إسقاط العمائم... تكتيك جديد للمحتجين في إيران
من يجعلها تطير أكثر؟... إسقاط العمائم تكتيك جديد للثورة على النظام الإيراني يتحول إلى لعبة ومنافسة محمومة

السياق
بينما يكافح الإيرانيون -للأسبوع التاسع على التوالي- «قمع» السلطات الأمنية وتهديداتها المستمرة للمحتجين على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني، على يد ما تعرف بـ«شرطة الأخلاق»، لعدم التزامها بالقواعد الصارمة للباس، ابتكر المتظاهرون وسيلة أرَّقت النظام.
تلك الوسيلة، التي باتت بمنزلة تكتيك جديد، يستخدمه المحتجون المناهضون للنظام في إيران والمطالبون بإسقاطه، استهدفت رموز ذلك النظام من رجال الدين، الذين يعدونهم أدوات القمع والفساد والتخلف، مطالبين برحيلهم من الحكم وإعادتهم إلى المساجد والحوزات الدينية.
فما هذه الوسيلة؟
تحت وسم «تطيير العمائم»، يتسلل المتظاهرون الإيرانيون، وراء رجال دين ويسقطون العمائم عن رؤوسهم، كجزء من الاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة، التي وصفها المحتجون بـ«الاستبدادية» والتي تجعل الحجاب إلزاميًا.
وانتشرت صور لشبان إيرانيين يطرقون عمائم رجال الدين من على رؤوسهم، على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع اشتداد وتيرة الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني، وما تلاها من عمليات قتل وعنف بحق المتظاهرين.
ووثقت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو لتلاميذ مدارس وفتيات يضربون عمامة رجال الدين ويهربون، ففي أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت على نطاق واسع، يمكن رؤية فتاة تقترب من رجل يرتدي رداءً تقليديًا وتضرب عمامته البيضاء بقوة بما يكفي لسقوطها على الأرض، ثم ينحني رجل الدين ليلتقط غطاء رأسه، بينما تغادر المرأة من دون أن تستدير.
وتقول «إيران إنترشيونال»، في نسختها الإنجليزية، إن أحدث مظاهر الاحتجاجات في إيران، قلب عمائم رجال الدين، وذلك أمر مقلق للغاية للسلطات الإيرانية ولرجال الدين.
وأشارت إلى أن إلقاء عمامات رجال الدين، أثناء سيرهم في الشوارع، أصبح جزءًا من الموجة الحالية للاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء إيران، التي بدأت كرد فعل على وفاة مهسا أميني، مؤكدة أن الإيرانيين الأصغر سنًا، الذين سئموا محاولات الحكومة لإجبارهم على الالتزام بقواعد الحجاب ونمط الحياة المقيد، بدأوا الاحتجاجات والعصيان منتصف سبتمبر الماضي.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ الشباب والفتيات اقتلاع أو سرقة العمائم التي يرتديها رجال الدين، لأنهم يُنظر إليهم تقليديًا على أنهم رموز للنظام الإيراني، بصرف النظر عن ميولهم السياسية.
لعبة إسقاط العمائم
بعض المتظاهرين يستمتعون بذلك (إسقاط العمامة)، وباتوا يبتكرون اتحادًا وهميًا لها ويطلقون عليها رياضة جديدة، لدرجة أنهم توصلوا إلى فئات مختلفة ومعايير تسجيل، مثل المدة التي تبقى فيها العمامة في الهواء، والمسافة التي ستقطعها قبل أن تصل إلى الأرض.
ويضم حساب «الاتحاد» على "تويتر" أكثر من 30 ألف متابع، بحسب «إيران إنترشيونال» التي قالت إن مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، يقولون إن المرشد الأعلى علي خامنئي هو الهدف الأخير في «لعبة رمي العمامة».
وقد أجبرت هذه الظاهرة العديد من رجال الدين، على ربط عمائمهم تحت ذقونهم، أو استخدام أغطية أخرى للرأس لإبقائها على رؤوسهم أثناء سيرهم في الشوارع، بينما يسخر المحتجون من ذلك أيضًا، من خلال الاختراعات المزيفة الجديدة، التي يمكن أن تساعد رجال الدين في الحفاظ على عمائمهم بمكانها.
