المجاعة تهدد الملايين في أفغانستان.. فهل تتناسى أمريكا هزيمتها وتتدخل؟
الأزمات التي تواجهها أفغانستان، يمكن أن تحصد أرواحًا أكثر من التي سقطت خلال عقدين من الحرب، التي سعت فيها الولايات المتحدة إلى هزيمة طالبان وفشلت

ترجمات – السياق
مع دخول الشتاء، يواجه سكان أفغانستان نقصًا شديدًا في الغذاء يقترب من حد المجاعة، ما أدى إلى ارتفاع سريع في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للأفغان.
وقال الصحفي الأمريكي من أصل أرمني، ديفيد إغناتيوس، في تحليل نشرته واشنطن: "كان الأمريكيون كرماء، بعد الانتصارات العسكرية، وهو ما ثبت من خلال المعجزات الاقتصادية، التي أعقبت الحرب في ألمانيا واليابان، لكن من الصعب أن تكون كريماً في حال الهزيمة، وهو ما يراه العالم الآن، في استجابة إدارة الرئيس جو بايدن الحذرة للكارثة الإنسانية في أفغانستان، بعد استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس الماضي.
"تسونامي الجوع"
ويواجه سكان أفغانستان -البالغ عددهم 39 مليون نسمة- اقتصادًا متداعيًا وشتاءً يشهد نقصًا في الغذاء، وفقرًا متناميًا، بعد أشهر من سيطرة طالبان على الحكم، مع انسحاب آخر القوات الأمريكية في نهاية حرب استمرت 20 عامًا.
وحسب برنامج الغذاء العالمي "لا توجد أي نقود داخل المصارف أو بين أيدي المواطنين، لإجراء المعاملات اليومية المعتادة من البيع والشراء، ما يجعل افغانستان على شفا الانهيار الاقتصادي".
وأشار ديفيد إغناتيوس، إلى أن النظام المالي للبلاد انهار بسبب عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية على حركة طالبان، وتقييد التصرف في أموال البنك المركزي، التي تصل إلى نحو 10 مليارات دولار أمريكي.
ونقل عن سعد محسني، الذي تدير مجموعته تلفزيون تولو، أكبر المؤسسات الإعلامية في أفغانستان، قوله: "الأزمات التي تواجهها أفغانستان، يمكن أن تحصد أرواحًا أكثر من التي سقطت خلال عقدين من الحرب، التي سعت فيها الولايات المتحدة إلى هزيمة طالبان وفشلت.
رفع عقوبات
وأوضح ديفيد إغناتيوس، أنه رغم إعلان مسؤولي إدارة بايدن، أن وزارة الخزانة الأمريكية تستعد لتوسيع تراخيص التجارة مع أفغانستان، ما يسهل إرسال المساعدات الإنسانية إليها، فإن العقوبات لم ترفع، ما يعني أن الضغط سيستمر بالنسبة للبنك المركزي الأفغاني والبنوك التجارية، التي عجزت عن توفير السيولة التي تحتاجها البلاد.
كانت وزارة الخزانة الأمريكية، أصدرت سبتمبر الماضي، قرارًا يسمح بتدفق تحويلات الأفراد المالية إلى أفغانستان، وقالت في بيان حينها: القرار ينص على "عدم الوقوع تحت طائلة خرق العقوبات المفروضة على حركة طالبان".
وسمحت واشنطن في أكتوبر الماضي، بتدفق التحويلات المالية للأفراد إلى أفغانستان، بما يشمل المعاملات التي تكون "طالبان" أو "شبكة حقاني"، المدرجتان على قائمة أمريكية سوداء، طرفين فيها.
كما أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصًا يسمح بتلك المعاملات التي تُعد عابرة وضرورية، لمرور تحويلات الأفراد غير التجارية إلى أفغانستان، بما في ذلك عبر المؤسسات الادخارية الأفغانية.
ويوفر ذلك الترخيص الحماية للقائمين بالتحويل، والمؤسسات المالية من العقوبات الأمريكية على طالبان، في وقت تواجه فيه أفغانستان أزمة إنسانية وانهيارًا اقتصاديًا كبيرًا.
