فورين بوليسي: هل يمكن للغرب أن يجعل طالبان معتدلة؟
طالبان تبدو حاليًا في وضع جيوسياسي واقتصادي، مشابه لما كانت عليه خلال فترة حُكمها الأولى، أواخر تسعينيات القرن الماضي، من خلال الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي والمساعدات الباكستانية

ترجمات - السياق
عادة ما تعج مؤسسات السياسة الخارجية في واشنطن، بتحليلات كافية عن قادة العالم الجدد، لكن التقارير عن طالبان مازالت نادرة، إذ لا يزال المراقبون يحاولون تخمين ما إذا كانت المجموعة التي استولت الآن على أفغانستان "دنيوية ومتسامحة" أم لا ؟ وما إذا كان الغرب يستطيع فِعل أي شيء، للتأثير في سلوكها العنيف أم لا؟
وذكرت مجلة فورين بوليسي، أن تصرفات طالبان، ستجيب بشكل قاطع عن هذه الأسئلة، لكن حتى ذلك الحين، يمكن للرؤى من العلوم السياسية، أن تساعد في تقديم تنبؤات أو توقعات لا أكثر.
وقالت ديشا جيرود، الأستاذة المشاركة بجامعة جورج تاون، في تحليل بالمجلة، إنها نشرت عام 2015، كتابًا عن سبب قيام بعض القادة، بإعادة بناء اقتصادي ناجح لبلدانهم، وعدم فعل البعض الآخر ذلك، فقد سلَّط هذا البحث الضوء على ثلاثة أسئلة تجريبية، يمكن أن توضح كيف من المرجَّح أن تتصرف طالبان، وما إذا كان الغرب سيكون له أي نفوذ على الجماعة، إذ تشير الإجابات إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها، لهم اليد العليا الآن، وأنهم بدأوا يدركون كيفية استخدامها.
البقاء السياسي
واوضحت الكاتبة، أن القادة يميلون في الغالب إلى تفضيل البقاء السياسي على كل شيء آخر، خاصة في البلدان التي تعاني ضغوطًا سياسية واقتصادية، إذ يكون خطر الانقلاب متوقعًا في أي وقت، ومن ثم فإنه لتوطيد السُّلطة، يحتاج القادة إلى المال بأقصى بسرعة.
وأشارت جيرود، إلى أن القادة في مثل هذه الدول، يكونون بحاجة ماسة إلى تمويل شبكات المحسوبية، والقدرة العسكرية لردع الخصوم، وإذا لزم الأمر هزيمتهم، كما يحتاجون أيضًا إلى تجهيز حراس الأمن الشخصي، خشية أن ينقلب الجيش عليهم، ومن ثم فإن أسهل مصدر للدخل، الإيرادات من الموارد الطبيعية ذات الربحية العالية، التي تتطلَّب الحد الأدنى من العمالة (النفط) أو رأس المال للتعدين.
وتضيف: أما البديل التالي الأفضل للقادة، الذين ليس لديهم أموال من ريع الموارد، فهو المساعدة من الجهات المانحة، التي لها مصلحة جيوسياسية في البلاد، إذ تشبه هذه المساعدة إيجارات الموارد، لأن الجهات المانحة تعطي الأولوية لدعم المتلقي على التنمية أو الديمقراطية.
على سبيل المثال، ربما سعت الولايات المتحدة، إلى نشر الديمقراطية خلال الحرب الباردة، لكن تأمين الولاء من متلقي المساعدات كان أكثر أهمية، ونتيجة لذلك، نظرت الولايات المتحدة بعيدًا عندما قمع متلقو المساعدات المخلصون، مثل موبوتو سيسي سيكو من جمهورية الكونغو الديمقراطية، شعوبهم.
تلقي المساعدات
وترى جيرود في تحليلها، أن حروب أمريكا بعد 11 سبتمبر، وحملات مكافحة الإرهاب على نحو مماثل، حوَّلت البلدان في جنوب الكرة الأرضية -خاصة أفغانستان- إلى متلقين مهمين استراتيجيًا للمساعدات، ونتيجة لذلك، عادت ديناميكيات المساعدة للحرب الباردة، وبذلك يمكن للحكومات الأفغانية المتعاقبة منذ عام 2001 تجنُّب الإصلاح المكلف سياسياً، لأن واشنطن لن تفرض الشروط وتخاطر بانهيار الحكومة.
باختصار -تضيف الكاتبة- لا يمكن لواشنطن أن تهدِّد بمصداقية بسحب مساعداتها، كما ذكر سفير أمريكي سابق في أفغانستان عام 2008: "الحجة القائلة إننا يمكن أن ننسحب من أفغانستان، إذا لم يفعل (الرئيس الأفغاني آنذاك حامد كرزاي) ما نقوله، حجة غبية."
