هل تضطر إدارة بايدن للتفاوض مع بوتين؟
كانت مجموعة من 30 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأمريكي حثّت الرئيس جو بايدن على تغيير استراتيجيته في الحرب الأوكرانية، والسعي للتفاوض مباشرة مع روسيا.

ترجمات - السياق
وصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، السياسة الأمريكية تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا بـ"الهشة"، مشددة على ضرورة أن يتزايد الضغط على الرئيس جو بايدن، للتفاوض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لوقف الحرب، بدلًا من اعتماد سياسة التصعيد المتبعة حاليًا.
ورأت الصحيفة، في تحليل، أن الدبلوماسية باتت كلمة محظورة في السياسة الأمريكية في الوقت الحالي، مشيرة إلى أن السرعة التي تبرأ بها الديمقراطيون التقدميون -هذا الأسبوع- من دعوتهم للرئيس بايدن للتحدث مع روسيا، أبرز دليل على ذلك.
وأصر المشرِّعون الأمريكيون على أن أوكرانيا وحدها هي التي يمكنها أن تقرر متى وكيف تنتهي هذه الحرب.
ولكن -حسب تحليل الكاتب البريطاني إدوارد لوس- المتخصص في الشأن الأمريكي، من الواضح أن أصحاب الدعوة للحوار بين بايدن وبوتين صُدموا بقذائف الإدانة الوحشية من بقية الديمقراطيين.
كانت مجموعة من 30 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأمريكي حثّت الرئيس جو بايدن على تغيير استراتيجيته في الحرب الأوكرانية، والسعي للتفاوض مباشرة مع روسيا، وهي المرة الأولى التي يدفع فيها أعضاء بارزون في حزبه إلى تغيير النهج تجاه أوكرانيا.
إلا أنه سرعان ما سحب هؤلاء النواب اليساريون -الثلاثاء- الرسالة التي تحث بايدن على التفاوض مع روسيا، قائلين إنهم لن ينضموا إلى الجمهوريين، الذين يشككون في دعم أوكرانيا.
هكذا تنتهي الحروب
وأمام هذا التردد الأمريكي، بينت "فايننشال تايمز" أن الحروب تنتهي بإحدى طريقتين، إما الاستسلام غير المشروط لطرف واحد، وإما من خلال تسوية تفاوضية.
وفي ما يخص الحرب الروسية في أوكرانيا، أشارت الصحيفة إلى أنه نظرًا لأنها أكبر قوة نووية في العالم، فإن استسلام روسيا لا يمكن تصوره، وهذا يعني أنه يتعين على الغرب وأوكرانيا التفاوض -نهاية المطاف- على إنهاء هذه الحرب.
وأضافت: "تلك اللحظة لم تأت، لكنها ربما تكون أقرب مما يعتقده معظم الناس".
ورغم ذلك، فإن الصحيفة رأت أنه سيكون من الجنون بدء محادثات وقف إطلاق النار مع بوتين، في وقت يستعيد فيه الأوكرانيون الأراضي، مشددة على أن الحاجة الملحة الآن، أن يمنح الغرب أوكرانيا ما يكفي من القوة النارية لاستعادة خيرسون، وما يمكن استعادته من دونباس قبل الشتاء.
وأوضحت، أنه كلما كان الموقف العسكري الأوكراني الأقوى في الربيع المقبل، فإن "التعبئة الجزئية" لبوتين ستفشل في عكس اتجاه الحرب.
يأتي ذلك في وقت يشعر فيه كثيرون من المشرِّعين الديمقراطيين بالقلق، من أن الولايات المتحدة لا تشارك في حوار منتظم مع روسيا، كجزء من جهودها لإنهاء حرب طويلة الأمد، تسببت في سقوط الآلاف وتشريد 13 مليون شخص.
بينما تصر إدارة بايدن على أن مسألة التفاوض مع روسيا يجب أن تُترك لكييف، وموعدها كذلك، بحجة أن الأوكرانيين -كشعب حر- يجب أن يقرروا مصيرهم.
لكن بعض الخبراء الروس يقولون إن موسكو لن تتفاوض إلا مع الولايات المتحدة، وهي قوة عظمى أخرى، في وقت يرى مشرِّعون أمريكيون أنه يجب اغتنام الفرصة للانفتاح، نظرًا للدمار المنتشر في الحرب، مضيفين أن "البديل للدبلوماسية هو الحرب الطويلة، مع ما يصاحبها من آثار ومخاطر كارثية لا يمكن معرفتها".
