تعايش إجباري... هل يضطر الغرب لقبول كوريا الشمالية النووية؟

قبول كوريا الشمالية كدولة نووية، يُعد خُطوة أولى لتقليل مخاطر المواجهة، التي قد تؤدي إلى حرب نووية شاملة.

تعايش إجباري... هل يضطر الغرب لقبول كوريا الشمالية النووية؟

ترجمات - السياق

التلويح باستخدام الأسلحة النووية، بات حاضرًا بشكل شبه دائم، على ألسنة القادة ووسائل الإعلام في تلك الدول، من كوريا الشمالية إلى روسيا والقوى الغربية، فبينما تتصاعد تهديدات بوتين النووية يأتي خصم لدود للغرب يفرض ردعه النووي واقعًا على العالم.

إلى ذلك رأت شبكة بلومبرغ الأمريكية، أن فشل الولايات المتحدة في إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، بعد أن أعلنت كوريا الشمالية، الشهر الماضي، نفسها دولة تمتلك أسلحة نووية، يعني أن الغرب بات مضطرًا للتعامل مع بيونغ يانغ، مشددة على أن "الوقت قد حان للولايات المتحدة وحلفائها لقبول هذا الواقع والتعايش معه".

 

"نووي لا رجعة فيه"

وبينت، أنه رغم أن الغرب قد لا يرغب في سماع ذلك -أي التعايش مع كوريا الشمالية- فإن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أنهى الجدال في ذلك الأمر، بإعلانه رسميًا، نهاية سبتمبر الماضي، أن بلاده أصبحت "دولة نووية"، وأن هذا القرار نهائي ولا رجعة فيه.

وأقرّت كوريا الشمالية قانونًا تعلن فيه نفسها دولة نووية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية.

ووصف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون القرار بـ "النهائي الذي لا رجعة فيه"، مستبعدًا إمكانية الخوض في محادثات لنزع السلاح النووي من بلاده.

ونص القانون أيضًا على حق كوريا الشمالية في توجيه ضربة نووية استباقية لحماية نفسها.

ورغم العقوبات المعوقة، أجرت بيونغ يانغ ست تجارب نووية بين عامي 2006 و2017.

بينما قال رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، الثلاثاء، إن كوريا الشمالية أنهت الاستعدادات لإجراء تجربة نووية، ما أثار مخاوف من أن انفجار أول قنبلة نووية منذ خمس سنوات "قد يكون وشيكًا" في بيونغ يانغ.

تأتي تصريحات يون، بعد أن أطلقت بيونغ يانغ 10 قذائف مدفعية قبالة ساحلها الغربي، الاثنين، ردًا على الطلقات التحذيرية التي أطلقتها سول على زورق كوري شمالي عبر الحدود البحرية للكوريتين، بحسب وكالة الأنباء المركزية الكورية.

 

"فشل ذريع"

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن قبول كوريا الشمالية كدولة نووية، يُعد خُطوة أولى لتقليل مخاطر المواجهة، التي قد تؤدي إلى حرب نووية شاملة.

من جانبه، حذر جيفري لويس، خبير الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، من المخاطر المتزايدة، مُستندًا إلى تصريحات كوريا الجنوبية واليابان عن قدرة كوريا الشمالية لتوجيه الضربة الأولى.

وشددت الشبكة الأمريكية، على أنه يجب على واشنطن أن تفكر في مسألة التعايش بشكل سريع، كبداية لتوقيع كوريا الشمالية معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومن ثمّ تقليل خطر اللجوء إلى هذه الأسلحة، حتى لو وقعت حرب فعلية بين الكوريتين.

ويتفق أنكيت باندا، الزميل البارز ببرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، مع هذه الرؤية قائلًا: "لدينا اهتمام أكثر حدة بكثير بشبه الجزيرة الكورية، وهو تجنُّب استخدام كوريا الشمالية للأسلحة النووية".

وأشارت الشبكة الأمريكية، إلى أن إدارة جو بايدن أظهرت استعدادًا جيدًا للتخلي عن السياسات الفاشلة للإدارات السابقة، بدءًا من إنهاء الحرب في أفغانستان، إلى التخلص من سياسة الحزب الديمقراطي الساذجة تجاه الصين، ومن ثمّ يجب أن تكون إزالة الأسلحة النووية من كوريا الشمالية الهدف التالي الذي يجب أن تحققه هذه الإدارة على الأرض قريبًا.

