اعتذار الحريري.. أزمة لبنان تعود إلى النقطة صفر

 اعتذار الحريري... أزمة سياسية حادة وظلال سلبية فورية على الاقتصاد اللبناني

اعتذار الحريري.. أزمة لبنان تعود إلى النقطة صفر

السياق

اعتذار رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، عن عدم تشكيل الحكومة، أعاد الأزمة الللبنانية إلى النقطة صفر، وألقى بعواقب وخيمة على البلد الذي يعاني أزمات اقتصادية ومعيشية حادة.

وقدَّم الحريري، اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، بعد يوم من تقديمه تشكيلة حكومية من 24 وزيرًا.

وقال الحريري، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه أجرى مشاورات مع الرئيس عون، بشأن الحكومة، مشيرًا إلى أن الأخير طلب تعديلات "اعتبرتها جوهرية في التشكيلة التي قدَّمتها".

 

لا مجال للاتفاق

وأوضح الحريري: "تناقشنا في الأمور التي لها علاقة بالثقة، والواضح أن لا شيء تغيَّـر، ويبدو أننا لا نتفق مع الرئيس، فاقترحت مزيدًا من الوقت، لكن الرئيس رأى ألا مجال للاتفاق، فقدَّمت اعتذاري عن عدم تشكيل الحكومة».

بيان الحريري قوبل ببيان من رئاسة لبنان، اطلعت «السياق» على نسخة منه، قال فيه عون، إنه طالب ببعض التعديلات على التشكيلة الحكومية، إلا أن الحريري لم يكن مستعدًا لبحث أي تعديل.

وأضافت الرئاسة اللبنانية، أن الحريري اقترح على الرئيس عون، أن يأخذ يومًا إضافيًا واحدًا للقبول بالتشكيلة المقترحة، إلا أن الأخير سأله: ما الفائدة من يوم إضافي، إذا كان باب البحث مقفلًا، لينتهي اللقاء عند هذا الحد، بإعلان الحريري اعتذاره.

 

تبرير القرار

واتهم عون، الحريري، بأنه "اتخذ قرارًا مسبقًا بالاعتذار، ساعيًا لإيجاد أسباب لتبرير خطوته"، رغم الاستعداد الذي أبداه رئيس الجمهورية لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة، إدراكًا منه لدقة المرحلة، والتزامًا منه بضرورة الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على الإصلاح، بينما أكد الرئيس اللبناني، أنه سيحدِّد موعدًا للاستشارات النيابية الملزمة، بأسرع وقت ممكن.

 

تحديات كبيرة

اعتذار الحريري، تسبَّب في «أسف» قوى محلية ودولية، معبِّـرة عن مخاوفها من مصير لبنان، الذي كان ينتظر إصلاحات اقتصادية وسياسية، تنتشله من عثراته وأزماته، التي يئن منها مواطنو البلد العربي.

فالأمم المتحدة عبَّـرت -على لسان متحدِّثة باسم المنظمة- عن أسفها لاعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، قائلة: نأسف لعدم تمكُّن المسؤولين اللبنانيين، من الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة.

ودعت الأمم المتحدة، القادة السياسيين، إلى التفاهم سريعًا على تشكيل حكومة جديدة، تستطيع مواجهة التحديات الكبيرة في لبنان.

 

تبعات خطيرة

بدوره أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عن «خيبة الأمل الكبيرة إزاء قرار الرئيس سعد الحريري، الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة»، مؤكدًا أنه يعتقد أن تبعات اعتذار الحريري، قد تكون خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان.

وبينما تعهد أمين جامعة الدول العربية، بمواصلة الجامعة مواكبتها للوضع في لبنان، ومد يد الدعم له، في هذا الظرف الدقيق من تاريخه الحديث، ناشد المجتمع الدولي الاستمرار في مساعدة الشعب اللبناني، محملًا مسؤولية الفشل والتعطيل، في التوصل إلى التوافق السياسي، إلى جميع السياسيين اللبنانيين.

 

فصل مأساوي

وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، اعتبر أن اعتذار سعد الحريري عن عدم تشكيل حكومة في لبنان، يشكل فصلًا مأسويًا إضافيًا، في عجز المسؤولين اللبنانيين، عن إيجاد حل للأزمة، في ظِل الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

وقال لودريان: "إن هذا التدمير الذاتي المستمر، شهد فصلًا جديدًا، لكن الوقت لا يزال متاحًا للنهوض. هذا الأمر يضع المسؤولين السياسيين اللبنانيين أمام مسؤولياتهم"، مبديًا أسفه لاتخاذ الحريري قراره، قبل أيام من الذكرى الأولى للانفجار المروِّع في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020.

 

مؤتمر دولي

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية عقد مؤتمر دولي جديد، لتلبية احتياجات الشعب اللبناني، في الرابع من أغسطس، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمم المتحدة، وهو اليوم الذي يصادف الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت.

 

تطور مخيِّب للآمال

من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن اعتذار الحريري «تطور آخر مخيِّب للآمال للشعب اللبناني»، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن يتم تشكيل حكومة ملتزمة، وقادرة على تطبيق الإصلاحات ذات الأولوية الآن.

ووصف الوزير الأمريكي، الاقتصاد اللبناني، بأنه في وضع «السقوط الحر»، مناشدًا القادة في بيروت، وضع الخلافات الحزبية جانبًا، وتشكيل حكومة تخدم الشعب اللبناني.

 

عوامل شخصية

نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، اعتبر في تصريحات صحفية أن «العوامل الشخصية والأحقاد والكيديات، ساهمت في خراب البلد، وإفشال إمكانية تشكيل الحكومة».

