داعش خراسان منفِّذ هجوم مطار كابل... هل يقوِّض حكم طالبان؟
تنظيم داعش خراسان... العدو اللدود لطالبان يقض مضاجعها

السياق
هجوم انتحاري مزدوج، نفَّذه تنظيم داعش الإرهابي الخميس، قرب مطار كابل، حيث احتشد الآلاف، أسفر عن مقتل وإصابة المئات، بينهم عسكريون أمريكيون، بينما تعهد الرئيس جو بايدن بـ«مطاردة» منفِّذيه.
الهجوم الدموي، الذي نفَّذه انتحاريان وسط حشد من الأفغان، الذين كانوا يحاولون دخول مطار كابل، وأدى إلى مقتل 72 مدنيًا و13 عسكريًا أمريكيًا و28 من حركة طالبان، أول اعتداء تشهده كابل، منذ سقوطها في أيدي حركة طالبان في 15 أغسطس.
ورغم وقوع الهجوم، قبيل أيام من الموعد المحدَّد لإنجاز القوات الأمريكية انسحابها من أفغانستان في 31 أغسطس الجاري، فإنه يشير –بحسب مراقبين- إلى المتاعب التي تنتظر حركة طالبان المسلَّحة، من فرع تنظيم داعش الإقليمي (داعش خراسان) الذي خطَّط منذ فترة طويلة، لشن هجمات على القوات الأمريكية، إلا أن تلك الخطط ستتحول ضد الحركة المسلَّحة.
فمَنْ "داعش خراسان"؟ ومتى تأسس؟ وهل يستطيع زعزعة حُكم طالبان؟ وما شكل العلاقة بين تنظيم داعش وحركة طالبان؟... «السياق» تجيب عن تلك الأسئلة في هذا التقرير.
مَنْ هو «داعش خراسان» أو ISIS-K؟
هو فرع من فروع تنظيم داعش، تلك الجماعة التي أسست ما سمتها دولة الخلافة في سوريا والعراق عام 2014، ونفَّذت هجمات إرهابية في دول عدة.
ويشير الحرف K في ISIS-K إلى ولاية خراسان شرقي أفغانستان، حيث يوجد مقر الجماعة التي تأسست عام 2015، وتعمل كفرع تابع لـ«داعش» في أفغانستان وباكستان.
وبحسب «وول ستريت جورنال»، كان بين أعضاء الحركة، التي شنَّت في أبريل 2015 هجمات دامية في أفغانستان، ساخطون من طالبان الأفغانية ونظيرتها الباكستانية.
تلقى التنظيم دعمًا من القيادة الأساسية لـ«داعش» في العراق وسوريا، وفقًا لتقرير عام 2018 الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).
وقال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: مع خسارة تنظيم داعش للأراضي، تحوَّلت القيادة بشكل متزايد إلى أفغانستان، كقاعدة لخلافة عالمية.
وبحسب المركز، فإن شهاب المهاجر، هو الزعيم الحالي لتنظيم داعش في خراسان، الذي تقدَّر قواته بما بين 1500 و2000 مقاتل في أفغانستان.
تكتيكات عنيفة
وفي مقطع فيديو بُث عام 2015، تعهد زعيم التنظيم في ذلك الوقت، حافظ سعيد خان، وقادة كبار آخرون بالولاء لأبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش آنذاك، وأعلنوا أنفسهم مديرين لمنطقة جديدة لـ«داعش» في أفغانستان.
وكان الفرع الإقليمي يحكم بتفسير صارم للشريعة الإسلامية، واستخدم تكتيكات إنفاذ عنيفة، مثل تنفيذ عمليات إعدام علنية، وقتل شيوخ القبائل وإغلاق المدارس، وفقًا لمركز الأمن والتعاون الدولي في جامعة ستانفورد.
