الحرب الباردة.. أفضل خيارات واشنطن لمواجهة الصين

الحرب الباردة تعني منافسة شاملة، ما يسمح للولايات المتحدة بالمنافسة في المجالات التي تتمتع فيها بمزايا نسبية، مثل التمويل والتعليم العالي والهندسة المتقدمة، مشيرًا إلى أن هذه القوة الصلبة ضرورية، لكنها ليست كافية للفوز بقيادة القرن الحادي والعشرين

 الحرب الباردة.. أفضل خيارات واشنطن لمواجهة الصين
الرئيسان الصيني والأمريكي

ترجمات - السياق

رأى المؤرخ الأمريكي غابرييل شاينمان، أن الحرب الباردة الخيار الأفضل للولايات المتحدة في مواجهة الصين، مشيرًا إلى أن "المنافسة وليس التعاون، الوسيلة الأفضل لتجنُّب المواجهة العسكرية المباشرة".

وأوضح شاينمان -في تحليل لـ "وول ستريت جورنال"- أن الأزمات المشتعلة في أوكرانيا وتايوان، تذكرة للقادة بأن المشكلات الجيوسياسية لا تموت، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، سبق أن أعلن -أمام الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي- أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة، سواء مع الصين أم روسيا.

وذكر أن بايدن سعى إلى تقليص نطاق التنافس مع الصين، وتعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، إذ حذر أمام الأمم المتحدة، من أن التعاون الطريقة المسؤولة الوحيدة "لمواجهة التهديدات العاجلة مثل كورونا وتغير المناخ، أو التهديدات المستمرة مثل الانتشار النووي"، وقال إن عقلية الحرب الباردة يمكن أن "تتحول من المنافسة المسؤولة إلى الصراع، وهو ما يؤدي إلى كارثة عسكرية خطيرة".

وتعليقًا على هذه التصريحات، قال: "كان ذلك واضحًا في ذهن الرئيس بايدن في أغسطس، عندما برر انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بمقارنته مع فيتنام".

إلا أن الكاتب، وصف تصريحات بايدن، بأنها "نهج خاطئ"، لكون التنافس مع الصين، على طريقة الحرب الباردة نفسها، هو ما تحتاجه الولايات المتحدة.

تجنُّب الحرب

وأوضح الكاتب الأمريكي في تحليله، تفسيره لـ (خيار الحرب الباردة)، أن البعض تكهن بأن التطور التقني السريع في الأسلحة ذاتية الاستخدام، عبر الذكاء الاصطناعي، والروبوت، ستجعل تجنُّب الحرب صعب المنال، لكن الحرب الباردة استمرت ما يقرب من 4 عقود، من دون أن تتسبب في حرب عالمية ثالثة، حتى في ظل الثورة التقنية، التي جعلت التدمير المتبادل ممكنًا بضغطة زر.

وأشار إلى أن القوة العسكرية الأمريكية أسهمت في ردع الاتحاد السوفييتي السابق عن أي هجوم، بينما واجهت الاستثمارات الكبيرة لواشنطن -في الاستقرار السياسي والاقتصادي لدول مهمة، مثل اليابان وفرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا- التخريب والإكراه السوفييتي، مضيفًا: "لقد أثبت إطار العمل أن سباقات التسلح لا تؤدي بالضرورة إلى صراع مسلح".

ونوه شاينمان، إلى أن "الولايات المتحدة كانت في وضع أفضل اقتصاديًا وعسكريًا من الاتحاد السوفييتي بداية الحرب الباردة، حيث عانى الأخير كثيرًا خلال الحرب العالمية الثانية، نتيجة فقد نسبة كبيرة من البشر، وتراجع القدرة الإنتاجية"، وبذلك من الصعب على السوفييت إقامة أي تحالفات، إلا من خلال الخوف أو الإكراه أو الغزو.

