هل ينجح داعش خراسان في التقريب بين أمريكا وطالبان؟
داعش خراسان عدو لدود لطالبان، إذ يرى التنظيم أن طالبان مجموعة من الذين تخلوا عن الدعوة العليا للخلافة العالمية، في سعيهم لتحقيق هدفهم الخاص بحُكم أفغانستان

ترجمات - السياق
يشكل تنظيم داعش خراسان، الذي يقف وراء التفجير الإرهابي، الذي استهدف مطار كابل الخميس، وأدى إلى مقتل 13 جنديًا أمريكيًا، تحديًا كبيرًا لحركة طالبان الأفغانية، ولغزًا للجهود الأمريكية للحفاظ على استقرار البلاد.
وقال جوناثان شرودين، مدير برنامج مكافحة التهديدات والتحديات في CNA، وهي منظمة بحث وتحليل غير ربحية مقرها فيرجينيا، إن الهجوم الإرهابي على مطار كابل، جاء بالتزامن مع تولي طالبان حُكم البلاد.
وفي أول رد فِعل، اتهم الرئيس جو بايدن تنظيم داعش خراسان، بالوقوف وراء التفجير، قائلًا في خطاب ألقاه إلى الأمة: إن أمريكا ستلاحق الجناة، بينما ألقت طالبان باللوم على الولايات المتحدة، ليس في التفجير، ولكن لفشلها في الحفاظ على أمن المطار، قائلة إن القصف "وقع في منطقة تتولى فيها القوات الأمريكية مسؤولية الأمن".
ويضيف شرودين، في مقاله بصحيفة بوليتيكو الأمريكية، أن حركة طالبان تدَّعي الآن أنها تمثِّل حكومة أفغانستان التي تتولى السُّلطة، لذلك إذا أرادت المجموعة كسب احترام واسع من الأفغان والمجتمع الدولي للمضي قدمًا، فإنها تواجه تحديًا كبيرًا، في حماية الأفغان والأجانب على حد سواء، من الهجمات الإرهابية، إذ إنه لم يعد بإمكانها فقط إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في الأزمة التي تعانيها البلاد، خصوصًا أن الهجوم على المطار قدَّم معاينة فورية لمدى صعوبة ذلك.
شوكة في ظهر طالبان
وأوضح شرودين، أن تنظيم داعش خراسان، كان شوكة في خاصرة طالبان لسنوات، إذ تُعرف الحركة رسميًا باسم "الدولة الإسلامية – خراسان"، وهي موجودة منذ عام 2015، وتشكلت في البداية، بسبب انشقاق أعضاء ساخطين، من مختلف الجماعات الجهادية الأخرى في المنطقة، بما في ذلك بعض الأعضاء السابقين في حركة طالبان.
وقال إن المجموعة جمعت في البداية آلاف الأتباع، واستولت على بعض المناطق الصغيرة شرقي وشمالي البلاد، وفي السنوات التي تلت ذلك، تراجع حجم الجماعة ومكانتها، بسبب الضغط المستمر من الولايات المتحدة وقوات الأمن الأفغانية والباكستانية، وكذلك طالبان.
ونقل الكاتب، عن أحد المصادر السِرية الأمريكية قوله، إن الولايات المتحدة قتلت نحو "ثلث" القوة البشرية لداعش منذ عام 2015 حتى الآن، إذ فقدت المجموعة أربعة أمراء بين الأسر والموت في عمليات نفَّذتها القوات الأمريكية والأفغانية، بينما تقدِّر التقارير أنه خلال عام 2019، قُتل 11700 مسلَّح من تنظيم داعش خراسان، وأسر 686 منهم، واستسلم 375.
وعلى مدى عام 2020 حاول تنظيم داعش خراسان، إعادة بناء قواته بعد هذه الخسائر الفادحة، لكن هذه الجهود قوبلت بنتائج متباينة، ويرجع ذلك إلى التعاون الضمني بين الجيش الأمريكي وقوات طالبان، في محاولة لتفكيك الجماعة. حسب قول الكاتب.
أما اليوم فيُقدَّر أن لدى داعش خراسان، بضعة آلاف من المقاتلين تحت تصرفها، ورغم تدهورها فإنها لم تهزم، بحسب الكاتب، مشيرًا إلى أن هذه التقديرات قد تحتاج إلى مراجعة، استنادًا إلى تقارير عن آلاف السجناء من داعش خراسان، هربوا من المؤسسات العقابية الأفغانية، في أعقاب سيطرة طالبان.
الساخطون على طالبان
وعن شبكة تحالفاتها، يوضح الكاتب، أن صمود الحركة ينبع من الدرجة العالية لدوافع أعضائها، وشبكة تحالفاتها مع الجماعات الجهادية الأخرى، التي تقدِّم المساعدة لداعش وتضاعف نفوذها، فضلًا عن جاذبيتها لأعضاء طالبان الساخطين وغيرهم من المقاتلين (خاصة من باكستان، إلى جانب قدرتها على تجنيد أفراد من خارج أفغانستان وباكستان، بما في ذلك الهند، إذ يتمثَّل أحد الأصول الرئيسة للجماعة، في قدرتها على جذب تدفق مستمر من القادة والمقاتلين ذوي الخبرة، من المجموعات المحلية الأخرى، الذين يعرفون المنطقة جيدًا وكيفية البقاء على قيد الحياة فيها.
