مع تصاعد القتال.. هل تسير إثيوبيا على طريق التقسيم؟

من الممكن أن ينهار النظام الفيدرالي القائم على العِرق في البلاد، الذي استمر ما يقرب من ثلاثة عقود، لكن التسوية التفاوضية -حتى السلام- لا تزال ممكنة

مع تصاعد القتال.. هل تسير إثيوبيا على طريق التقسيم؟

ترجمات - السياق

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن استمرار الحرب في إثيوبيا، قد يؤدي في النهاية إلى تقسيم البلاد، وذلك على خلفية الوضع في إقليم تيغراي، وتصاعد المواجهات بين القوات الحكومية وقوات الإقليم والقوات المتحالفة معها.

وأضافت الصحيفة، في تحليل للكاتب، أوول ألو، الخبير في الشؤون الإثيوبية ومنطقة القرن الإفريقي، أن الآلاف قُتلوا، ونزح أكثر من مليوني شخص داخلياً، ويواجه ما يقرب من مليون خطر المجاعة.

وأشارت الصيحفة، إلى أن الصراع في إثيوبيا بدأ قبل عام، عندما شنّ رئيس الوزراء آبي أحمد هجومًا عسكريًا على منطقة تيغراي، لكن الأمر الآن يخرج عن نطاق السيطرة، بعدما أُعلن الأسبوع الماضي تأسيس تحالف من 9 فصائل مناهضة للحكومة، يهدف لإسقاط رئيس الوزراء بالقوة أو المفاوضات، وتشكيل حكومة انتقالية.

وأوضحت أن الأزمة تتصاعد منذ يونيو الماضي، عندما استعاد مقاتلو تيغراي السيطرة على جزء كبير من منطقة تيغراي، وبعد ذلك تشجعوا وعبروا إلى المناطق المجاورة، مشيرة إلى أنه رغم محاولة القوات الحكومية الشهر الماضي دفعهم للتراجع، فإن مقاتلي تيغراي صدوا الهجوم، ونجحوا في السيطرة على مدن ذات أهمية استراتيجية، في طريقهم إلى العاصمة أديس أبابا.

 

حالة الطوارئ

رداً على ذلك، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ على مستوى البلاد، وحث آبي أحمد، -بلغة عدائية- المدنيين على حمل السلاح.

وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أنه منذ ذلك الحين، كانت هناك حملة قمع واسعة النطاق، ضد أتباع تيغراي العِرقية، في العاصمة وأجزاء أخرى من البلاد، واعتُقل 16 من موظفي الأمم المتحدة المحليين، مبينة أن البلاد تسودها الفوضى.

وذكرت الصحيفة، أنه لسبب وجيه، فإن إثيوبيا -التي تعد ثاني أكبر دولة في القارة من حيث عدد السكان والحصن المهم في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية - تمزِّق نفسها، مشيرة إلى أنه من الممكن أن ينهار النظام الفيدرالي القائم على العِرق في البلاد، الذي استمر ما يقرب من ثلاثة عقود، لكن التسوية التفاوضية -حتى السلام- لا تزال ممكنة، موضحة أنه بمساعدة الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، يمكن للجانبين المتحاربين إنقاذ إثيوبيا من كارثة التقسيم التي تحدق بها.

وقالت إن أغلبية الإثيوبيين كانوا يستبعدون وصول الأمور إلى هذا الحد من الصدام، خصوصًا آبي أحمد نفسه، الذي أمر بشن هجمات عسكرية على تيغراي أوائل نوفمبر من العام الماضي، وقال حينها: إن الحملة ستكون عملية جراحية قصيرة "بأهداف واضحة ومحدودة وقابلة للتحقيق".

وأوضحت، أن آبي أحمد وأنصاره قدروا أن تيغراي -التي تعد العقبة الأخيرة أمام تحرك رئيس الوزراء الأحادي، لإعادة بناء هوية وطابع الدولة الإثيوبية- يمكن إخضاعها في غضون أسابيع، إلا أن هذا التقدير ثبت خطأه الفادح.

وبدلاً من ذلك امتد الصراع لأشهر، وتسبب في خسائر فادحة، مشيرة إلى أن المدنيين تحملوا العبء الأكبر من حملة وحشية قادتها الحكومة، شهدت تطهيرًا عِرقيًا وعنفًا جنسيًا وعمليات قتل جماعي.

وأوضحت "نيويورك تايمز"، أن هذه الفظائع، التي ارتكبها الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية والميليشيات المتحالفة معها، أثارت غضب المجتمع الدولي، وأثارت الانقسامات وعمَّقت الاستقطاب بالداخل.

