الجماعات المتطرفة في مرمى الأمن النمساوي.. الإخوان وكيانات تركيا تتصدَّر

جماعة الإخوان، باتت في مرمى الأمن النمساوي، خصوصاً بعد الهجوم الإرهابي، الذي استهدف العاصمة فيينا، في نوفمبر 2020، وأسفر عن مقتل 4 أشخاص.

الجماعات المتطرفة في مرمى الأمن النمساوي.. الإخوان وكيانات تركيا تتصدَّر

السياق

جاء إقرار المجلس الوطني (البرلمان) في النمسا، الأسبوع الماضي، قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب والتطرف، استمراراً لسلسلة من الإجراءات، سعت فيينا من خلالها إلى وأد مساعي الكيانات الإرهابية، وفي القلب منها جماعة الإخوان، التي تهدف إلى تقسيم المجتمع وضرب الاستقرار.

البداية كانت في مارس 2019، عندما أقر البرلمان النمساوي، حظر شعار الإخوان، كجماعة متطرفة، كخطوة أولى لتمرير قانون، تتم بموجبه ملاحقة أنصارها وأعضائها داخل البلاد، إلى جانب مجموعة من التنظيمات والكيانات الأخرى.

جماعة الإخوان، باتت في مرمى الأمن النمساوي، خصوصاً بعد الهجوم الإرهابي، الذي استهدف العاصمة فيينا، في نوفمبر 2020، وأسفر عن مقتل 4 أشخاص.

حزمة القوانين، التي مرَّرها البرلمان النمساوي، ومن قبلها "خريطة الإسلام"، التي حظيت بتأييد حزبي واسع، باتت أداة لمواجهة البيئات والتنظيمات الحاضنة للإرهاب، التي تحض على التطرف والكراهية، سواء في العالم الافتراضي، أو في الواقع.

و"خريطة الإسلام في النمسا"، من تلك الإجراءات، التي سبق أن أعلنها الموقع الرسمي للحكومة النمساوية لمواجهة التطرف.

ورغم أن مسلمي النمسا، البالغ عددهم نحو 800 ألف، يمثِّلون 8% من سكان البلاد، اعتبروها أحد أشكال "التصنيف العرقي والأيديولوجي"، فإنها قاعدة بيانات يمكن من خلالها، رصد التحركات غير المشروعة، لعدد من هذه الكيانات، التي ترتبط أيضاً بتركيا، بحسب رؤية الحكومة النمساوية.

خريطة الإسلام... هجوم فيينا يخيِّم على النمسا ومخاوف من انتهاكات عنصرية

نشر التطرف

الدكتور محمد عبد الفضيل، الأستاذ الزائر بجامعة إرلانجن بألمانيا، يقول في تصريح خاص لـ "السياق": "إن القرارات المتلاحقة، التي تتخذها دول أوروبية، وفي مقدِّمتها النمسا، تجاه انتشار موجات التطرف وخطابات الكراهية، تدعو إلى الدراسة من جوانب شتى".

وتابع: "يأتي في مقدِّمة هذه الجوانب، الجانب الأمني، إذ تريد النمسا فرض سيطرتها الأمنية، بعدما انتشرت المساجد والمدارس التعليمية الإسلامية المدعومة من الخارج، لاسيما من تركيا، التي يشار إليها بالبنان في أوروبا، باعتبارها داعمة للتطرف ونشر الكراهية".

ويؤكد عبد الفضيل، أن ألمانيا والنمسا تحديداً، تَعُدان تركيا المموِّل الأكبر لكثير من المؤسسات الدعوية والتعليمية غير المعتدلة فيهما، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة: الأول تاريخي بحت، ويعود إلى التقارب السياسي الكبير، الذي كان يجمع الدولة العثمانية وألمانيا والنمسا، منتصف القرن الماضي، والذي أدى بدوره في العقود التالية، إلى توغل تركي في المجتمع الأوروبي، خاصة النمسا التي أعلنت عام 1912 اعترافها بالإسلام ديناً رسمياً، ومن ثم أسست تركيا كيانات دينية تابعة لها.

أما السبب الثاني، بحسب ما ذكره عبد الفضيل، فيكمن في انتشار موجة التطرف المنسوب للدين الإسلامي، إثر العمليات الإرهابية المتكرِّرة التي وقعت بأيدي المسلمين في النمسا، والتي كان من نتائجها انتهاج الإعلام النمساوي، حملة على كل ما هو منتسب للإسلام، ثم اتخاذ المؤسسات السياسية والتشريعية، حزمة من القرارات والقوانين، التي من شأنها تقويض عمل كثير من المراكز الإسلامية المدعومة من الخارج، والتي كان معظمها مدعوماً من الدولة التركية.

