هل تراجع نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط؟
يشير العديد من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، إلى أن أزمة سقوط حكومة كابل في أفغانستان، وصعود النفوذ الإيراني في العراق، يلقيان بظلال من الشك على استعداد أمريكا للبقاء، كقوة عظمى في الشرق الأوسط.

ترجمات - السياق
أصبح من الشائع أن نقرأ أو نسمع من المحللين والخبراء، أن موقف أمريكا في الشرق الأوسط تراجع بشكل كبير، لدرجة أن البعض يرون أن النفوذ الأمريكي هناك في طريقه للانتهاء، لكن هل فعلًا النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط أقل مما كان عليه؟
تقول مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إن تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، جاء بعد مواقف تبنتها واشنطن في السنوات الأخيرة، أبرزها الانسحاب من أفغانستان وانهيار الحكومة التي كانت تدعمها هناك، وانتهاء العمليات القتالية لها في العراق، والبصمة الصغيرة المتبقية لها في سوريا، إلى جانب عدم قدرتها على إحداث تغيير سياسي ذي مغزى هناك، إضافة إلى علاقاتها المتدهورة بتركيا.
وأشارت إلى أن فترة ما بعد 11 سبتمبر، عندما تدخلت الولايات المتحدة عسكريًّا، وشكّلت حكومات جديدة في أفغانستان والعراق، ثم أملت لاحقًا دعم التغيير الإيجابي في ليبيا وسوريا، كانت استثنائية، حيث كانت تملك -أو بدا أنها تملك- نفوذًا أكبر بكثير من الآن.
مقارنة نسبية
ولتوضيح الفوارق النسبية، بين ما كانت عليه الولايات المتحدة والآن، قالت المجلة: رغم أن هذه المواقف تشير إلى أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، أصبح أقل مما كان عليه، فإنها أجرت مقارنة بين نفوذ واشنطن في المنطقة الآن وما كان عليه قبل أربعين عامًا، في ذروة الحرب الباردة عام 1981، واستنتجت أن الوضعين متشابهان بشكل ملحوظ.
وأضافت المجلة: "مقارنة موقف أمريكا بما كان عليه عام 1981 مسألة تعسفية نوعًا ما، إذا قارنا اليوم بـ1974 بدلًا من 1981، كانت إيران ستصبح على قائمة حلفاء الولايات المتحدة، وهي الآن ليست كذلك.
لكن إذا قارنا اليوم بـ1971، لن تصبح مصر على قائمة حلفاء واشنطن، بل على قائمة موسكو، ما يوضح أن عصر الحرب الباردة مثل العصر الحالي، حيث كان كسب الحلفاء وخسارتهم أمرًا طبيعيًّا.
النفوذ الروسي
وحسب "ناشيونال إنترست" يشير كثيرون ممن ينتقدون فقدان النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، إلى تنامي النفوذ الروسي هناك، إلا أنه مقارنةً بالماضي، فإن عودة روسيا ليست مثيرة للإعجاب.. ففي عام 1981، كان الاتحاد السوفييتي، القوة العظمى ذات النفوذ السائد في سوريا والعراق وجنوب اليمن وليبيا وأفغانستان، كما كان لديه علاقات أوثق بكثير مع الجزائر واليمن الشمالي مقارنة بالولايات المتحدة.
أما الآن، وعلى النقيض، فتشارك روسيا نفوذها مع إيران في سوريا ومع تركيا وآخرين في ليبيا، ولها تأثير محدود فقط في أفغانستان والعراق.
وأوضحت أنه قد يرى البعض، العلاقات المتنامية التي طورتها موسكو وبكين مع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، شيئًا يجب أن تقلق واشنطن منه، مشيرة إلى أنه خلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفييتي يحاول بنشاط إضعاف أو حتى إطاحة الحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة، بينما الآن، تريد روسيا والصين العمل مع حكومات الشرق الأوسط المتحالفة مع الولايات المتحدة، وليس إضعافها.
وأضافت المجلة الأمريكية: "في الواقع، يبدو أنه لا روسيا ولا الصين تحاول إقناع حكومات الشرق الأوسط، بإنهاء تحالفاتها مع الولايات المتحدة والتحالف مع أي منهما أو كليهما، كما لا يبدو أن أياً من القوى المتنافسة العظمى لأمريكا، حريص على استبدال الولايات المتحدة كضامن أمني لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط".
وأشارت إلى أنه قد يكون اضطرار واشنطن إلى التنافس مع موسكو وبكين، على مبيعات الأسلحة وصفقات النفط والاستثمارات مع حلفاء أمريكا، أمرًا مزعجًا، لكن هذه مشكلات أقل خطورة بكثير من الاضطرار إلى مواجهة الجهود السوفيتية، لإضعافها أو إطاحتها.
أما عن تراجع العلاقات التركية الأمريكية، فترى المجلة، أن مسألة أن تحالف تركيا مع الولايات المتحدة أصبح أضعف، لا يعني أنها أصبحت حليفاً لروسيا، وذلك رغم شراء أنقرة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400 رغم اعتراضات واشنطن القوية.
قوة مهيمنة
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أن رؤية الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط، ترسخت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لما بدا للوهلة الأولى أنها تدخلات أمريكية ناجحة، في أفغانستان ثم العراق.
وأشارت إلى أنه رغم عدم استمرار هذه التدخلات -في العراق وأفغانستان- حتى الآن، لا يزال لدى واشنطن الحلفاء أنفسهم في الشرق الأوسط، الذين كانوا قبل أربعين عامًا، مضيفة: "يمكن لأمريكا أن تظل قوة عظمى في الشرق الأوسط إذا كانت تريد ذلك".
يشير العديد من حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، إلى أن أزمة سقوط حكومة كابل في أفغانستان، وصعود النفوذ الإيراني في العراق، يلقيان بظلال من الشك على استعداد أمريكا للبقاء، كقوة عظمى في الشرق الأوسط.
لكن قبل أربعين عامًا، أثار الحلفاء أنفسهم مخاوف مماثلة بشأن كيفية انسحاب أمريكا من شبه الجزيرة الهندية الصينية عام 1973 و(سماحها) بسقوط نظام الشاه في إيران عام 1979، ما ألقى بظلال من الشك على التزام واشنطن تجاه حلفائها الآخرين، غير أن أمريكا لم تغادر الشرق الأوسط في ذلك الوقت، ولن تتركه الآن أيضًا".