من البيت الأبيض، قائلة: "يفرض الكونغرس الأمريكي على كل إدارة رئاسية نشر وثيقة تحدد نهجها في الأمن القومي للشعب الأمريكي".
وحسب المجلة، فقد حددت الاستراتيجية الصين كمنافس وحيد لواشنطن، في إعادة تشكيل النظام العالمي، ووصفت روسيا بأنها "شديدة الخطورة".
وركزت على 3 أهداف: حماية الشعب الأمريكي، وتوسيع الفرص الاقتصادية، وتعزيز القيم الديمقراطية والدفاع عنها لأنها في قلب "أسلوب الحياة الأمريكي".
وتعليقًا على هذه الرؤية، رأت المجلة الأمريكية، أن الاستراتيجية لو كانت قدمت بشكل جيد، ولم تتأخر، كانت بكل تأكيد ستأخذ في الحسبان التهديد الروسي منذ البداية، ولذلك -حسب المجلة- فإن هذه الاستراتيجية المتأخرة إدانة جدية لبصيرة بايدن الاستراتيجية ومدى كفاءة إدارته.
وبينت المجلة أن هناك قلقًا شديدًا بين المراقبين، بشأن (استراتيجية الدفاع الوطني)، التي تسلط الضوء على أبرز مجالات التطوير لوزارة الدفاع، مثل تحسين قدرات الحماية لدى القوات، ورفع الجاهزية، وبناء القدرات القتالية المشتركة، مشيرة إلى أن إصدارها قبل استراتيجية الأمن القومي يفتح باب التساؤل، إذ أن الموقف الدفاعي يجب أن ينبع من الاستراتيجية الأم وليس العكس.
وأشارت إلى أنه رغم شكوى المراقبين مرارًا من عدم كفاءة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإنها أصدرت استراتيجيتها للأمن القومي بعد 11 شهرًا فقط من توليها الرئاسة، موضحة أن خروج بايدن بعد ما يقرب من عامين من التنصيب، ليعلن هذه الاستراتيجية دليل إدانة قوي ضد إدارته بعدم الكفاءة.
روسيا
وأرجعت "فورين بوليسي" تأخر إدارة بايدن في إصدار الاستراتيجية، إلى أنهم نسوا في فبراير -الوقت الأصلي لإعلان الوثيقة- ذكر روسيا، إلا أنهم بمجرد أن أعلن الرئيس فلاديمير بوتين شنّ أكبر حرب برية في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على أوكرانيا، تنبهوا للخطر الروسي، ومن ثم "كان عليهم العودة لرسم الاستراتيجية من جديد".
ووصفت المجلة نسيان إدارة الرئيس الأمريكي للخطر الروسي بأنه "أكبر لائحة اتهام لاستراتيجية بايدن"، مشيرة إلى أنه كان واضحًا للجميع أن روسيا تشكل تهديدًا كبيرًا لمصالح الولايات المتحدة، حتى قبل غزو أوكرانيا في فبراير.
ولفتت إلى أن المرشح الرئاسي السابق ميت رومني كان قد عدَّ روسيا "أكبر خصم جيوسياسي للولايات المتحدة عام 2012".
كما أن المجلس الأطلسي -مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في الشؤون الدولية- دائمًا ما يؤكد في جميع أبحاثه طوال السنوات الماضية، الحاجة الملحة إلى التعامل مع روسيا والصين في الوقت نفسه، كخطر محتمل على الولايات المتحدة، وليس التعامل مع بكين بمنأى عن موسكو.
ورغم ذلك، فإن المسودات المبكرة لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، لم تدرج روسيا ضمن أكبر خمسة تحديات للأمن القومي للولايات المتحدة، حيث تأتي بعد الصين وأمور أخرى مثل كورونا وتغير المناخ والانتعاش الاقتصادي، من حيث الأهمية بالنسبة لواشنطن.
ومن ثمّ -حسب المجلة- بدا أن السبب الرئيس لتأخر إصدار الاستراتيجية، الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا، إذ شعرت إدارة بايدن بأن عليها إعادة كتابة الاستراتيجية، لتعكس هذا الغزو وخطورته على الأمن القومي الأمريكي.
وأضافت: "من المحتمل أن تكون إدارة بايدن قد قللت من تقدير روسيا -أو على الأقل النية الروسية- بينما تُركز بشكل مفرط على الصين فقط".
وتنظر الاستراتيجية إلى الصين على أنها "المنافس الوحيد الذي لديه النية، والقدرة بشكل متزايد على إعادة تشكيل النظام الدولي"، مع "تقييد روسيا" التي وصفها بـ"الخطرة".
وشددت الاستراتيجية على أن الصين وروسيا تتقاربان بشكل متزايد، وتفرضان تحديات مهمة، مؤكدة أن الولايات المتحدة ستعمل على الاحتفاظ بميزة تنافسية عن الصين، إضافة لتقييد روسيا "التي لا تزال شديدة الخطورة".
الصين
ورغم تأكيد "فورين بوليسي" أن هناك خطأ فادحًا لتخطي الاستراتيجية الخطر الروسي، قبل إعادة كتابتها، فإنها بينّت أن التركيز على الصين كان جيدًا، إذ أن بكين بالفعل تمثل تحديًا كبيرًا لواشنطن، يتطلب تكاتف التحالفات الأمريكية في أوروبا وآسيا.
ومع ذلك، رأت أن المجلة أن الاستراتيجية منحت أمورًا أخرى مثل (التحديات العالمية غير المتبلورة وتغير المناخ وكورونا) أهمية أكبر من حجمها أمام أمور أخرى أكثر خطورة مثل التهديدات الأمنية الملموسة التي يمثلها برنامج إيران النووي.
وأشارت إلى أن الاستراتيجية، التي تقدم الصين على أنها المنافس الأهم، تعيد الوضع الدولي الذي كان قائمًا قبل ترامب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، باعتبار واشنطن "شرطة العالم".
وحسب المجلة، تشير الوثيقة إلى العديد من المشكلات التي ستجعل من الصعب على الولايات المتحدة فرض نفسها في عالم متعدد الأقطاب حديثًا.
وانتقدت المجلة، انفتاح الاستراتيجية على التعاون مع الصين لمواجهة التحديات العالمية مثل كورونا، وتغير المناخ، مشيرة إلى أن السلوك السيئ للصين هو الذي سمح بتفشي المرض، وأن يتحول إلى جائحة ، بخلاف أنها أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.
وشككت في أن التعاون مع الصين، بشأن تغير المناخ أو غيره من القضايا الصعبة، قد يكون ممكنًا، خصوصًا في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة بنشاط التنافس مع الصين وحتى تقويضها اقتصاديًا.
وأوضحت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي أن الصين الدولة الوحيدة التي لديها القوة المتزايدة من النواحي الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، لإعادة تشكيل النظام العالمي، إضافة لوجود النية لذلك لديها.
وأمام ذلك، خلصت المجلة الأمريكية إلى القول: من المرجح أن تزداد العلاقة مع الصين سوءًا خلال السنوات المقبلة، ومن ثمّ فإن الولايات المتحدة وحلفاءها بحاجة ماسة إلى استراتيجية جادة طويلة الأجل للتعامل معها، مع الوضع في الحسبان الخطر الروسي القائم.