تركيا تعترف: المذكرة البحرية مع ليبيا ليست اتفاقية دولية... وتساؤلات عن البوصلة المفقودة في سوريا
هجوم برلماني حاد في تركيا على سياسة أنقرة في ليبيا... البوصلة المفقودة في سوريا جعلتها وسيطًا غير نزيه

ترجمات - السياق
بينما تعاني ليبيا أزمة سياسية متصاعدة، فاقمها الخلاف بين حكومتين، الأولى برئاسة فتحي باشاغا، الذي حاز ثقة مجلس النواب الليبي، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية، التي انبثقت عن اتفاقيات سياسية رعتها الأمم المتحدة، قبل أكثر من عامين برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وترفض تسليم السلطة إلا من خلال انتخابات رئاسية ونيابية.
تلك الأزمة المتفاقمة، التي تصاعدت وتيرتها في فترات، إلى أن وصلت للاشتباكات المسلحة بين مليشيات مدعومة من الحكومتين، كانت تركيا اللاعب الخفي فيها، بمساندتها لحكومة عبدالحميد الدبيبة، التي قدمت لها ما وُصفت بـ«تنازلات» أغضبت الداخل المحلي وقوى خارجية، بينها مصر ودول شرقي المتوسط.
كانت تركيا وقعت وحكومة الوحدة الوطنية، في أكتوبر الماضي، مذكرتي تفاهم في مجال عمليات التنقيب عن الغاز والاستثمار النفطي، أثارتا غضب البرلمان الليبي الذي عدها «غير قانونية ومنعدمة»، بينما أكد المجلس الرئاسي الليبي أن اتفاقيات مثل تلك «يجب اعتمادها من المجالس التشريعية الليبية».
الرفض لم يقتصر على قوى الداخل، بل إن مصر واليونان، أكدتا في بيان مشترك، أن حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.
تلك النقطة التي أثارتها مصر واليونان، وجدت صدى لدى تركيا في الداخل، أدى لاعتراف وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، بأن المذكرة البحرية مع ليبيا ليست اتفاقية دولية، لأن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة غير مصرح لها بالتوقيع.
هجوم برلماني حاد
وفي اجتماع اللجنة البرلمانية –الثلاثاء- بشأن ميزانية عام 2023، قال أوغلو، إن الاتفاقية البحرية الموقعة بين تركيا وليبيا عام 2019، مجرد مذكرة، وإنه لا يمكن الموافقة عليها من البرلمان الليبي.
كانت تركيا وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وقعتا عام 2019، اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري مثير للجدل في نوفمبر 2019، تسمح لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة شرقي البحر المتوسط، الأمر الذي أثار استياء اليونان والاتحاد الأوروبي.
وسأل النائب المعارض الرئيس، السفير السابق أونال تشفيكوز الوزير عما فعلته تركيا لإصدار مذكرة تفاهم قانونية وملزمة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبية، بشأن ترسيم حدود مناطق الاختصاص البحري في البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن تلك المذكرة لم تصدق من قِبل البرلمان الليبي.
وسلط شيفيكوز الضوء أيضًا على مذكرات التفاهم الأخيرة بشأن التنقيب عن الطاقة الموقعة في 3 أكتوبر الماضي في طرابلس، وتساءل عما إذا كانت صالحة بالبيئة غير المستقرة في ليبيا.
وقال شيفيكوز خلال اجتماع اللجنة البرلمانية، للوزير التركي: إن محاولاتك وحكومتك للوساطة في ليبيا، لم تسفر عن أي نتائج. تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال الهيدروكربونات بين تركيا وليبيا في 3 أكتوبر من هذا العام. ما تفاصيل هذه الاتفاقية الأخيرة مع ليبيا؟
وأضاف البرلماني التركي موجهًا حديثه لأوغلو: الاتفاقيات السابقة لم يتم التصديق عليها في مجلس النواب، ما الخطوات التي يتم اتخاذها لجعل هذه الوثائق سارية المفعول؟ نتمنى أن تجد ليبيا السلام والاستقرار في أسرع وقت ممكن.