تم استخدام العمائم وغيرها من الملابس الإسلامية في إيران حتى قبل الثورة، لكن أنماط وجودة الملابس المستخدمة تغيرت مع صعود الملالي إلى السلطة.
كيف يراها المجتمع؟
هناك بعض الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي -حتى من المعسكر المناهض للنظام- يصفون هذه الخطوة بأنها ليست مدنية تمامًا وضد الحريات الشخصية، لكن معظمهم يرون أن هذا مجرد تحد لقواعد الدولة الصارمة، التي تبرر العنف ضد المرأة.
ومن المفارقات أنه في مجتمع شعرت فيه النساء بعدم الأمان بشأن مظهرهن، فقد حان الوقت لأن يفهم الملالي كيف شعرت النساء على مدى الأربعين عامًا الماضية، كما يقول مؤيدو «إسقاط العمامة».
ورأت الناشطة في مجال حقوق الإنسان، مديرة منظمة «العدالة من أجل إيران» في لندن المحامية شادي صدر، أن هذا التكتيك كان «عملًا شجاعًا وثوريًا»، مشيرة إلى أن «المحتجين يحقرون رجال الدين من دون اللجوء إلى العنف».
وأكدت أن المتظاهرين يستهدفون عمامة رجال الدين، كرمز للجرائم والفساد في الـ 43 عامًا الماضية، إضافة إلى الامتيازات التي يتمتع بها رجال الدين.
النظام يهدد
أثارت هذه الحركة الاحتجاجبة الجديدة ضجة بين مسؤولي النظام، بل إنها جعلت رجل الدين والسياسي الشيعي العراقي مقتدى الصدر يشعر بالقلق، من أن الاتجاه قد ينتشر إلى جانبه من الحدود، كشكل من أشكال الاحتجاج. وأصدر بيانًا يدين هذا الفعل، بعد أن بدأ العديد من الشباب العراقي يجرؤون على أصدقائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لقلب بعض العمائم.
وبينما دعت وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري، إلى مواجهة حازمة ضد كل من يهين ملابس رجال الدين، رأى رجل الدين محمد تقي نقد علي، عضو مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، أن ظاهرة إسقاط العمامة من على رؤوس رجال الدين «مؤامرة شيطانية»، ومن يفعلون ذلك «يلعبون بذيل الأسد».
وبينما يبدو أن تهديدات النظام أثمرت خطوات فعلية، قالت صحيفة إيران الحكومية إن قوات الباسيج اعتقلت شخصًا في الحي العاشر بطهران، بتهمة إسقاط العمائم عن رؤوس رجال الدين، وقال موقع صابرين نيوز، إن شخصًا آخر اعتُقل في مدينة بابل بتهمة إسقاط عمامة رجل دين.
قلق دولي
وتزايد القلق الدولي بشأن رد فعل إيران على الاحتجاجات، ما أدى إلى شكل جديد من التظاهرات، التي دفعت السلطات الإيرانية لتحذير المتظاهرين من الخروج من الشوارع، إلا أن تحذيراتها لم تجد قبولًا، بينما لا تزال جذوة التظاهرات مشتعلة.
وتتزايد مخاوف المواطنين من رد فعل إيران على المظاهرات نتيجة هذه الحركات «الفريدة» من نوعها لازدراء المؤسسة الدينية في البلاد.
ووفقًا للتقارير، قُتل مئات الأشخاص على أيدي قوات الأمن الإيرانية، خلال الاحتجاجات التي اندلعت عندما توفيت مهسا أميني، أثناء احتجازها من شرطة الأخلاق، بعد اعتقالها لارتدائها الحجاب بشكل غير لائق.
وشهدت إيران موجة من الاحتجاجات في أعقاب قتلها، فنزلت العديد من النساء إلى الشوارع دعماً للضحايا، بينما أحرقت تلميذات حجابهن، وقصّت شعرهن في كل مكان، احتجاجاً على ممارسات الشرطة الإيرانية وفرض الحجاب.
والنساء في إيران مجبورات على ارتداء الحجاب، الذي يغطي الرأس والرقبة ويخفي الشعر، منذ ثورة 1979، بينما تكافح الإيرانيات للتحرر من قيود الحجاب.