محامي القرن والقضايا الجدلية... فريد الديب يترجل مودعًا الروب الأسود
من الروب الأسود إلى الأبيض... وداعًا فريد الديب محامي القضايا الجدلية

السياق
اختار السباحة عكس التيار، رافعًا شعار البحث عن التحديات العصية على الحل لخوض غمارها، إلا أنه كان «فاسدًا» في نظر كثيرين، لطبيعة بعض القضايا التي اختارها للدفاع عن المتهمين فيها.
ورغم الاتهامات التي لاحقت المحامي فريد الديب، فإنه كان يعشق الإثارة والقضايا الجدلية، متخذًا من القانون ميزانًا لضبط القضايا، حتى بات يعرف بـ«الأسطورة» في عالم المحاماة، الذي ودَّع زيه الرسمي «الروب الأسود» إلى «الأبيض».
توفي، بعد يومين من مولده، المحامي فريد الديب، الذي عُرف بـ«محامي القرن»، بعد صراع طويل مع السرطان، الذي دفعه عام 2022 لاعتزال المرافعات أمام المحاكم.
كان الديب، الذي قال إنه لم يندم على قضية ترافع فيها، تعرض قبل شهرين لوعكة صحية نُقل إثرها إلى أحد المستشفيات في العاصمة المصرية القاهرة، حيث كان يعاني مضاعفات «اللوكيميا... سرطان الدم».
فماذا عن فريد الديب؟
وُلد فريد الديب في 23 أكتوبر 1943، في حي القلعة بالعاصمة القاهرة.
تلقى تعليمه الابتدائي وحفظ القرآن الكريم بـ«كتّاب» السيدة زينب.
التحق الديب بكلية الحقوق عام 1958 وتخرج فيها عام 1963، بتقدير عام «جيد جداً»، ليعيَّـن بعدها وكيلاً للنيابة العامة جنوبي القاهرة، ثم وكيلاً للنيابة بالوايلي ثم شرق القاهرة، ونيابة سوهاج.
أدين فريد الديب في ما يعرف بـ«مذبحة القضاة» عام 1969، التي استُبعد فيها و127 قاضياً وعضواً للنيابة.
ووقعت ما تعرف بـ«مذبحة القضاة» في 31 أغسطس 1969، بعد أن أصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قوانين عدة، تتضمن إعادة تشكيل الهيئات القضائية، ووضع نظام جديد لنادي القضاة، ما أدى إلى حل الهيئات القضائية وعزل 189 من القضاة، بينهم فريد الديب، في واقعة أطلق عليها -آنذاك- «مذبحة القضاة».
بعد تلك الواقعة، بدأ فريد الديب رحلته في المحاماة عام 1971، وعمل في وزارة العمل ثم بجامعة الدول العربية، حيث المنظمة الدولية لمكافحة الجريمة، ليتولى العديد من القضايا التي كانت أشهرها قضية القرن، التي كان متهمًا فيها الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وأركان نظامه، بينهم الوزير الأسبق حبيب العادلي.
فماذا عن أشهر القضايا التي ترافع فيها الديب؟
آخر تلك القضايا التي ترافع فيها الديب، كانت قضية قتل فتاة المنصورة نيرة أشرف، على يد زميلها على أبواب الجامعة، في واقعة أثارت غضب الشارع المصري، الذي فوجئ بإعلان المحامي الشهير قبوله الدفاع عن المتهم، الذي اعترف بقتل زميلته، لرفضها الزواج به.
فبعد أن قضت المحكمة بإعدام المتهم، في حكم هدأ من غضب الشارع، أعاد الديب إلى القضية الزخم الإعلامي، بإعلانه قبول الترافع عن القاتل، وإيداعه مذكرة بأسباب طعنه أمام النقض على حكم الإعدام، لتحدد المحكمة يناير المقبل أولى جلسات محاكمة قاتل نيرة أشرف، لكن من دون فريد الديب الذي مات.