 

"نوبل" وما بعدها

وأشارت الصحيفة إلى أن آبي أحمد، كان قد حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019، إلا أنه سرعان ما لبث أن أصبح موضع انتقادات دولية، بسبب دوره في الصراع الداخلي.

وحاول آبي أحمد تلميع أوراق اعتماده وترسيخ حُكمه، من خلال الانتخابات التي أجريت في يونيو الماضي، إلا أنه سرعان ما تبدلت الأمور، وتطور الصراع، وتعرَّض لانتقادات واسعة بخصوص حقوق الإنسان، وعمليات تطهير جماعي.

في المقابل -تضيف "نيويورك تايمز"- شنت قوات تيغراي حملة هجوم مضاد ناجحة، وبدأت بالتنسيق مع جيش تحرير أورومو، وهي جماعة متمردة في منطقة أوروميا، العمل معًا لإطاحة حكومة آبي أحمد.

ومع تضاؤل الخيارات العسكرية لآبي أحمد وانحسار شرعيته، أعربت حكومته بهدوء عن استعدادها للتفاوض، وقال رضوان حسين، وزير الدولة للشؤون الخارجية، لمجموعة كبيرة من الدبلوماسيين والمنظمات الدولية أوائل نوفمبر الجاري: "لا يمكننا الاستمرار في القتال، لأنه لا توجد دولة ستواصل القتال بشكل مستدام.. نهاية المطاف يجب إنهاء أي صراع من خلال التفاوض بطريقة سلمية".

وأمام هذا الاعتراف، كان رد فعل الدبلوماسيين والقادة الإقليميين سريعًا، حيث كثفوا جهودهم لتأمين وقف إطلاق النار ووضع الأساس لتسوية سياسية تفاوضية.

والتقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، السلطات الإثيوبية والكينية، وأجرى الممثل الأعلى للاتحاد الإفريقي للقرن الإفريقي، أولوسيغون أوباسانجو، محادثات مع السلطات الإثيوبية وقيادة تيغراي.

ووصفت "نيويورك تايمز"، الأمر بأنه مجرد بداية، مشيرة إلى أنه يتطلب جهودًا نشطة من الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي والدول المجاورة، لعقد حوار شامل وموثوق، يمكن أن يؤدي إلى تسوية سياسية، مضيفة: "يجب أن يكون المجتمع الدولي مستعدًا لاستخدام جميع الأدوات الموجودة تحت تصرفه -العقوبات والضغط والأموال- لتحفيز الجانبين على التوصل إلى اتفاق مشروط لوقف إطلاق النار".

 

المستقبل لهؤلاء

وتوقعت "نيويورك تايمز"، أن يعتمد المستقبل في إثيوبيا، على الأحزاب السياسية الفاعلة، في إشارة إلى مرحلة ما بعد آبي أحمد، مبينة أن هناك عدم ثقة في نوايا رئيس الوزراء الإثيوبي، إذ يعتقد الكثيرون أنه سيستخدم وقف إطلاق النار لكسب الوقت وإعادة تجميع صفوفه، وإعادة تسليح قواته وتعزيزها.

يأتي ذلك وسط تبادل التصريحات العدائية بين الجانبين، إذ يصف آبي أحمد، قوات تيغراي بأنها "أعشاب ضارة" و "سرطان"، بينما يشير إليه زعماء تيغراي وحكومته بـ "الفاشية"، وهي أمور -حسب الصحيفة الأمريكية- تجعل التفاوض صعبًا.

ووصفت "نيويورك تايمز"، الوضع في البلاد بأنه مأساوي و"مروع للغاية"، مشيرة إلى أنه يجمع بين المجاعة والانهيار الاقتصادي والعنف المنتشر على نطاق واسع، بحيث لا يستطيع أطراف الصراع تحمل المزيد من الاستمرار، موضحة أن حكومة آبي أحمد فقدت مصداقيتها على نطاق واسع، ولم يعد بإمكانها أن تأمل انتظار انتهاء خصومها، أما بالنسبة لقيادتي تيغراي والأورومو، فإنهما يخاطران بفقدان الدعم الشعبي، إذا استمرت الأزمة الإنسانية في الانتشار.

ورأت "نيويورك تايمز" أن «مهمة إنهاء الصراع صعبة، لكن يجب على الجانبين تنحية الحرب من أجل السلام، لأن البديل هو الخراب المطلق».