تاركًا لبنان في وضع غير مسبوق... ميشال عون يودِّع قصر بعبدا بأجواء احتفالية

ميشال عون يودِّع قصر بعبدا بأجواء احتفالية وباتهامات للحكومة... فماذا بعد؟

تاركًا لبنان في وضع غير مسبوق... ميشال عون يودِّع قصر بعبدا بأجواء احتفالية

السياق

بعد أربع جلسات، عجز فيها البرلمان عن اختيار رئيس جديد، ومع مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، يتجه البلد العربي الذي يعاني أزمات اقتصادية وسياسية «كارثية»، إلى تكرار سيناريوهات سابقة.

منصب الرئيس في لبنان، سبق أن شغر مرات عدة، منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، إلا أن توقعات كشفت إمكانية انتقال السلطات الرئاسية إلى الحكومة الجديدة.

ورغم أن شغور المنصب الرئاسي تكرر، فإن عون، الذي غادر قبل يوم واحد من انتهاء ولايته رسميًا ومدتها ست سنوات، ترك البلاد في وضع لم يسبق له مثيل، فلبنان يجد نفسه الآن على حافة وضع غير مسبوق حيث الرئاسة شاغرة وحكومة تصريف الأعمال لا تملك سوى صلاحيات محدودة.

سيرًا على قدميه، غادر الرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشال عون –الأحد- القصر الرئاسي في بعبدا، ليلقي كلمة أمام مئات من أنصاره، أثناء عزف النشيد الوطني.

وتجمع العشرات من أنصار عون عند القصر لتوديع الرئيس المسيحي البالغ من العمر 89 عامًا، الذي شهدت رئاسته انهيارًا ماليًا كارثيًا في لبنان، وانفجار مرفأ بيروت.

ورغم عقد البرلمان اللبناني 4 جلسات، فإنه عجز -حتى الآن- عن الاتفاق على من يخلف عون في هذا المنصب، الذي يتمتع بسلطة توقيع مشروعات القوانين، وتعيين رؤساء الوزراء، ومنح الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة، قبل أن يصوِّت عليها البرلمان.

وباللون البرتقالي المرتبط بالتيار الوطني الحر الذي يتزعمه، تجمع العشرات من أنصار عون أمام قصر بعبدا لتوديعه، وحملوا صورًا له عندما تولى رئاسة البلاد، وأيضًا عندما كا قائدًا للجيش قبل عقود.

ونقلت وكالة رويترز عن جوزيف نجم (73 عامًا)، الذي جاء بزي عسكري، كان يرتديه أثناء خدمته مع عون خلال الحرب الأهلية، قوله إنه يتمنى أن يظل عون ثلاث سنوات أخرى في المنصب.

تيريز يونس، البالغة من العمر 16 عامًا، التي جاءت مع رفيقاتها بالتيار من مدينة زحلة، قالت إنها دعمت عون منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، مضيفة أنها حزينة لرحيله، مضيفة: لو عمري 18 سنة كنت تركت لبنان بس يترك القصر، ما في لبنان بعد ميشال عون.

لما نهرا (32 عامًا) وهي أم لثلاثة أطفال قالت: «كانت فترة عون أقوى حقبة في تاريخ لبنان. بعد كل إنجازاته، كيف لا يمكننا أن نحبه؟».

المحامي ميشال معوشي، قال في تصريحات صحفية: «كان إلى حد بعيد أسوأ رئيس في تاريخ لبنان، وأنا أفضل عليه الفراغ في الرئاسة».

ماذا قال عون بعد مغادرته؟

قال الرئيس ميشال عون: أنتم معي وأنا معكم... اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ أخرى تحتاج إلى نضال، وللكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا.

وأضاف: وجَّهت رسالة إلى مجلس النواب بحسب صلاحياتي الدستورية، ووقَّعت مرسوم استقالة الحكومة، مشيرًا إلى أن «البلد مسروق وعلينا أن نقوم بالكثير من العمل والكثير من الجهد، لكي نقتلع الفساد من جذوره»

ووجَّه الرئيس اللبناني رسالة إلى مجلس النواب، دعاه فيها إلى اتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب، لمنع الأمور من الانحراف إلى ما ليس في مصلحة البلد.