قضية الآثار الكبرى
أسدل الستار على قضية الآثار الكبرى، التي ترافع فيها الديب في أبريل الماضي، بأحكام رادعة للمتهمين، الذين كان أبرزهم رجل الأعمال المصري البارز حسن راتب، الذي قضي بحقه بالسجن 5 سنوات وتغريمه مليون جنيه.
وفي القضية نفسها، التي ضمت تشكيلًا عصابيًا من 19 شخصًا للاتجار في قطع أثرية منهوبة، اختُلِسَت بعمليات تنقيب وحفر ممولة بمناطق متفرقة في أنحاء مصر، لبيعها داخل البلاد وتهريبها للخارج للغرض ذاته، أصدرت المحكمة حكمًا بالسجن 10 سنوات للنائب البرلماني السابق علاء حسانين، وتغريمه مليون جنيه، مع معاقبة 4 متهمين بالسجن 10 سنوات، والسجن المشدد 5 سنوات لـ15 متهمًا، والسجن المشدد غيابيًا 5 سنوات لآخرين.
كانت تلك آخر القضايا التي ظهر فيها فريد الديب، والتي ختم بها مشوراه في المحاكمات، ليعلن بعدها اعتزاله المرافعات أمام القضاة، بسبب مرضه.
الدفاع عن الإخوان
بعد ثورة 30 يونيو 2013 التي اقتلعت جذور الإخوان من مصر، ودخول كثيرين من قيادات الجماعة إلى السجون في قضايا عنف وإرهاب، بينهم الرئيس الأسبق محمد مرسي، لجأ بعضهم إلى فريد الديب، ليترافع عنهم، إلا أن الأخير رفض.
وعن تلك القضايا، قال الديب في أحد اللقاءات التلفزيونية حينما سُئل إذا كان قادرًا على الدفاع عن مرسي: أجرؤ على الدفاع عن مرسي لكن ليس لي رغبة، مضيفًا: «الإخوان عرضوا عليّ وقلت لا... لست مقتنعًا بمرسي... أنا محامٍ حر».
قضية القرن
كانت أشهر القضايا التي ترافع فيها «محامي المشاهير» التي تابعها الملايين، نظرًا لتفردها ولأنها تعد أول محاكمة لرئيس مصري بعد خروجه من المنصب.
وفي جلسات دفاع ماراثونية استمرت أشهرًا، نجح الديب في تبرئة الرئيس الراحل مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، إبان أحداث يناير 2011، كما نجح في تبرئة وتخفيف الأحكام التي صدرت بحق أركان نظامه، بينهم حبيب العادلي الذي نجح في تبرئته -كذلك- من تهمة قتل المتظاهرين، واقتناص حكم مخفف بتغريمه 500 جنيه فقط في قضايا مالية.
سوزان تميم
من القضايا الشهيرة التي لاحقت فريد الديب حتى اليوم، كان ترافعه عن رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، في واحدة من أكثر القضايا التي شغلت الرأي العام، إثر اتهام الأخير بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم (2008).
منافس مبارك
لم يكن الديب واقفًا إلى جوار مبارك وحده، بل دافع عن منافسه -كذلك- في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مصر عام 2006. وفي قضية تزوير توكيلات حزب الغد عام 2005، التي اتُهم فيها أيمن نور، قال الديب إنها تفوح منها «رائحة الانتقام السياسي».
الجاسوس الإسرائيلي
قبل الديب عام 1997، دعوى للترافع عن الجاسوس عزام عزام، الذي عمل سنوات في مصر لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي، في قضية أثارت غضب الرأي العام حينها.
ورغم إدانة نقابة المحامين لموقف الديب، فإنه استمر في القضية «حفاظا على حق المتهم القانوني»، كما زعم حينها، قبل أن تقضي المحكمة بالسجن 15 عامًا بحق موكله.
وعن تلك القضية وغيرها، قال فريد الديب: «ترافعي عن متهم لا يعني اقتناعي بسلوكه، ولا يعني دفاعي عن جريمته، إنما أدافع عن متهم لا بد أن يملك محاميًا».
وبينما حُكم على موكله -آنذاك- بالسجن 15 سنة عام 2010، إلا أنه حصل على عفو رئاسي عام 2017.