بعد فوضى أفغانستان... لم يعد بإمكان أوروبا الاعتماد على بايدن
كلما حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلقاء اللوم بعيداً عن نفسه في الفوضى الأفغانية، زادت الفجوة بينه وبين حلفاء أمريكا، في المملكة المتحدة وأوروبا

ترجمات-السياق
كشف سيمون تيسدال، الكاتب البريطاني، عن اتساع الفجوة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الفوضى التي شهدتها أفغانستان، في أعقاب الانسحاب الأمريكي وسقوط كابل في قبضة حركة طالبان.
وقال إنه كلما حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلقاء اللوم بعيداً عن نفسه في الفوضى الأفغانية، زادت الفجوة بينه وبين حلفاء أمريكا، في المملكة المتحدة وأوروبا.
تقويض التحالف الغربي
وأضاف الكاتب، في مقال بصحيفة "ذا جارديان" البريطانية، أن بايدن، الذي طالما تحدَّث عن مزايا التعددية، تصرَّف من تلقاء نفسه، في ما يتعلق بأفغانستان، مشيراً إلى أنه قام -في غضون أسابيع قليلة فقط- بأكثر مما قام به الرئيس السابق دونالد ترامب في 4 سنوات، لتقويض التحالف الغربي.
وتابع: "يبدو أن وقت المساءلة تأخر كثيراً، فقد كان غزو الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير للعراق خطأً تاريخياً، كما كان انسحاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما من سوريا مخجلاً، والآن ينتهي التدخل في أفغانستان المكلف للغاية، الذي دام 20 عاماً، بكارثة، فهناك المزيد من فوضى اللاجئين، فضلاً عن خطر تجدُّد الإرهاب، الذي بدوره سيؤثِّر في أوروبا".
وتساءل الكاتب: "إذا كان هذا هو الشكل، الذي تظهر به القيادة الأمريكية، إذن مَنْ قد يحتاج إلى مثل هذه القيادة؟"، مشيراً إلى أنه عندما تلعب أمريكا دور الشرطي العالمي، فإن كثيرين في أماكن عدة، ينتهي بهم الأمر بالصراخ قائلين: "لا أستطيع التنفس". (في إشارة إلى كلمات الأمريكي الأسود جورج فلويد، الذي توفي على أيدي رجال الشرطة الأمريكيين).
حرب أبدية
ورأى الكاتب، أن أمريكا تبدو إما غائبة بشكل مؤسف، وإما أن انخراطها يؤدي -نهاية المطاف- إلى البكاء، وهكذا تتكرَّر الدورة، والآن تتزايد المخاوف من دخول حلفاء الولايات المتحدة "حربًا أبدية"، لكنها هذه المرة ستكون مع الصين.
وأشار الكاتب، إلى أن السلوك الأمريكي الأناني أثناء الوباء، لم يكن مفاجئاً، إذ تسبَّب ترامب في ضرر لا يوصف، من خلال إنكار الفيروس والتقاعس عن العمل، كما عرَّضت إدارة بايدن الملايين للخطر من خلال تخزين اللقاحات، معتبراً أن أفغانستان تبدو اليوم كأنها مجرَّد تعبير جيوسياسي، عن هذه الظاهرة الأمريكية المألوفة، حيث لم يخترع ترامب شعار "أمريكا أولاً"، كما أن بايدن لن يكون الأخير الذي يستخدمه.
خيانة أمريكية
ورأى الكاتب البريطاني، أن خطاب بايدن عبر التليفزيون، كان صادماً بشكل كبير بالنسبة لغير الأمريكيين، مشيراً إلى أن ازدراءه للقوات الأفغانية غير مستحق، كما أنه لم يذكر تضحيات حلفاء "الناتو" الذين تلقوا صفعة من الغطرسة والخيانة الأمريكية، فضلاً عن أن ادعاءه بأن بناء الأمة، لم يكن أبداً هدفاً للولايات المتحدة، غير صحيح على الإطلاق.
فقد ذكر جورج دبليو بوش، في مذكراته عام 2010، أسباب قرار الغزو قائلاً: "كانت أفغانستان مهمتنا الأساسية لبناء الدولة، حيث كان لدينا التزام أخلاقي بتركها في وضع أفضل".
وأضاف: "لكن النتيجة كانت تعزيز أعداء الديمقراطية، وهو بلا شك ما سيجعل الأفغان يدفعون ثمناً باهظاً، ومع ذلك، فقد كان رفض بايدن الواضح، لتولي الدور القيادي الأمريكي التقليدي، هو الذي أدى إلى اهتزاز المؤسسات البريطانية والأوروبية".
ولفت الكاتب إلى إعلان بايدن، أن الانتشار العسكري اللانهائي للقوات الأمريكية في النزاعات الخارجية، لا يصب في المصلحة الوطنية، وأن الحرب في أفغانستان كانت تدور حول الدفاع عن "الوطن" فقط، وهي التصريحات التي رأى تيسدال أنها تبدو مذهلة، بالنسبة لأولئك الذين نشأوا في عالم تحدِّده القوة الأمريكية، وتحيط به قواعدها الدائمة.
ووصف أرمين لاشيت، الذي اختارته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لخلافتها في منصبها، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بأنه (أكبر كارثة عانى بسببها الناتو منذ تأسيسه)، بينما وصفه النائب المحافظ توم توجندهات، وهو من قدامى المحاربين في أفغانستان بأنه (أكبر كارثة في السياسة الخارجية البريطانية، منذ أزمة قناة السويس)، وهي إخفاق آخر، بالمناسبة، ساهمت فيه الولايات المتحدة أيضاً.