وقال عون عبر «تويتر»: تريثنا حتى اللحظة الأخيرة أن نوجِّه هذه الرسالة، لدعوتكم بصورة عاجلة إلى إتمام الإجراءات، فينتخب المجلس رئيساً أو تشكل حكومة في اليومين المتبقيين ونتفادى حافة الهاوية.

وأشار إلى أن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، أعرب له عن عدم حماسته للتشكيل لأسباب مختلفة، مشيرًا إلى أنه لا يوافق أن تمارس حكومة كهذه صلاحيّات رئاسة الجمهورية بالوكالة حتى انتخاب رئيس جديد.

فوضى دستورية

وأكد الرئيس عون، أن الفوضى الدستورية التي تهدّد الكيان والميثاق مرفوضة، طالما أنه في سدّة الرئاسة، مشيرًا إلى أنه عند خلوها من دون انتخاب رئيس، يُفرّغ الميثاق وتتفاقم الأخطار.

واتهم عون، ميقاتي بأنه يرفض تشكيل حكومة بقرار سياسي منه، "فيؤبِّد حالة التصريف ويفاقم الفراغ ويسطو على رئاسة الجمهورية المعقودة بميثاق العيش المشترك لسواه"، على حد قوله.

وأشار إلى أنّ حكومة فقدت سلطتها الدستورية، بل هي حكومة فاقدة الشرعية الشعبية، وبذلك الشرعية الدستورية والميثاقية.

من هو عون؟

عون نجل مزارع من إحدى ضواحي بيروت، بدأ طريقه إلى الرئاسة في الحرب الأهلية، التي دارت رحاها بين عامي 1975و1990 شغل خلالها منصب قائد الجيش اللبناني ورئيس إحدى حكومتين متنافستين.

عاد عون إلى بيروت بعد 15 عامًا في المنفى، بمجرد انسحاب القوات السورية، تحت ضغط دولي، بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وبعد عام وتحديدًا عام 2006، شكل التيار الوطني الحر -الذي ينتمي إليه عون- تحالفًا مع حزب الله، ما قدَّم دعمًا مسيحيًا مهمًا للجماعة المسلحة.

عون في الميزان

عون شخصية مثيرة للانقسام بشدة، يدعمه العديد من المسيحيين الذين يعدونه المدافع عنهم بالنظام الطائفي في لبنان، لكن منتقديه يتهمونه بتمكين الفساد ومساعدة مليشيات حزب الله في كسب النفوذ.

شهدت رئاسة عون، قتال الجيش اللبناني لإرهابيين على الحدود السورية عام 2017 بمساعدة حزب الله، وإجازة قانون انتخابي جديد عام 2018 وبدء شركات طاقة كبرى عمليات تنقيب استكشافية في مناطق بحرية عام 2020.

وأشاد أنصار عون بما عدوه إنجازات تحققت في عهده، لكن منتقديه يقولون إن تلك النجاحات المتواضعة تتضاءل مقارنة بالانهيار المالي عام 2019، الذي دفع بأكثر من 80% من السكان إلى براثن الفقر، وأدى إلى أوسع احتجاجات مناهضة للحكومة في التاريخ الحديث.

وارتبطت فترة عون بشكل وثيق بانفجار عام 2020 في مرفأ بيروت، الذي خلف أكثر من 220 قتيلًا، والذي قال عنه عون إنه كان على عِلم بالمواد الكيماوية المخزنة هناك، وأحال الملف إلى سلطات أخرى لاتخاذ إجراءات.

آخر القوانين

قبل يوم من مغادرته القصر الرئاسي، وقَّع الرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشال عون، مشروع قانون السرية المصرفية المعدل، ليصبح قانونًا، في خطوة نحو الإصلاحات التي وردت في حزمة مساعدات لصندوق النقد الدولي.

مشروع القانون الذي وقَّعه، محاولة ثانية للبرلمان لتلبية متطلبات صندوق النقد الدولي للبنان، للحصول على تمويل بثلاثة مليارات دولار، لتخفيف الانهيار الاقتصادي.

الأسبوع الماضي، وقَّع ميشال عون وقع رسالة بالموافقة على اتفاق تاريخي، توسطت فيه الولايات المتحدة، يرسم الحدود البحرية لبلاده مع إسرائيل، في حدث يمثل عهدًا جديدًا.