إلا أنه عام 2016 قُتل خان خلال هجوم بطائرة مسيرة أمريكية، بينما قُتل البغدادي عام 2019 بعد أن فجَّر سترة ناسفة خلال غارة للقوات الأمريكية، في ضربة عنيفة للتنظيم الناشئ.
وعام 2017، أمر الرئيس السابق دونالد ترامب، الجيش الأمريكي بإسقاط أكبر قنبلة تقليدية في الترسانة الأمريكية، GBU-43/B، المعروفة أيضًا باسم «أم جميع القنابل»، على الكهوف التي يستخدمها «داعش» شرقي أفغانستان.
ووفقًا للمحللين الذين يتتبعون الحركة، جنَّد تنظيم داعش خراسان أيضًا بشكل مكثف، مسلَّحين في المساجد والمدارس الباكستانية، وشنَّ سلسلة من الهجمات المميتة في كابل، استهدفت في المقام الأول، أعضاء من أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان.
وتشمل هذه الهجمات، وفقًا للولايات المتحدة، هجومًا شنَّه مسلَّحون على جناح للولادة في كابل عام 2020، أسفر عن مقتل 24 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال.
وبحسب موقع وتلفزيون «إن بي آر»، فإن «داعش خراسان» خطَّط منذ فترة طويلة، لشن هجمات على أمريكيين وآخرين، وذلك أحد الأسباب التي جعلت الرئيس بايدن، يقول إنه يريد تحديد موعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
من جانبه، قال سيث جونز، المتخصِّص في شؤون أفغانستان في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لقناة «NPR's All Things Consigned»: لقد أرسل تنظيم داعش ممثِّلين إلى باكستان وأفغانستان، كانوا قادرين على استمالة بعض الطالبان الباكستانيين الساخطين، وعدد قليل من أعضاء طالبان الأفغانية، للانضمام إلى قضيتهم».
ما شكل العلاقة بين «داعش» وحركة طالبان؟
يقول موقع «إنسايدر» الأمريكي، إن «طالبان وداعش عدوان لدودان ويقاتلان منذ سنوات»، مشيرًا إلى أن تنظيم داعش في خراسان، ينظر إلى طالبان على أنهم مرتدون، وليسوا متدينين بما فيه الكفاية، في ما يتعلق بنهجها تجاه الإسلام.
ويقول جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن «هدفهم حقًا هو إقامة إمارة إسلامية، وهم منافس لكل من القاعدة وطالبان».
فالجماعتان تقاتلان من أجل الموارد والأراضي، بحسب مركز ستانفورد، الذي قال إن العداء بين الجماعتين، نشأ من الخلافات الأيديولوجية والتنافس على الموارد، فـ«داعش» يتهم طالبان باستخلاص شرعيتها من قاعدة عِرقية وقومية ضيقة، وليس من عقيدة إسلامية عالمية.
وتقول وكالة أسوشيتد برس: بينما سعت طالبان إلى التفاوض مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، تحوَّل العديد من المعارضين للمحادثات، إلى تنظيم داعش الأكثر تطرفاً.
ما حجم تهديد داعش في أفغانستان؟
اعتبارًا من عام 2017، قدَّر الجيش الأمريكي أنه قتل 75% من مقاتلي تنظيم داعش، بما في ذلك بعض كبار قادته.
إلا أن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أحصى ما يقرب من 100 هجوم نفَّذتها الجماعة في أفغانستان وباكستان بحلول عام 2018، ومئات الاشتباكات مع القوات الأمريكية أو الأفغانية أو الباكستانية.
ويعتقد مراقبو عقوبات الأمم المتحدة، أن للتنظيم نحو ألفي مقاتل شرقي وشمالي أفغانستان، لكنهم أشاروا أيضًا إلى أن أنه اضطر إلى «اللامركزية» بعد خسائر فادحة في الأراضي.
لكن في إفادة للبنتاغون، في أعقاب هجمات الخميس، قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، إن «التهديد من داعش حقيقي للغاية» وإن هناك تهديدات نشطة أخرى ضد المطار في كابل.
