هل يتفوق الاقتصاد الصيني على الأمريكي؟

نمو الصين بنسبة 2.5 في المئة له تداعيات كبيرة على طموحاتها كقوة عظمى اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية، لكن الاقتصاد الصيني أقل بكثير مما يتخيله أو يدركه العالم

هل يتفوق الاقتصاد الصيني على الأمريكي؟

ترجمات – السياق

استبعد روتشير شارما، المحلل الاقتصادي، تفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الأمريكي، قائلًا: "حتى إذا تفوق لن يكون قبل عام 2060"، مشيرًا إلى أن الإجماع على أن بكين يمكن أن تحقق أي هدف تحدده يتجاهل وتيرة التباطؤ في السنوات الأخيرة.

وقال شارما -في تحليل لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية- إنه بينما يُشرع شي جين بينغ في فترة رئاسته الثالثة، فإن هدفه هو جعل الصين دولة متقدمة متوسطة المستوى خلال العقد المقبل، ما يعني أن الاقتصاد سيحتاج إلى التوسع بمعدل نحو 5 في المئة، لكن الاتجاهات الأساسية -العوامل الديموغرافية السيئة والديون الثقيلة وتراجع نمو الإنتاجية- تشير إلى أن إمكانات النمو الإجمالية للبلد تبلغ نحو نِصف هذا المعدل.

وأوضح الكاتب، أنه لم يتم استيعاب الآثار المترتبة على نمو الصين بنسبة 2.5% في أي مكان، بما في ذلك بكين، لسبب واحد، وهو بافتراض أن الولايات المتحدة تنمو بنسبة 1.5 في المئة، مع معدلات تضخم مماثلة وسعر صرف مستقر، فإن الصين لن تتفوق على أمريكا كأكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2060، إن حدث ذلك.

كانت بيانات للمكتب الوطني للإحصاء في الصين، أظهرت في يوليو الماضي، أن الناتج المحلي الإجمالي للصين نما بنسبة 2.5 في المئة على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2022، بينما نما في الربع الثاني من العام بنسبة 0.4 في المئة على أساس سنوي.

وواجه الاقتصاد الصيني ضغوطًا هبوطية متزايدة في الربع الثاني بسبب عوامل غير متوقعة سواء في الداخل أم الخارج، ولكن مع السياسات الداعمة الأخيرة والسيطرة على تفشي كورونا، حافظ الأداء الاقتصادي على استقراره نسبيًا، وفقًا للبيان.

بينما أظهرت البيانات الرسمية في 23 أكتوبر، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9% في الربع الثالث على أساس سنوي، متجاوزًا توقعات المحللين البالغة 3.3%، بعدما نما 0.4% في الربع الأخير.

وبذلك يصل معدل نمو الاقتصاد منذ بداية العام حتى الآن إلى 3%، وهو ما يقل كثيرًا عن المستهدف الرسمي البالغ قرابة 5.5%.

شروط النمو

وبيَّن شارما، أن النمو على المدى الطويل يعتمد على كفاءة العُمال، وقدرتهم على مواصلة العمل لتكثيف حجم الإنتاج، مشيرًا إلى أن الصين، مع تقلص عدد السكان وانخفاض نمو الإنتاج، تنمو من خلال ضخ المزيد من رأس المال في الاقتصاد بمعدل غير مستدام.

وحسب الكاتب، تُعد الصين دولة ذات دخل متوسط، وهي مرحلة يبدأ فيها العديد من الاقتصادات بشكل طبيعي التباطؤ بالنظر إلى القاعدة الأعلى، لافتًا إلى أن دخل الصيني يبلغ 12500 دولار، أي خُمس دخل الفرد في الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن هناك نحو 38 اقتصادًا متقدمًا، نمت جميعها إلى ما بعد مستوى الدخل البالغ 12500 دولار في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولكن بشكل تدريجي، مبينًا أن 19 فقط من هذه الاقتصادات نما بنسبة 2.5 في المئة أو أسرع خلال السنوات العشر التالية، بفضل زيادة عدد العُمال وإنتاجيتهم، حيث نما السكان في سن العمل بنسبة 1.2 بالمئة في العام.

ورأى الكاتب، أن بُعد الصين نسبيًا (جغرافيًا) عن أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا (كونها دولة نائية)، قد يُعيق أيضًا بعض خطط بكين لمساعدة اقتصادها في النمو.

وتوقع أن تكون الصين أول دولة كبيرة متوسطة الدخل، تحافظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المئة، رغم انخفاض عدد السكان في سن العمل، الذي بدأ عام 2015، واصفًا هذا الانخفاض بالحاد ، مشيرًا إلى أنه في طريقه إلى الانكماش بمعدل سنوي يقارب 0.5 بالمئة في العقود المقبلة.

ولكن -يضيف الكاتب- "في 19 دولة حافظت على نمو بنسبة 2.5 في المئة بعد الوصول إلى مستوى الدخل الحالي للصين، بلغ متوسط الدين (بما في ذلك الحكومة والأسر والشركات) 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، مشيرًا إلى أنه لا توجد ديون توازي ديون الصين في الوقت الحالي.