وتتابع: لنفترض أن قائدًا ما يفتقر إلى الوصول إلى الأموال من الموارد الطبيعية، أو الجهات المانحة ذات المصالح الاستراتيجية، في هذه الحالة، يكون ثالث أفضل بديل هو الأموال من المانحين، من دون مصلحة استراتيجية في الحكومة -أي المساعدة من الجهات المانحة التي تكون الديمقراطية أو التنمية على رأس أولوياتها- إذ إنه على عكس الجهات المانحة للمساعدات الاستراتيجية، يمكن للجهات المانحة للمساعدات غير الاستراتيجية، أن تهدِّد بشكل موثوق بالانسحاب، إذا فشل المتلقي في تحقيق أهداف الرعاية الاجتماعية.
مقبرة الإمبراطوريات
في حالة طالبان، توضح جيرود، أنه بالنظر إلى الأنماط التاريخية، فإن السؤال الأول عن طالبان هو: هل بإمكانهم الوصول إلى ريع الموارد الطبيعية المربحة؟ لأنهم إذا فعلوا ذلك، يمكنهم تجاهل المطالب الأجنبية والتراجع عن ريع مواردهم لتمويل بقائهم السياسي (والمادي).
وتضيف: تمتلك أفغانستان ما يصل إلى تريليون دولار من الثروة المعدنية، لكن الكثير منها لا يزال في باطن الأرض، وبذلك ليس متاحًا بشكل مباشر، ومع ذلك، فإن ريع الأفيون والاقتصاد غير الرسمي بشكل عام، يمكن أن يحمي طالبان من نقص الدعم الأجنبي، على الأقل في المدى القصير.
وتساءلت الكاتبة عما إذا كانت أفغانستان ذات أهمية استراتيجية للقوى الكبرى، مشيرة إلى أن ما لا يمكن إنكاره، هو أن طالبان ذات قيمة جيوسياسية لباكستان، ونتيجة لذلك، تتلقى الحركة تمويلًا كبيرًا واستخباراتية وخبرة عسكرية من الحكومة الباكستانية، لكن يبدو أن هذا هو مدى الدعم الخارجي لطالبان، إذ ينظر الغرب والصين إلى أفغانستان على أنها فخ استراتيجي.
ورغم أن الصين أدرجت أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق -مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم- فإن الاستثمارات الصينية فشلت في تحقيق العوائد المتوقَّعة، لأن أفغانستان كانت غير مستقرة للغاية.
وتشير إلى أنه مع العِلم أن أفغانستان "مقبرة الإمبراطوريات"، إلا أن الصين قد تحسب أن الاستثمار لا يستحق تكاليف الأمن، بينما قد تساعد روسيا طالبان وتضغط عليها لهزيمة تنظيم داعش شمالي أفغانستان، بالقرب من المصالح الإقليمية الروسية، كما قد تحاول روسيا أيضًا إجبار طالبان، على إبطاء تهريب المخدرات، وهو مصدر قلق طويل الأمد لموسكو، لكنها قد لا تتورَّط بشكل أكثر عمقًا في ضوء تاريخها في أفغانستان.
الخلاصة
وقالت الكاتبة، إن طالبان تبدو حاليًا في وضع جيوسياسي واقتصادي، مشابه لما كانت عليه خلال فترة حُكمها الأولى، أواخر تسعينيات القرن الماضي، من خلال الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي والمساعدات الباكستانية، ومع ذلك ، فإن هيكل الدعم هذا لم يكن كافياً لبقائهم السياسي والمادي عام 2001 -بعد التدخل الأمريكي- وهو ما يثير السؤال الثالث: إلى أي مدى تنظر طالبان إلى استراتيجيتها الأصلية للبقاء السياسي منذ تسعينيات القرن الماضي على أنها خطأ يجب تجنُّب تكراره؟
وتشير الكاتبة إلى أنه إذا لم تنظر طالبان إلى ذلك على أنه خطأ، فمن المرجَّح أن تعود الجماعة إلى الحُكم الذي يمقته الغرب، ولكن إذا نظرت طالبان إلى الاستراتيجية الأصلية على أنها خطأ، يجب أن يكون للغرب نفوذ كبير، وتابعت: "بعبارة صريحة، ستحتاج طالبان إلى الغرب أكثر مما يحتاجها الغرب".
وتضيف: إذا قرر المانحون الغربيون التعامل مع طالبان، فإن شروط السياسة المرتبطة بالمساعدات، يجب أن تكون خلاقة وعملية، ومبنية على حُكم طالبان أثناء الحرب، لأنه على مدى العقد الماضي، كانت حركة طالبان براغماتية، لذلك يشير الخبراء إلى أن "صُنع السياسات كان مدفوعًا بالضرورة العسكرية والسياسية"، ففي بعض المجتمعات، سمحت طالبان للفتيات بمواصلة الدراسة، وسمحت للمنظمات غير الحكومية بتقديم الخدمات الأساسية، وقد فعلت كل ذلك، في محاولة لكسب الدعم المحلي.