وبحسب خدمة أبحاث الكونغرس، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات البارزة، بما في ذلك تفجير مدرسة للفتيات في كابل.
لكن هجمات الخميس قد تكشف أيضًا ثغرات في قدرات طالبان، قال عنها جونز: «ما يظهره هذا بالمناسبة هو أن قدرات طالبان في مكافحة التجسس والإرهاب، محدودة إلى حد ما، ولم تتمكن من تحديد أو وقف الهجوم».
وتقول صحيفة نيويورك تايمز: إن قادة داعش خراسان، نددوا باستيلاء طالبان على أفغانستان، مشيرة إلى أن للتنظيم الأول مصلحة في شن هجمات، من شأنها إحداث الفوضى وإحراج طالبان، وتجعل من الصعب على الجماعة المسلَّحة، إحكام قبضتها على أفغانستان.
ففوز طالبان يفرض ضغوطًا على داعش، لإثبات علاقتها المستمرة بالجهاد العالمي، الأمر الذي سيجعل داعش أكثر خطورة، حيث تحاول إثبات قدرة التنظيم وأهميته، بحسب جينيفر كافاريلا، زميلة الأمن القومي في معهد دراسات الحرب.
وأضافت كافاريلا، في تصريحات لموقع «إنسايدر»، إن «الهجمات المدهشة في أفغانستان ومحاولات شن مثل هذه الهجمات في الغرب، مرجَّحة بشكل كبير في الأسابيع والأشهر المقبلة»، مشيرة إلى أن «داعش ستحاول تقويض حُكم طالبان ومهاجمة شرعيتها الدينية على الأرض».
وقالت إن «تنظيم داعش خراسان كافح من أجل الحصول على موطئ قدم كبير في أفغانستان، لكنه لا يزال يمثِّل تهديدًا قويًا، وواحدًا من أهم المنتسبين إلى تنظيم داعش العالمي».
التقلبات الحالية
وافقت أميرة جادون، الأستاذة المساعدة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت، على ذلك قائلة لموقع «إنسايدر»: إن داعش «ستسعى إلى استغلال التقلبات الحالية في أفغانستان لشن هجمات، لزيادة أهميتها السياسية وزرع الفتنة».
وأضافت جادون: رغم أن تنظيم داعش خراسان، شهد تراجعًا كبيرًا في قدرته على العمليات، منذ ظهوره لأول مرة، فإنه جدَّد عنفه خلال العامين الماضيين.
وقالت: «المصادر الأساسية لقوتها لا تزال قائمة، فهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى مجموعة كبيرة من المسلَّحين للتجنيد، وحدود يسهل اختراقها، وشبكة واسعة في باكستان»، مشيرة إلى أن «داعش في خراسان، ستواصل استخدام اتفاق السلام كدعاية ضد طالبان، وقد تحاول أيضًا تجنيد أعضاء أكثر راديكالية من طالبان، أو مسلَّحين آخرين يشعرون بالتهميش».
وقالت الأمم المتحدة: إن الجماعة «أُجبرت على تطبيق اللامركزية»، وهي تتكوَّن من خلايا منتشرة في جميع أنحاء البلاد، تعمل بشكل مستقل، لكنها تشترك في الأيديولوجية نفسها.
وجاء في تقرير الأمم المتحدة: «رغم الخسائر الإقليمية والقيادية والقوى البشرية والمالية خلال عام 2020، فإن تنظيم داعش خراسان، لا يزال يشكل تهديدًا لكل من الدولة والمنطقة على نطاق أوسع».
وقالت الأمم المتحدة: في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 وحدها، نفَّذ داعش 77 هجومًا في أفغانستان، في زيادة كبيرة عن الفترة نفسها من عام 2020، حيث بلغ عدد الهجمات التي أعلن تنظيم داعش خراسان، مسؤوليته عنها أو المنسوبة إليه 21.