ووفقاً للكاتب، فإنه في هذه الأثناء، يبدو رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الذي وصفه بـ "الهش"، مثل خنزير عالق في المنتصف، قائلاً إنه يستسلم لواشنطن بلا خجل، منذ مغادرة البلاد الاتحاد الأوروبي.
اعتماد أوروبا على نفسها
ورأى الكاتب، أنه يجب الآن على الوزراء والجنرالات البريطانيين الغاضبين، أن يلتزموا الصمت خوفاً من الإضرار بالعلاقة "الخاصة" الأوسع والمحفوفة بالمخاطر، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه تكلفة خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي في الارتفاع.
وأوضح أن الدرس الواضح للزعماء الأوروبيين، وحتى جونسون، هو أنه في حال كان الأمر ممكناً، فإنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن، إذ تبرز أفغانستان باعتبارها أحدث دليل، على أن الولايات المتحدة، مثل أي دولة قومية أخرى، تعمل -نهاية المطاف- لمصلحتها الخاصة، وأنها تدرك ذلك في لحظة معينة من الزمن، بصرف النظر عن الوعود التي قطعتها، فالاستثنائية الأمريكية طالما كانت خادعة، ولذا فإن الحل المنطقي الوحيد، هو أن تعتمد أوروبا على نفسها".
ووفقاً للكاتب، فإنه بعد عام 1945، رأت الولايات المتحدة أنه سيكون من المناسب لها، ترسيخ نفوذها المادي والاقتصادي الجديد في أوروبا، وهو ما رأت أنه سيؤدي إلى احتواء منافستها العظمى السوفييتية، وبينما كانت تدافع عن الحريات العالمية، فإنها كانت تركز على مصلحتها الذاتية.
ثمن باهظ
والآن، مع تراجع قوة الولايات المتحدة أمام الصين، وظهور تحديات جديدة، فإن هذه المصلحة الذاتية، تفرض على واشنطن إعادة تقييم، وإعادة تحديد الأولويات، وتقليص النفقات.
ورأى الكاتب، أن هذا هو السياق الأوسع، الذي يجب أن يُنظر من خلاله للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حيث إنه من غير المرجَّح أن يتصرَّف خلفاء بايدن، بشكل مختلف عنه، لكن يتعين على دول الاتحاد الأوروبي، سواء مع بريطانيا أو من دونها، أن تستفيد من السنوات التي تم فيها الحديث عن بناء قدرات دفاعية وأمنية أوروبية مستقلة وذات مصداقية، معتبراً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان على حق، بينما ميركل كانت مخطئة.
وأضاف: "من المؤكد أن الانسحاب أسيء إدارته بشكل مخيف، إذ إنه كان بإمكان الولايات المتحدة، وكان يتعين عليها، أن تحافظ على الحد الأدنى من الوجود في قاعدة باجرام الجوية لأغراض الردع، وهو ما أدى إلى تعزيز أعداء الديمقراطية".
ولا شك أن الأفغان سيدفعون ثمناً باهظاً، لكن يبدو أن وصف الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001 بأنها حروب أبدية، وذلك كجزء من الإصلاح الضروري للسياسة الخارجية الأمريكية، كان حتمياً ولا مفر منه، وفقًا للكاتب.
القوة الذكية
وأكد الكاتب، أنه في حال نجاح بايدن في تحقيق أهدافه، فإن القيادة العالمية الأمريكية المستقبلية، ستعطي الأولوية للدبلوماسية، ولأدوات القوة الناعمة، ووسائل تعزيز الاقتصاد، والميزات التكنولوجية، وجمع المعلومات الاستخبارية والقدرات الدفاعية المتخصِّصة، على القوة العسكرية الغاشمة، والغزوات واسعة النطاق، والاحتلال المسلَّح غير المحدود، وهي القوة التي يسميها مسؤولو إدارة بايدن العصر الجديد من "القوة الذكية"، وهو ما قال إنه بالتأكيد يمثِّل شكلاً من أشكال التقدم، حيث يرمز هذا التحول إلى إنهاء بايدن "الحرب العالمية على الإرهاب" التي كان قد شنها بوش.
ومن المتوقَّع أن توصي مراجعة السياسات، بتقليل الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم، الذي نما بشكل كبير منذ عام 2001، إذ يُقال إن السياسة الجديدة، ستتجاوز الإرهاب الإسلامي، وستنظر في التهديد المحلي المتزايد من المتطرفين اليمينيين، حسب الكاتب.
وأشار الكاتب، إلى أنه تم بالفِعل فرض حظر على ضربات الطائرات من دون طيار منذ يناير الماضي، ومن المتوقَّع أن تؤدي المبادئ الجديدة، إلى توجيه البنتاجون بعيداً عن بدء الأعمال العسكرية، وستتطلَّب من القادة الميدانيين، بذل المزيد من الجهد، لتجنُّب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، قائلاً إنه صحيح أن الأوان قد فات بالنسبة لأفغانستان، حيث مات الآلاف من غير المقاتلين، لكنها يمكن أن تقلل من حجم إراقة الدماء في المستقبل.
وقال تيسدال، إن المشروع الأمريكي في أفغانستان فشل، كما أنه لحُسن الحظ، فإن عصر الانتشار العسكري اللانهائي، الذي ينتقده بايدن، يقترب من نهايته، معتبراً أن على الناتو، الذي رأى أنه تتم قيادته بشكل سيئ، التحرُّك الآن، قائلاً: مطلوب علاقة أمنية أكثر توازناً وأكثر احتراماً، بين الولايات المتحدة وأوروبا، مؤكداً أنه من دون هذه العلاقة، لن يكون هناك تحالف غربي لقيادة العالم.