لماذا تقف أغلبية الدول إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا؟

التدخل الروسي في أوكرانيا، يمثل تحولاً حاسماً بعيداً عن الغرب المُعادي إلى الشرق الأكثر ديناميكية وكذلك الجنوب العالمي، ويأتي ذلك بعد عقود من الضغط على الغرب لإنشاء علاقات سلمية منذ نهاية الحرب الباردة.

لماذا تقف أغلبية الدول إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا؟

ترجمات - السياق

قال الكاتب الأمريكي جون والش، إن الصراع في أوكرانيا ناتج عن حدثين محوريين شهدهما عام 2014، موضحاً أن الأول هو الانقلاب الذي حدث في كييف، الذي أطاح الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بتوجيه من الولايات المتحدة، وبمساعدة النازيين الجدد.

وأضاف الكاتب، في مقال لـ"آسيا تايمز"، أنه بعد ذلك بوقت قصير، أطلقت الحكومة الأوكرانية، المنشأة حديثاً في ذلك الوقت، الطلقات الأولى في الحرب التي تشهدها البلاد، على منطقة دونباس المتعاطفة مع روسيا، واستمر القصف ثماني سنوات، وأودى بحياة 14 ألف شخص، ورغم محاولات وقف إطلاق النار بموجب اتفاقيات مينسك، التي وافقت عليها روسيا وفرنسا وألمانيا، فإن أوكرانيا رفضت الامتثال لها، بدعم الولايات المتحدة.

وتابع: "في 24 فبراير 2022، ردت روسيا على مذبحة دونباس، وعلى التهديد الذي يفرضه حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أعتابها".

 

روسيا تتجه نحو الشرق

وفقاً للكاتب، فإن الحدث المحوري الثاني لعام 2014 كان أقل ملاحظة ونادراً ما يُذكر في وسائل الإعلام الغربية، إذ إنه في نوفمبر من ذلك العام، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين مثيله في الولايات المتحدة من حيث تعادل القوة الشرائية، حسب صندوق النقد الدولي، لكن يبدو أن الشخص الوحيد الذي لاحظ ذلك والذي كثيراً ما يذكر مكانة الصين في ترتيب تعادل القوة الشرائية والناتج المحلي الإجمالي، هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ورأى الكاتب أن التدخل الروسي في أوكرانيا، يمثل تحولاً حاسماً بعيداً عن الغرب المُعادي إلى الشرق الأكثر ديناميكية وكذلك الجنوب العالمي، ويأتي ذلك بعد عقود من الضغط على الغرب لإنشاء علاقات سلمية منذ نهاية الحرب الباردة، لكن نظراً لتركيز روسيا على الشرق، فإنها تبذل قصارى جهدها لضمان تأمين حدودها الغربية مع أوكرانيا.

وبعد الإجراء الروسي في أوكرانيا، اندفعت العقوبات الأمريكية على موسكو، بينما رفضت الصين الانضمام إليهم ورفضت إدانة الأخيرة، وهو ما لم يكن مفاجئاً، إذ إن روسيا بوتين والصين في عهد الرئيس شي جين بينغ تقتربان للغاية، خاصة مع التجارة باستخدام الروبل والرنمينبي (العملة الرسمية لجمهورية الصين الشعبية)، لذلك تتحركان نحو الاستقلال عن النظام التجاري الغربي الذي يهيمن عليه الدولار، وفقًا للكاتب.

 

رفض دعم العقوبات الأمريكية

بعد ذلك جاءت مفاجأة كبيرة، إذ انضمت الهند إلى الصين في رفض نظام العقوبات الأمريكي، وحافظت نيودلهي على موقفها رغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها، بما في ذلك الدعوات التي وجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وذهاب مجموعة كبيرة من المسؤولين رفيعي المستوى في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الهند، لانتقادها وتهديدها ومحاولة ترهيبها.

وأشار جون والش، إلى أنه رغم تصاعد التهديد الأمريكي لنيودلهي بأنها ستواجه "عواقب"، إلا أنها لم تتزحزح عن موقفها.

وأوضح والش أن العلاقات العسكرية والدبلوماسية الوثيقة بين الهند وروسيا، أقيمت خلال النضال ضد الاستعمار في الحقبة السوفيتية، كما أن المصالح الاقتصادية للهند في الصادرات الروسية تبدو أهم لها من التهديدات الأمريكية، وبالنظر إلى أن التجارة عن طريق تبادل الروبل والرنمينبي أصبحت حقيقة، ومع اقتراب تبادل الروبل والروبية، فإن العالم ربما يكون على وشك رؤية عالم تجارة الرنمينبي والروبل والروبية، الذي سيكون بديلاً لاحتكار الدولار واليورو.