وبينّت أنه رغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن، على بيونغ يانغ، فإنها استطاعت إنشاء ترسانة هائلة تتكون من مواد انشطارية تكفي لعشرات القنابل النووية، فضلًا عن قدرة صواريخها على ضرب القواعد الأمريكية في البر الرئيس الأمريكي نفسه، ناهيك عن إمكانية إجراء المزيد من التجارب النووية قريبًا، التي ستكون الأولى منذ خمس سنوات.

وتأكيدًا لأن النظام الكوري الشمالي لن يتراجع، قال كيم جونغ أون -الشهر الماضي- إنه لن يتزحزح ولو حتى بعد 100 عام من العقوبات.

 

"عقيدة كوريا الشمالية"

وأفادت "بلومبرغ" بأن الولايات المتحدة اختارت المفاوضات بدلًا من توجيه ضربة استباقية، بينما أثبتت بيونغ يانغ أنها ليست شريكًا مفاوضًا جديرًا بالثقة، واستغلت تلك المفاوضات كغطاء لتسريع تطوير برامجها النووية والصاروخية.

وذكرت أن عقيدة كوريا الشمالية النووية الجديدة، التي تم الكشف عنها في سبتمبر 2022، زادت حدة المخاطر، لأنها تعهدت بشن ضربات نووية على أعدائها، إذا تعرضت قيادتها للتهديد.

بينما قال أنكيت باندا، باحث أول في برنامج السياسة النووية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن تلك العقيدة تُعد رد فعل منطقي على تصريحات كوريا الجنوبية عن قدرتها على توجيه ضربة قاضية لقيادة كوريا الشمالية.

وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة نووية يُحتسب لصالحها، حيث أظهرت الأزمة الأوكرانية أهمية امتلاك الأسلحة النووية، ورغم أن كييف كانت تمتلك قرابة 1900 رأس حربية في التسعينيات، فإنها وافقت على التخلي عن الأسلحة النووية الموجودة على أراضيها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا.

في المقابل، لم يستطع كيم جونغ أون، التأكد من أي ضمان تقدمه واشنطن، مقابل نزع السلاح النووي، خصوصًا في ظل التضارب بين مواقف الديمقراطيين والجمهوريين بشأن التعامل مع بيونغ يانغ.

وأشارت الشبكة إلى أن التباين بين مواقف الديمقراطيين -الحمائم- والجمهوريين -المتشددين- بشأن بيونغ يانغ "أو حال إدارة دونالد ترامب ، بين "النار والغضب" ورسائل الحب في غضون بضع سنوات"، انتهى إلى منهج "الجزرة والعصا" مع كوريا الشمالية لكن بشكل غير متسق.

 

"ضرب كوريا واليابان"

في غضون ذلك، من خلال دورة من المفاوضات والتهديدات، نجح كيم جونغ أون، في إبقاء الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مشتتين بما يكفي لإكمال دولته النووية.

وأوضحت الشبكة، أن كيم عايش أربعة زعماء في كوريا الجنوبية وثلاثة رؤساء في الولايات المتحدة، إلا أن عمره أقل من نصف عمر بايدن، ومن ثمّ فإن الوقت في صالحه، وبذلك هناك ضرورة لتحييده، حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.

مطلع الشهر الجاري، قالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، إن سلسلة التجارب الصاروخية التي أجرتها البلاد مؤخرًا "كان الهدف منها محاكاة استهداف كوريا الجنوبية بوابل من الأسلحة النووية التكتيكية"، بعد تدريبات بحرية واسعة النطاق، أجرتها القوات الكورية الجنوبية والأمريكية.

ووصفت كوريا الشمالية اختباراتها الصاروخية الأخيرة بأنها "تمارين نووية تكتيكية تُحاكي السيطرة على مطارات ومنشآت عسكرية في كوريا الجنوبية".

 

هل تتجه اليابان للتسلح النووي؟

ووفقًا لـ "بلومبرغ"، فإن كيم جونغ أون، الذي أطلق تجربة نووية عام 2017، قد يتطلع إلى إجراء اختبار لتعزيز قدرة دولته على تصغير رأس حربي، ليناسب صواريخها الجديدة المصممة لضرب كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تستضيفان الجزء الأكبر من القوات الأمريكية.
كانت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، تعهدت بفرض عقوبات صارمة وموحدة على أي تجربة نووية، ستكون انتهاكًا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وختمت "بلومبرغ" تقريرها بلفت الانتباه إلى أن القبول الضمني لموقف كوريا الشمالية، يمكن أن يؤدي إلى تزايد الانتشار النووي، فعلى سبيل المثال، تمتلك كوريا الجنوبية أسلحة نووية، ومن غير المرجح أن تظل اليابان على موقفها، بمعارضة اللجوء للأسلحة النووية، عندما تكون مُحاطة بأربع دول مسلحة نوويًا.