وأكد الفرزلي، أن «لا حكومة خارج إطار مباركة سعد الحريري ودعمه لها»، مشيرًا إلى أن مَنْ عرقل تشكيل الحكومة، كان يعلم أن هناك أزمة، لا بد من أن تقع، في حال الاعتذار.

رئيس حزب الكتائب اللبنانية، النائب المستقيل سامي الجميل، قال في تصريحات صحفية، إنه طالما أن حزب الله يسيطر على البلد، لن نتمكَّن من إنقاذه، مشدِّدًا على أن المنطومة غير قادرة على إنقاذ لبنان، ولا حتى على التفاهم مع نفسها.

 

حكومة مستقلة

وأوضح البرلماني اللبناني، أن فرقاء السلطة لن يتمكنوا من تشكيل الحكومة، ونصحنا بإيقاف المفاوضات، مشيرًا إلى أنه من الواضح أنهم لو ألفوا لما كانوا استطاعوا إدارة الحكومة.

وجدد تأكيده أن «المطلوب ليس حكومة سياسية، إنما حكومة مستقلة... لقد حان الوقت لإيقاف مضيعة الوقت، وما دام هناك سيطرة لحزب الله والمنظومة، لن يكون هناك خروج من الأزمة في لبنان، مطالبًا الجميع بالتنحي.

وأكد أن المطلوب مبادرة من الشعب اللبناني، وأن يكون هو المسؤول عن مستقبله، معتبرًا أن هناك آلية لذلك، تتركَّز على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية، التي لو حصلت منذ عام، لكنا وفَّرنا على أنفسنا كل ما نراه اليوم.

 

تفاقم الأزمات

وحذَّر من أن انهيار سعر الصرف، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية، فالطبقة الوسطى ستفتقر، والمطلوب عملية إنقاذية تمر باستقالة مجلس النواب، وإلا سيبقى لبنان رهينة المنظومة الفاشلة، التي تسير بأجندة حزب الله، ولا تستطيع حتى تشكيل حكومة.

رئيس الحزب التقدُّمي الإشتراكي، وليد جنبلاط، قال في تصريحات صحفية، إن رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس سعد الحريري يتحمَّلان مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية، محذِّرًا من أن الدخول في أتون الطائفية خطر جدًا.

وأشار إلى أنه ما زال هناك مجال، رغم العقبات، فلتشكل الحكومة، لكي تفاوض صندوق النقد الدولي عبر الفرنسيين، ووقف الانهيار.

 

نفق معتم

مفتي لبنان، الشيخ حسن شريفة، قال في خطبة الجمعة في مسجد الصفا ببيروت، إن بلاده ما زالت تسير في نفق معتم، من دون أي بصيص للنور، بعدما أثبت أن "مصالحهم أهم من الوطن والمواطنين"، على حد قوله.

واستعرض مفتي لبنان، الأزمات التي تمر بها بلاده، فسعر صرف الدولار ما زال يحرق العملة المحلية، محذِّرًا من غلاء متوقَّع للمواد الغذائية والمحروقات والدواء وغيرها، ناهيك عن الاحتكار وجشع التجار.

 

مرحلة ضبابية

المخاوف في لبنان تضاعفت، من مرحلة ضبابية تدفع الأزمة الحكومية والمعيشية إلى التصعيد، بدأت أول مؤشراتها بارتفاع سعر صرف الدولار 4 آلاف ليرة خلال 24 ساعة، متجاوزًا بذلك 23 ألف ليرة للدولار الواحد، للمرة الأولى في تاريخ لبنان.

وقالت صحيفة الجمهورية اللبنانية، إن لبنان دخل مرحلة جديدة، قد تكون محفوفة بكثير من المخاطر والتطورات، وربما المفاجآت، التي يخشى أن تفاقم حال الانهيار، التي يعيشها سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً، منذ انطلاق الحراك الشعبي في 17 أكتوبر 2019 حتى الآن.

 

النقطة صفر

مراقبون رأوا أن اعتذار الحريري، أعاد الأزمة الحكومية إلى النقطة صفر، مشيرين إلى أن لا حل قريبًا لخروج البلاد من عنق الزجاجة الاقتصادي والمالي والمعيشي الصعب، لأن أسباب الازمة مستمرة حتى لو تغيَّـر الأشخاص.

وأكدوا أنه لا يوجد في الأفق حتى الآن، أي مؤشر إلى احتمال توافق المعنيين على خلف للحريري، وكذلك على طبيعة الحكومة الجديدة، ومواصفات وزرائها، وتوزيع الحقائب سياسياً وطائفياً، وما إلى ذلك من مسائل كانت سبب عدم تمكُّن الحريري من تشكيل الحكومة، وذهابه إلى الاعتذار.

ويكافح لبنان أزمة مالية كبيرة منذ عام 2019، أضرت بالعملة الوطنية ونشرت الفقر، وتسبَّبت في تعثُّـر سداد ديون سيادية، بينما واجهها المصرف المركزي، بكبح وصول اللبنانيين إلى حساباتهم الدولارية،  وفرض قيود مصرفية، تحظر التحويلات المصرفية إلى خارج البلاد.

 

خط الفقر

وكشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، أن قرابة 77% من الأسر اللبنانية، ليس لديها ما يكفي من الطعام أو حتى المال الكافي، لشراء مواد غذائية.

التقرير سبقه تقرير آخر للبنك الدولي، أكد فيه الأخير، أن الأزمة اللبنانية ربما تكون ضمن أسوأ ثلاث أزمات في العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وقال التقرير، إن الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، يشهد انخفاضًا منذ عام 2018 بالتوازي مع سعر صرف غير رسمي، مشيرًا إلى أن «مثل هذا الانكماش الكبير والسريع، يرتبط عادة بالصراعات أو الحروب».