ففي يوليو الماضي، توقعت دراسة للمؤسسة الوطنية للتمويل والتنمية الصينية، أن تسجل الديون السيادية في الصين مستوى قياسيًا جديدًا هذا العام، مع توجهات البنك المركزي لتعزيز الائتمان ودعم الاقتصاد.

وتوقعت الدراسة ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للصين، بأكثر من 11% ليصل إلى 275%.

وعزت هذا الارتفاع إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، موضحة أن الميزانية العمومية ما زالت بحاجة إلى التوسع، وأن الاقتصاد بحاجة إلى زيادة الاستدانة.

وأشار الكاتب إلى أنه قبل أزمة عام 2008، ظلت ديون الصين ثابتة عند قرابة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها بعد ذلك، بدأت ضخ الائتمان لتعزيز النمو، وارتفعت الديون إلى 220 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2015.

وأوضح أن فرط الديون يؤدي عادةً إلى تباطؤ حاد، حيث تباطأ الاقتصاد الصيني عام 2010، ولكن فقط من 10 في المئة إلى 6 في المئة، أقل دراماتيكية مما كانت تتوقعه الأنماط السابقة.

طفرة

ولكن -حسب شارما- تجنبت الصين تباطؤًا أعمق بفضل طفرة قطاع التكنولوجيا، والأهم من ذلك، من خلال إصدار المزيد من الديون.

ووفقًا للكاتب، يصل إجمالي الدين إلى 275% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد موَّل جزء كبير منه الاستثمار في "فقاعة العقارات" حيث ذهب الكثير منها هباءً.

وأشار إلى أنه رغم أن رأس المال -الاستثمار العقاري إلى حد كبير- ساعد في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي، فإن نمو الإنتاجية انخفض بمقدار النصف إلى 0.7 بالمئة في العقد الماضي.

وأمام ذلك -وفقًا للكاتب- على الصين الآن استثمار 8 دولارات لتوليد دولار واحد من نمو الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف المستوى الذي كان عليه قبل عقد من الزمن، والأسوأ في أي اقتصاد رئيس.

في هذه الحالة -يضيف شارما- سيكون النمو 2.5 في المئة إنجازًا، موضحًا أن الحفاظ على نمو الإنتاجية الأساسية بنسبة 0.7 في المائة سيعوض بالكاد انخفاض عدد السكان.

وأوضح أنه لتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة، ستحتاج الصين إلى معدلات نمو رأسمالية قريبة من معدلات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لافتًا إلى أن أغلبية هذه الأموال ذهبت إلى البنية التحتية (الطرق والجسور والإسكان)، ومن ثمّ -حسب الكاتب- نظرًا لحجم أزمة الإسكان، فمن المحتمل أن يتراجع نمو رأس المال الإجمالي إلى قرابة 2.5 في المئة.

وبيَّـن أنه رغم وجود شبه إجماع على أن الصين يمكن أن تحقق أي هدف تحدده الحكومة، فإن هذه التوقعات لم تأخذ في الحسبان وتيرة التباطؤ الصيني خلال السنوات الأخيرة، إذ من المرجح أن ينخفض النمو إلى أقل من 3 في المئة.

واستشهد الكاتب لتأكيد تصوره، بأن العديد من المتنبئين الاقتصاديين البارزين اعتقدوا عام 2010، أن الاقتصاد الصيني سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي بالقيمة الأسمية عام 2020، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وأشار إلى أنه خلال عام 2014، ادعى بعض الاقتصاديين أن الصين كانت بالفعل أكبر اقتصاد في العالم، من حيث تعادل القوة الشرائية - وهو بناء يعتمد على قيم العملات النظرية من دون أي معنى في العالم الحقيقي- لافتًا إلى أن هؤلاء المنظرين جادلوا بأن اليوان مقوم بأقل من قيمته بشكل كبير، ومن الضروري أن يرتفع مقابل الدولار، ما يكشف هيمنة الاقتصاد الصيني.

لكن بدلاً من ذلك -حسب الكاتب- انخفضت قيمة العملة الصينية، ولا يزال اقتصادها أصغر بمقدار الثلث من اقتصاد الولايات المتحدة، من حيث القيمة الاسمية.

ورغم ذلك، فإن الكاتب يرى أن نسبة 2.5% تعد توقعات متفائلة تقلل من المخاطر التي تهدد النمو، خصوصًا المتعلقة بالتوترات المتزايدة بين الصين وشركائها التجاريين الرئيسين، والتدخل الحكومي المتزايد في القطاع الخاص الأكثر إنتاجية -خصوصًا في صناعة التكنولوجيا- فضلًا عن تزايد المخاوف من عبء الديون.

وختم شارما تحليله بالقول: إن نمو الصين بنسبة 2.5 في المئة له تداعيات كبيرة على طموحاتها كقوة عظمى اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية، لكن الاقتصاد الصيني أقل بكثير مما يتخيله أو يدركه العالم.