وشدد الكاتب الأمريكي، على أن الولايات المتحدة في وضع جيوسياسي أقوى، حتى وإن كانت مكاسب الصين قد أدت إلى تآكل التفوق العسكري الأمريكي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها يمثلون 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وبيّن أن واشنطن متحالفة مع كل الدول الآسيوية تقريبًا، أو لديها علاقات ودية معها، مشيرًا إلى أن "القوة الناعمة الأمريكية" تؤكد جاذبية النظام الديمقراطي الأمريكي، وأسلوب الحياة الأمريكي، بعيدًا عن النظام السياسي القائم في بكين وموسكو.

مخاوف الصين

في المقابل، أشار الكاتب، إلى مخاوف صينية، تعيق تقدمها أمام الهيمنة الأمريكية العالمية، لافتًا الى أن الصين تخشى شعبها، حيث ارتفعت ميزانية الأمن الداخلي لبكين بشكل أسرع من ميزانية الدفاع الوطني، ورغم إظهار العاطفة الأسبوع الماضي بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في بكين، فإنه لا يوجد لدى الصين حلفاء رئيسيون، ويؤدي سلوكها إلى زيادة العلاقات غير الودية مع معظم الدول.

وأمام هذه التحديات، التي تواجهها الصين داخليًا وخارجيًا، شدد الكاتب، على أنه رغم أهمية ردع أي هجوم صيني ضد تايوان، فإنه ليس المقياس الوحيد لمن يمتلك موقعًا جيوسياسيًا أقوى.

وأوضح، أن الحرب الباردة تعني منافسة شاملة، ما يسمح للولايات المتحدة بالمنافسة في المجالات التي تتمتع فيها بمزايا نسبية، مثل التمويل والتعليم العالي والهندسة المتقدمة، مشيرًا إلى أن هذه القوة الصلبة ضرورية، لكنها ليست كافية "للفوز بقيادة القرن الحادي والعشرين".

واستشهد بالدوافع التي أدت في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي قائلًا: إنه "أواخر القرن العشرين، كان للقوة على الأرض الكلمة الأولى والأخيرة، لكن في النهاية كان الفساد الأخلاقي والنفاق الأيديولوجي للاتحاد السوفييتي هو الذي تسبب في انهياره، وحينها لم يستطع السيطرة والحكم على مواطنيه، إلا من خلال الخوف... لذلك عندما بدأ الخوف التصدع، لم يعد حكمه أكثر تماسكًا".

الاستبداد الصيني

أمام هذه التحديات التي تواجه الصين على غرار روسيا، رأى الكاتب أنه يتعين على الولايات المتحدة تسليط الأضواء على الطبيعة الاستبدادية للحزب الشيوعي الصيني، وتأكيد أن هناك طريقة أخرى من أجل حياة أفضل للصينيين، حيث تعد الولايات المتحدة موقعًا جذابًا للصينيين.

وأضاف: "لقد انتهى الأمر بأكثر من نِصف الباحثين الصينيين المتميزين بالانتقال إلى الولايات المتحدة، التي تضم الجامعات الأعلى تصنيفًا وشركات التكنولوجيا الأعلى ربحًا"، متابعًا: "قد تكون الصين قادرة على مواكبة الولايات المتحدة عسكريًا، لكنها لا تستطيع الاستمرار في منافسة واسعة ومستمرة على القلوب والعقول".

وقال: "إذا كانت المنافسة مع الصين تتعلق حقًا بمستقبل القرن الحادي والعشرين، ما إذا كانت الديمقراطية كعقيدة والتجربة الأمريكية كحضارة، يمكن أن تستمر في مواجهة أكبر تحد لها حتى الآن، فيجب على الولايات المتحدة أن تكون منتشية بآفاق الحرب الباردة".

وختم شاينمان، بالقول: "إذا كان التعاون المثمر خيالاً، والحرب الساخنة كابوسًا، فإن الحرب الباردة مع الصين، الحلم الواضح الذي على بايدن وخلفائه أن يتمسكوا به".