 

استغلال المراكز الإسلامية

وهنا يقول الدكتور شوقي علام، مفتي مصر والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، لـ"السياق": "إن دار الإفتاء المصرية، وما يتبعها من مركز لدراسات التطرف والإرهاب، سبق أن حذَّرت كثيرا من استغلال بعض المراكز الإسلامية في الغرب لتعزيز (الإسلاموفوبيا) وانتشار جرائم الكراهية، عبر تهييج مشاعر المسلمين، وخلق حالة من الإضراب في المجتمعات الغربية".

ويصف مفتي مصر في تصريح خاص لـ "السياق" بعض المراكز الإسلامية في أوروبا بـ"المتطرفة" خاصة بعد سيطرة المال السياسي على كثير منها، بحسب قوله، متابعاً: "الأمر الذي انعكس بشكل واضح، على أنشطة تلك المراكز وتوجهاتها".

من جانبه، يتابع الدكتور محمد عبد الفضيل، الأستاذ الزائر بجامعة إرلانجن في ألمانيا حديثه لـ"السياق"، عن الأسباب التي دفعت النمسا إلى اتخاذ هذه الإجراءات، قائلا: "إن السبب الثالث، هو رفع كثير من المنظمات شعارات تفيد بأن (الإسلام دين ودولة)، وهو شعار تبناه عدد من رموز جماعة الإخوان الإرهابية، بل ذهب البعض منهم، إلى استخدام شعار الجماعة، في بعض أعمالهم وأنشطتهم، الأمر الذي دفع نحو حظر قائمة من الشعارات الدينية، بينها شعار هذه الجماعة".

ويرى الأستاذ الزائر في جامعة إرلانجن بألمانيا "أن الأمور في دولة النمسا تطورت، لتشمل قرارات الحظر والتعقُّب، ليس فقط الكيانات المتطرفة، بل والكيانات التي تمارس ما يسمى الإسلام السياسي، لتصبح جماعة الإخوان في قلب قرارات التعقُّب والتحقيقات، التي أدت إلى غلق كثير من المراكز الإسلامية".

وهنا يلفت إلى "أن كثيرًا من هذه المراكز مدعوم من تركيا، لذا فقد كان لها النصيب الأكبر من الاتهامات، الأمر الذي عايشته ألمانيا قبل سنتين، وبالفِعل تأثَّر كثير من المساجد والمدارس الدينية التركية بقرارات الغلق أو التحقيق في الخطاب الديني المنتشر بها".

ويشير الدكتور عبدالفضيل، إلى القرار الأخير، الذي صدر في مايو الماضي، ويتعلَّق بعمل ما عُرفت بـ"خريطة الإسلام" إذ تنشر الحكومة النمساوية من خلال هذه الخريطة، عناوين ومواقع أكثر من 600 مسجد ومركز إسلامي، بهدف محاربة "الإسلام السياسي"، وهو الاصطلاح الذي أصبح أكثر استخدامًا في الأوساط النمساوية، لأنها تراه أكثر شمولًا من مفاهيم "التطرف" "وخطاب الكراهية" المنسوبة للإسلام.

وبحسب الدكتور عبدالفضيل فإن "الجانب السلبي لهذه القرارات، يكمن في تقوية الجانب المتطرف على الناحية الأخرى، وأعني به اليمين المتطرف، الذي لا يلبث أن يقوم ببعض الأنشطة المتطرفة، تجاه المسلمين والمنشآت الإسلامية، إذ يكتب بعض أفراده عبارات نازية على جدران هذه المنشآت، الأمر الذي أدى إلى توصيات كثيرة، أوروبية وعربية، بضرورة إدماج المسلمين المعتدلين، في حوار معمَّق قبل اتخاذ هذه القرارات، التي تُـعَـدُّ من وِجهة نظره، نتيجة حتمية لخطابات سياسية مسلمة زجَّت بالدين وشعاراته، في لعبة السياسة بالنمسا، عن عمد وتمويل خارجي تارة، وعن جهل بالدين وأحكامه المعتدلة تارة أخرى، وستظل تركيا الدولة الأولى في قائمة الاتهامات، حتى تنتهج خطابًا دينيًا معتدلًا، تنفع به المسلمين ولا تضرهم، إن أرادت، وإلا فسوف تلبث إلى وقت ربما يطول، في غيابات العزلة".