البوصلة المفقودة
وتابع: في هذا السياق، ندعم حقوق تركيا ومصالحها من دون أي تردد، لكن بالنظر إلى التباين في ليبيا، يجب أن تصبح الاتفاقات قانونية، وبينما قال إنه يجب انتظار الخطوات التي يتعين اتخاذها، أشار إلى أن الطريق إلى ذلك ممكن، باتباع سياسة خالية من المقاربات الأيديولوجية، من دون الانحياز لأي طرف.
وشن البرلماني المعارض هجومًا على الوزير أوغلو وسياسة تركيا الخارجية قائلًا: كانت لأنقرة القوة والسمعة لتكون وسيطًا في ليبيا، لكن البوصلة المفقودة في سوريا تمنع للأسف هذا الوضع. هذا ضروري لأمن كل من القارة الإفريقية وشرقي البحر المتوسط.
وقال شفيكوز إنه كان من الخطأ أن تنحاز تركيا إلى جانب من القوات في ليبيا لأسباب أيديولوجية، مشيرًا إلى أن أنقرة فقدت دورها كوسيط، وألحقت الضرر بسمعتها بسبب الأخطاء التي ارتكبتها في سوريا.
أوغلو يرد
ورداً على انتقادات تشفيكوز، قال شاويش أوغلو إن الحكومات الليبية المؤقتة قد تم إنشاؤها بموجب مبادرات الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنها غير مخولة بتوقيع الاتفاقيات الدولية، لكنها قادرة على توقيع المذكرات.
وأخبر أوغلو النواب بأن تركيا وافقت على مذكرة 2019 في برلمانها لأن مذكرة التفاهم تضمنت إنشاء منطقة اقتصادية في البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن الحكومات المؤقتة في ليبيا ليست ملزمة بموافقة البرلمان على المذكرات.
وأضاف أنه على غرار تركيا، وقَّعت مصر أيضًا مذكرات تفاهم مع ليبيا، ولم يشعر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، بقلق شديد، مؤكدًا أن أنقرة طورت علاقات ليس فقط مع حكومة طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة، لكن أيضًا مع قوى المعارضة في طبرق.
نفط ليبيا... مهم لتركيا
ويقول موقع «نورديك مونيتور السويدي»، إنه ليس سراً أن موارد النفط والغاز الليبية، إضافة إلى دعم الحكومة الليبية المقربة أيديولوجياً من أنقرة، عوامل مهمة في مصلحة تركيا.
وكشف أردوغان، في مؤتمر صحفي مشترك مع فايز السراج رئيس الوزراء السابق لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة في أنقرة 4 يونيو 2020، عن خطته لاحتياطات النفط الليبية، قائلًا: «نهدف إلى توسيع تعاوننا بما في ذلك عمليات التنقيب والحفر للاستفادة من الموارد الطبيعية في الأراضي الليبية».
ونشرت "نورديك مونيتور" نسخة من الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا، التي تحدد الجرف القاري التركي الليبي وإحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة.
كانت الاتفاقية محل انتقادات خاصة من دول مثل مصر واليونان وقبرص في منطقة البحر المتوسط.
وينص الاتفاق على أن كلًا من تركيا وليبيا قد حددتا ترسيمًا دقيقًا ومنصفًا لمناطقهما البحرية في البحر المتوسط، حيث يمارس الطرفان السيادة والحقوق السيادية والولاية القضائية، وفقًا لقواعد القانون الدولي المعمول بها، مع مراعاة الظروف ذات الصلة.
ويشير الاتفاق إلى تحقيق حلول عادلة ومقبولة للطرفين للقضايا المذكورة أعلاه، من خلال المفاوضات البناءة وبروح العلاقات الطيبة والودية، مؤكدًا أن مذكرة التفاهم ستسهم في تعزيز العلاقات، وتشجيع المزيد من التعاون بين الطرفين، لما فيه مصلحة البلدين.