وسط إضرابات وتضخم.. كيف تحايل الفرنسيون على أزمة النقل في البلاد؟

تعاني فرنسا من أوضاع معيشية صعبة نتيجة التضخم الذي يؤثر بدوره على القوة الشرائية والتشديد المفروض على إعانات البطالة.

وسط إضرابات وتضخم.. كيف تحايل الفرنسيون على أزمة النقل في البلاد؟

السياق

إضرابات للعاملين في مصافي ومستودعات الوقود الفرنسية، وتظاهرات اندلعت قبل أيام للمطالبة بزيادة الأجور بلغ عدد المشاركين فيها 140 ألف شخص وفق المنظمين، فيما عدَّتها الشرطة 30 ألف شخص.

هذه الاحتجاجات عطلت بشكل كبير توزيع الوقود في جميع أنحاء البلاد منذ حوالي أسبوعين، وتحديدًا في باريس ومنطقتي الشمال والوسط، وهو ما دفع عددًا من الفرنسيين إلى استخدام منصات تشارك الرحلات، بحثًا بصورة متزايدة عن وسائل للتنقل الجماعي في رحلاتهم اليومية.

ويؤكد عبد الحكيم الذي طلب عدم ذكر هويته أنّ هذا التوجه "عمليّ جدًا" ويحمل إفادة للجميع. وعندما استقرّ قبل شهرين في إيزير "جنوب شرق" كان بدايةً شديد الحاجة إلى سيارته" ويوفّر بها رحلات مشتركة إلى غرونوبل.

رحلات تشاركية

إلا أنّ أزمة نقص المحروقات دفعته لأن يصبح بدوره أحد الركاب في الرحلات اليومية المشتركة، يقول: إنّ التنقّل برفقة آخرين جعله يستخدم "كميات أقل من المحروقات" ومكّنه من أن يقتصد، "فضلًا عن التخفيف من تلويث البيئة". وينوي عبد الحكيم الاستمرار على هذا النحو حتى بعد انتهاء أزمة نقص المحروقات، ويقول: "أوقاتي تتسم بالمرونة فلست ملزمًا بالعودة باكرًا أو متأخرًا" إلى المنزل.

ويلاحظ الناطق باسم منصة "بلا بلا كار" لتشارك الرحلات نيكولا ميشو أنّ "الوقود أصبح يشكل سلعة كمالية لفرنسيين كثر ".

وترى شبكة "بلا بلا كار دايلي" التي توفّر رحلات يومية قصيرة أنّ الطلب على الرحلات المشتركة ارتفع 30% منذ بدء إضراب العمال في عدد من المصافي الفرنسية وما نتج عنه من أزمة نقص المحروقات.

ويوضح "ميشو" أنّ ظاهرة التنقل المشترك "لوحظت منذ السنة الفائتة" مع بدء تزايد لجوء الفرنسيين إلى هذه الخطوة، لكن مع التضخم المُسجَّل والنقص الحاصل في المحروقات، وصلت أعداد مستخدمي التطبيق إلى أرقام قياسية.

وعُلّق الإثنين، عشية يوم دُعي فيه إلى "التعبئة والإضراب" في مختلف أنحاء فرنسا، الإضراب في ثلاثة من أصل سبعة مصافٍ وخمسة مستودعات كبيرة تابعة لـ"توتال إينيرجيز"، مما أدى إلى مزيد من الضغوط في شأن إمدادات المحروقات.

وتختبر منصة "كاروس" التي تضم 600 ألف مستخدم التجربة نفسها. ويشير الناطق باسمها توم أتياس لوكالة فرانس برس إلى أنّها شهدت في عطلة نهاية الأسبوع الممتدة بين الثامن والتاسع من تشرين الأول/أكتوبر، عددًا قياسيًا من المستخدمين.

"تغيير جذري"

وتسجل المنصة ارتفاعًا في عدد المستخدمين الجدد بنسبة 44% صباح العاشر من تشرين الثاني/أكتوبر، ويشير أتياس إلى أنّ هؤلاء يشكلون "أشخاصًا لم يجدوا وقودًا" يزوّدون بها سياراتهم، أو آخرين لديهم هذه المادة و"يرغبون في إفادة غيرهم من منطلق التكافل".

وأطلقت الشركة حملة تواصل عبر الرسائل القصيرة والإلكترونية والإشعارات بهدف "تشجيع السائقين الذين لديهم مقاعد فارغة في سياراتهم على اصطحاب ركاب" معهم، بحسب أتياس.

ويلاحظ باتريك روبنسون كلوف، رئيس "سيتيغو" الذي يمثّل تطبيقًا للرحلات المشتركة في باريس وضواحيها وليل وليون ومرسيليا، أنّ نسبة استخدام المنصة زادت 42%، فيما تضاعف عدد السائقين بين الثالث والعاشر من تشرين الأول/أكتوبر. ويقول لوكالة فرانس برس إنّ زخم التطبيق "مستمر".

وتمثل الرحلات بين مكان السكن ومقر العمل ربع الرحلات التي يستقلها مستخدمو المنصة البالغ عددهم مليوني شخص، بينما تمثل المسارات الأخرى "رحلات خاصة أو ترفيهية أو عائلية أو نحو وجهة لممارسة نشاطات ثقافية" أو لحضور مواعيد طبية، على ما يشير روبنسون كلوف.

ويؤكد ألار كونديه بيكيه، مدير التطوير في منصة "إكوف" التي أنشأت نحو خمسين خطًا للتنقل المشترك حول المدن الفرنسية، أنّ المنصة سجّلت الأسبوع الفائت أرقامًا قياسية (مع زيادة 15% في رقمها القياسي السابق لعدد سائقي الرحلات المشتركة).

"السائقون أصبحوا ركاب"

ويوضح باتريك روبنسون كلوف أنّ بعض السائقين اضطروا لأن يصبحوا ركابًا بسبب النقص الحاصل في المحروقات، فيما أبلغ أحد السائقين أنّ "ليس لديه كمية كافية من الوقود" تتيح له الوصول إلى منطقة الرحلات المشتركة.

ويعتبر كونديه بيكيه أنّ الأزمات وعلى غرار المراحل التي يُسجل فيها نقص في المحروقات أو ارتفاع في أسعارها "قد تحدث استخدامات محددة" ترغب الشركات العاملة بالقطاع في "تحويلها إلى تغيير جذري".

ويرى توم تياس أن "تشارك الرحلات يشكل حلًّا مستقبليًا". وخلال إضرابات النقل العام عام 2019، "استمر في استخدام تطبيق "كاروس" بعد انتهاء الأزمة 50% ممّن اعتمده خلالها".

وحول الإضرابات الأخيرة التي تشهدها فرنسا قال إيمانويل ماكرون "سنواصل بذل قصارى جهدنا وسنقف إلى جانب جميع مواطنينا الذين يكافحون والذين سئموا هذا الوضع".

وتعاني فرنسا من أوضاع معيشية صعبة نتيجة التضخم الذي يؤثر بدوره على القوة الشرائية والتشديد المفروض على إعانات البطالة.