وتساءل الكاتب: "هل باتت ثاني أهم علاقة سياسية في العالم، وهي تلك التي بين الهند والصين، على وشك اتخاذ اتجاه أكثر سلمية؟ وما العلاقة الأولى الأكثر أهمية في العالم؟

وأشار الكاتب إلى أن الهند ليست سوى مثال واحد على التحول في المواقف، إذ إنه بين 195 دولة، التزمت 30 فقط بالعقوبات الأمريكية على روسيا، وذلك يعني أن نحو 165 دولة رفضت الانضمام إلى العقوبات، وتمثل تلك البلدان -إلى حد بعيد- أغلبية سكان العالم، حيث رفضها معظم دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية (بما في ذلك المكسيك والبرازيل) وشرق آسيا (باستثناء اليابان وكوريا الجنوبية، وكلاهما لديهما قوات أمريكية، وبذلك فهي ليست ذات سيادة، إضافة إلى سنغافورة وتايوان)، وتمثل الهند والصين وحدهما 35% من حجم سكان العالم، كما أن هناك 40 دولة تمثل أهدافاً للعقوبات الأمريكية، وهناك أعداد جماهيرية قوية تعارض التكتيكات الاقتصادية "البلطجية" للولايات المتحدة.

وفي قمة مجموعة العشرين الأخيرة، لم ينضم إلى الانسحاب الذي قادته الولايات المتحدة، عندما تحدث مندوب روسيا، سوى ممثلي ثلاث دول من مجموعة العشرين، حيث رفض 80% من هذه الدول ذات الاقتصادات الكبيرة الانضمام إلى واشنطن، وكذلك رفضت إندونيسيا، التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين، محاولة أمريكية لمنع مندوب روسي من حضور اجتماع مجموعة العشرين، في وقت لاحق من هذا العام في بالي، حسب الكاتب.

 

الدول التي انحازت لروسيا لم تعد فقيرة

وقال والش، إن الدول المعارضة للعقوبات الأمريكية في الجنوب العالمي، لم تعد فقيرة كما كانت خلال الحرب الباردة، إذ إنه بين البلدان العشرة الأولى في تعادل القوة الشرائية والناتج المحلي الإجمالي، هناك خمسة لا تؤيد العقوبات، وتشمل: الصين (رقم 1) والهند (رقم 3)، ولذا فإن أول وثالث أقوى الاقتصادات يقفان ضد الولايات المتحدة في هذا الصدد.

ولفت الكاتب إلى أن روسيا تحتل المرتبة السادسة في تلك القائمة، وهي مساوية تقريباً لألمانيا، التي تأتي في المرتبة رقم 5، ما ينفي فكرة أن الاقتصاد الروسي متواضع.

ورأى والش أن هذه المواقف تبدو أكثر أهمية بكثير من أي تصويت للأمم المتحدة، إذ إن مثل هذه الأصوات يمكن أن تفرضها بعض القوة العظمى، لكن ليس لها سوى القليل من الاهتمام في العالم، إلا أن المصالح الاقتصادية للدول ونظرتها إلى الخطر الرئيس في العالم محددان مهمان لكيفية تفاعلها اقتصادياً مع العقوبات.

وأضاف الكاتب أنه عادةً ما يُقال في الغرب إن روسيا معزولة عن العالم نتيجة للأزمة في أوكرانيا، وذلك صحيح إذا كان المرء يتحدث عن دول الأنجلوسفير (تعبير يشير إلى مجموعة من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية والمتشابهة في التراث الثقافي)، لكن بالنظر إلى الإنسانية ككل وللاقتصادات الصاعدة في العالم، فإن الولايات المتحدة هي التي تقف معزولة.

وتابع: "حتى في أوروبا، فإن هناك تصدعات آخذة في الظهور، إذ لم تنضم المجر وصربيا إلى العقوبات، وبالطبع لن تتجنب أغلبية الدول الأوروبية، ولا يمكنها حظر واردات الطاقة الروسية المهمة لاقتصاداتها، ولذا فإنه يبدو أن المخطط الكبير للهيمنة الأمريكية على العالم، الذي نتج عن خوض الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، سواء الباردة أو الساخنة، يواجه عقبة كبيرة".

ونهاية المقال، قال والش: "بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى عالم متعدد الأقطاب، فإن هذا التحول في الأحداث، الناشئ عن المأساة القاسية لحرب الولايات المتحدة بالوكالة في أوكرانيا، يبدو مُرحباً به، لكن لا تزال هناك إمكانية لوجود عالم متعدد الأقطاب أكثر صحة ورخاءً، إذا تمكنا من الوصول إلى هذه النقطة".