ويتابع الكاتب: قبل بدء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كان هناك إجماع على أن داعش خراسان يمثِّل تهديدًا خارج حدود أفغانستان أيضًا ، مع نية لشن هجمات على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، مشيرًا إلى أنه الجهود المشتركة للولايات المتحدة وغيرها -على مدى السنوات الخمس الماضية- تركت المجموعة من دون القدرة على القيام بذلك، ومع ذلك، أشارت تقديرات المخابرات الأمريكية، إلى أنه إذا تمت إزالة ضغوط مكافحة الإرهاب، فقد تعيد الجماعة تشكيل قدرتها على مهاجمة الولايات المتحدة مباشرة، في غضون 18 إلى 36 شهرًا.
ولذا يأتي تفجير المطار، ليكشف أن داعش خراسان -رغم كونه أقل قوة مما كان عليه- فإنه لا يزال يحتفظ بالقدرة على شن هجمات مروِّعة، حتى داخل حدود العاصمة الأفغانية.
ويقول شرودين: إنها تفعل ذلك لأغراض إرهابية بحتة -بذبح أولئك الذين تعتبرهم غير جديرين بالخلاص- وكذلك لأغراض عملية، وتهدف مثل هذه الهجمات، إلى تعزيز مزاعم الجماعة بأنها "الأنقى" بين الجماعات المتطرفة، وكذلك لتعزيز جهودها في التجنيد وتوسيع صفوفها.
عدو طالبان
ويؤكد الكاتب، أن داعش خراسان عدو لدود لطالبان، إذ يرى التنظيم أن طالبان مجموعة من الذين تخلوا عن الدعوة العليا للخلافة العالمية، في سعيهم لتحقيق هدفهم الخاص بحُكم أفغانستان، بل ويصفهم التنظيم بـ "القوميين القذرين".
ويضيف، أنه بالنسبة لطالبان، يمثل داعش خراسان أحد تحديين داخليين مباشرين لسُلطته كحكومة أفغانستان الجديدة (الآخر هو جبهة المقاومة الوطنية)، بينما بالنسبة للولايات المتحدة، يمثِّل تنافس المجموعة مع طالبان، فرصًا وتحديات.
ووفقًا لرئيس القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، فإن الولايات المتحدة تزوِّد طالبان بمعلومات استخبارية عن تهديدات داعش في كابل منذ 14 أغسطس، قائلًا "نعتقد أن بعض الهجمات تم إحباطها من قِبَلِهم".
ويشير الكاتب، إلى إن إحدى الفرص للقضاء على التنظيم، البناء على علاقة التعاون في مكافحة الإرهاب هذه -بين طالبان وواشنطن- واعتبار داعش خراسان عدوًا مشتركًا.
ومع ذلك -يضيف الكاتب- فإن التحدي الأكبر هو إلى أي مدى ينبغي المضي في هذا التعاون، بالنظر إلى المخاطر السياسية والتشغيلية، فعلى سبيل المثال، أدى تقديم الولايات المتحدة لطالبان لأسماء عدد من الأمريكيين والأفغان، من أجل السماح لهم بالمرور عبر نقاط التفتيش التابعة لطالبان، إلى إثارة ضجة سياسية في الداخل، حيث ادَّعى منتقدون أن مثل هذا الإجراء، سيضع هؤلاء الأفغان في مواجهة طالبان.
إيذاء أمريكا
أما التحدي الآخر فهو علاقة طالبان التعاونية بالجماعات الجهادية الأخرى، وربما منها داعش خراسان، وأبرزها من وجهة نظر الولايات المتحدة، تنظيم القاعدة، الذي يحتفظ بوجود صغير في أفغانستان وعلاقات وثيقة بطالبان، من غير المحتمل أن تقطعها أي من المجموعتين في وقت قريب.
وتواجه إدارة بايدن خيارًا صعبًا في ما يتعلَّق بمواصلة التعاون المحدود لمكافحة الإرهاب مع طالبان، مع التركيز على داعش خراسان، إذ أظهرت حركة طالبان، استعدادًا وقدرة على محاربة هذه المجموعة الإرهابية بشكل فعال.
ويشير الكاتب، إلى أن الإضافة المحتملة من المئات، وربما الآلاف، من السجناء الهاربين إلى صفوف داعش خراسان، تمنح التنظيم فرصة أكبر للتطور، وتجعل مواجهته أكثر صعوبة، فضلًا عن أنه لديه القدرة على رفع مستوى التهديد إلى أبعد من ذلك، بالنسبة للولايات المتحدة.
وختم شرودين مقاله بجزء من حديث بايدن إلى الأمة الأمريكية عقب هجوم المطار، إذ قال: لن نسامح، ولن ننسى"، وأضاف الكاتب: "لعقود عدة، ألحقت طالبان الضرر بأمريكا، ورغم أن بايدن لن يغفر لطالبان ذلك، فإن السؤال الذي يواجهه الرئيس الأمريكي الآن: هل هو مستعد لنسيان الماضي، والعمل مع الجماعة ضد داعش خراسان، وهو عدو يتمنى إيذاء أمريكا وطالبان؟".