الموقف الأمريكي
وفي ما يخص الموقف الأمريكي، ترى "فايننشال تايمز" أنه سيتغير كثيرًا بين الحين والآخر، مشيرة إلى أن هناك عاملين سيؤثران عندما يحاول بايدن إنهاء هذه الحرب، الأول: سيطرة الجمهوريين المحتملة على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما في انتخابات التجديد النصفي خلال أسبوعين، حيث حذر كيفن مكارثي، الرئيس المحتمل لمجلس النواب، من أن الجمهوريين لن يقدِّموا "شيكًا على بياض" لأوكرانيا لتدافع عن نفسها.
وحسب الصحيفة، أن ما يخدم هذا الاتجاه، أنه كان قد صوَّت 57 جمهوريًا في مجلس النواب و11 عضوًا في مجلس الشيوخ ضد حزمة مساعدات أوكرانيا بـ 40 مليار دولار هذا العام.
ورغم أن الجناح المؤيد لبوتين داخل الحزب الجمهوري لا يزال أقلية، فإن كل الجمهوريين تقريبًا سيدعمون جهود مكارثي المحتملة لعزل بايدن، وجعل سقف الديون الأمريكية رهينة لمطالبهم.
أمام ذلك، تتوقع الصحيفة، تمزق الإجماع الأمريكي الحالي بشأن أوكرانيا، حال سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، خلال انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
أما العامل الثاني -حسب الصحيفة- فهو أن الولايات المتحدة ستدخل في حالة ركود، إذ يُجمع الاقتصاديون تقريبًا على أن أمريكا لن تفلت من هذا المصير عام 2023، وهو ما يُشكل تهديدًا حادًا لفرص بايدن -أو لمرشح ديمقراطي آخر- لهزيمة دونالد ترامب أو أي مرشح جمهوري آخر عام 2024.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه في هذه الحالة، سيعمل الجمهوريون في الكونغرس، بالتوازي مع الركود، على ضرب أهداف بايدن الانتخابية، مشيرة إلى أنه مع اقتراب 2024 -عام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة- ستتراجع فكرة دعم (مصير أوكرانيا) أمام مصير أمريكا.
تباين المصالح
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه كلما تمكنت أوكرانيا من دحر الجيش الروسي بشكل أسرع، كان ذلك أفضل للجميع، ومن ثمّ لا يزال لدى بايدن وحلفاء الولايات المتحدة نافذة لتأييد مبدأ (مساندة أوكرانيا أولًا)، لكن -حسب الصحيفة- ستتباين المصالح الأمريكية والأوكرانية مع اقتراب عام 2024.
وترى الصحيفة، أن الحرب تعد أحد أهم أسباب التضخم الذي يعانيه العالم، مشيرة إلى أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة قد يكونون الخاسر الأكبر من دعمهم لأوكرانيا، وهذا ما سيظهر خلال انتخابات التجديد النصفي المقبلة.
وبالعودة إلى الرسالة الذي أرسلها عدد من الديمقراطيين لبايدن، في محاولة لتغيير مسار الحرب، والانتقال إلى مرحلة التفاوض، رأت الصحيفة البريطانية، أن الأمر له علاقة مباشرة بمستقبل الولايات المتحدة، الذي بات "مجهولًا"، أكثر مما يتعلق بالتهديد الروسي للسلام الأوروبي.
ونوهت إلى أنه حال فوز ترامب بالرئاسة مجددًا، فإنه ميوله "شبه الفاشية" (على حد تعبير بايدن) أكثر تهديدًا للديمقراطية الأمريكية مما كانت عليه عندما خسر الانتخابات، لافتة إلى أن هناك المئات من الجمهوريين -ممن لهم الحق في التصويت- يدعمون ادعاء ترامب بأن بايدن سرق الرئاسة في الانتخابات الأخيرة.
ورأت الصحيفة أن عودة ترامب عام 2024 ستكون إنقاذًا لبوتين، مشيرة إلى أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية، وحد الرئيس الروسي -باتخاذه قرار الحرب- الغرب ضده لدعم أوكرانيا، لكن قد تكون لوصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة نتيجة أخرى غير (فوز أوكرانيا).
وختمت الصحيفة البريطانية تحليلها بالقول: "الحرب قد تكون لها نتيجة ثالثة، هي التعليق إلى أجل غير مسمى"، مشيرة إلى أنه كلما زادت سخونة السياسات الأمريكية، زاد الإغراء بتجميد السياسة الأوكرانية.