وشدد ديفيد إغناتيوس، على أن خطوة الترخيص التي اتخذتها وزارة الخزانة جيدة، لكن ينبغي المزيد، محذرًا من إهدار الكثير من الوقت، بينما تتجه أفغانستان نحو كارثة إنسانية.
أمر مؤسف
وأكد ديفيد إغناتيوس، ضرورة أن تكون المساعدات عاجلة للشعب الأفغاني... "ينبغي أن تكون مساعدة الشعب الأفغاني، أمرًا لا يحتاج إلى تفكير منذ أسابيع".
ووصف إغناتيوس، تأخر مساعدة الشعب الأفغاني من الإدارة الأمريكية، بأنه أمر مؤسف، متهمًا إدارة بايدن بأنها تسير وراء أهواء السياسة، وتنسى الجوهر، في إشارة إلى أن شعور الهزيمة والخروج من هناك، مازال يطغى على عقلية المسؤولين الأمريكيين، رغم الظروف القاهرة التي يعيشها الشعب الأفغاني.
وكشف أن إدارة بايدن لم تستجب إلا بعد بعض الضغوط، مضيفًا: "المراجعة المتواضعة لوزارة الخزانة لسياسة الولايات المتحدة، لم تأتِ إلا بعد أن أرسلت مجموعة من 39 عضوًا في مجلس النواب خطابًا إلى إدارة بايدن، تحثها فيه على تقديم مساعدات إنسانية مباشرة إلى الشعب الأفغاني".
كان العديد من المحاربين القدامى في أفغانستان والعراق، الذين يخدمون في الكونغرس، أرسلوا خطابًا إلى البيت الأبيض، يطالبون فيه بتسريع مهام المساعدات إلى الشعب الأفغاني، وكتبوا في خطابهم: "لا أحد يستفيد من دولة فاشلة في أفغانستان".
مساعدات بطيئة
وقال ديفيد إغناتيوس، إن منظمات المعونة العالمية، كانت بطيئة أيضًا في إرسال مساعداتها إلى أفغانستان، مشيرًا إلى أن ذلك يرجع جزئيًا إلى أنها كانت تحذو حذو الولايات المتحدة.
كان البنك الدولي أعلن في 10 ديسمبر أنه بحلول نهاية العام، وكخطوة أولى، سيصرف 280 مليون دولار من الصندوق الاتئماني لإعادة إعمار أفغانستان إلى وكالتين تابعتين للأمم المتحدة "اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي" لتقديم المساعدة الإنسانية للشعب الأفغاني.
وأوضح ديفيد إغناتيوس، أن آخر مشروع رسمي للبنك الدولي بشأن أفغانستان، كان في موقعه على الإنترنت، خطة 30 يونيو 2021، من أجل "تحفيز الإصلاحات في مكتب المدعي العام"، وهو ما يكشف البطء في تقديم المساعدات العينية للشعب الأفغاني.
أما صندوق النقد الدولي -حسب الكاتب- فقد صدر آخر تصريح رسمي له بشأن أفغانستان، من المتحدث باسم الصندوق جيري رايس في سبتمبر الماضي، قال فيه: "مشاركتنا مع أفغانستان عُلقت حتى يكون هناك وضوح من المجتمع الدولي، بشأن الاعتراف بحكومة طالبان الجديدة"، موضحًا أن ذلك يعني أن أفغانستان لم تكن قادرة على الوصول إلى مساعدات صندوق النقد الدولي طوال الفترة الماضية.
حرب سامة
ووصف إغناتيوس، الحرب في أفغانستان، بأنها كانت "سامة، بالنسبة لإدارة بايدن وكل الإدارات السابقة"، مشيراً، إلى أن "طالبان والقاعدة كانتا الهدفين من الحرب هناك، لكن المدنيين هم الذين دفعوا الثمن.
وأضاف: "أسمع الغضب في صوت محسني، عندما أرسل لي رسالة نصية تفيد بأن تردد الإدارة الأمريكية وافتقارها للقيادة أمر مخزٍ"، مشيراً إلى أنها "تقصر في أداء واجبها وتتخلى عن التزام بمصير أمة، بحاجة إلى الكثير من المساعدة، بينما يجب أن يكون الكرم فضيلة أمريكية في أوقات النجاح أو الفشل".