انفجار ساحة تقسيم.. كيف تحوَّل الشارع المكتظ بالسائحين إلى منطقة حرب في دقائق؟
قالت الشرطة إن المتهمة اعترفت بأنها تصرّفت بناءً على أوامر حزب العمال الكردستاني، وتلقّت تعليمات في كوباني شمال شرقي سوريا

السياق
«ما حدث بدا وكأنها تداعيات منطقة حرب... تفرق الناس على الفور، تناثرت جثث الضحايا والإصابات الخطيرة في الشارع»، مشاهد حوَّلت الأحد الهادئ في تركيا، المزدحم بالسياح، إلى حدث مروِّع تناقلته وسائل الإعلام من كل حدب وصوب، وأدانته أغلبية الدول.
ذلك الحادث، الذي أودى بحياة ستة أتراك وأصاب العشرات، وأعاد شبح الهجمات الدامية التي تعرضت لها تركيا، التي كان آخرها عام 2016، تفاعلت معه السلطات التركية بحملة ألقت فيها القبض على العشرات بينهم سورية.
فماذا حدث في الساعات الماضية؟
استهدف هجوم «إرهابي» وقع نحو الساعة 16.20 (13.20 ت.غ)، قلب اسطنبول النابض، المدينة الرئيسة والعاصمة الاقتصادية لتركيا، مسفرًا عن ستة قتلى على الأقل في شارع الاستقلال التجاري المزدحم، إضافة إلى 81 مصابًا.
وانتشرت بعد الانفجار مباشرة شائعات عن هجوم انتحاري، من دون أي تأكيد ولا دليل، ولم تتبنَ أي جهة تنفيذ الهجوم حتى الساعة.
وقالت مراسلة «بي بي سي» أورلا غيرين، الموجودة في المنطقة، إنه كان هناك حضور مكثف للشرطة حول شارع الاستقلال، الذي تم تطويقه، مشيرة إلى أن طائرات الهليكوبتر كانت تحلق في سماء المنطقة، بينما كانت سيارات الإسعاف تتحرك ذهابًا وإيابًا.
وأضافت: العديد من أصحاب المتاجر الواقفين عند مداخلهم في الشارع المزدحم عادة بدوا مذهولين، مشيرة إلى أن الحادث كان صدمة للكثيرين في المدينة.
وقالت حياة، التي كانت في مقهى إنترنت بشارع الاستقلال عندما وقع الانفجار، إن الاضطرابات اندلعت في أعقاب الانفجار، مضيفة: «رأيت الناس يركضون وكان الجرحى يمرون بمقهى الإنترنت باتجاه المستشفى، لقد كان جنونًا».
وقال أيوب البالغ من العمر 20 عامًا لـ«بي بي سي»، إن «هناك خوفًا بين سكان اسطنبول عقب الهجوم»، مضيفًا أن المزيد من الناس قد يختارون الابتعاد عن المناطق المزدحمة مثل تقسيم.
وقال شاهد العيان كمال دينيزجي (57 عامًا) لوكالة فرانس برس: «كنتُ على بُعد 50 إلى 55 مترًا، دوى فجأة انفجار. رأيتُ ثلاثة أو أربعة أشخاص على الأرض».
وأضاف: كان الناس يركضون مذعورين. كان الصوت قويًا. وتصاعد دخان أسود. الصوت كان قويًا جدًا، يصمّ الآذان تقريبًا».
وأظهرت مشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي للحظة وقوع الانفجار، ألسنة لهب وقد سُمع الدوي من مكان بعيد وأثار موجة ذعر، بينما امتلأت السماء بالدخان الأسود وجثث على الأرض.
منطقة حرب
وقال شاهد عيان يدعى طارق قبلاوي، في تصريحات لـ«سي إن إن»، إنه كان يتسوق في شارع الاستقلال عندما وقع الانفجار أمامه بقرابة 10 أمتار (32.8 قدمًا)، مشيرًا إلى أن ما حدث بدا وكأنها تداعيات حرب.
وأضاف قبلاوي، وهو صحفي لبناني كان يقضي إجازته الأخيرة في المدينة: «تفرق الناس على الفور»، مضيفًا: «بعد فترة وجيزة، تمكنت من رؤية عدد الجرحى على الأرض»، مشيرًا إلى أنه رأى جثثًا وضحايا أصيبوا بجروح خطيرة.
وتابع قبلاوي: «كان هناك رجل في المتجر ينزف من أذنيه وساقيه، وكان أصدقاؤه يبكون بالقرب منه»، مشيرًا إلى أن شارع الاستقلال كان مكتظًا بالزوار عندما وقع الانفجار بعد ظهر الأحد.
واستطرد: «انتقلت الأمور بسرعة كبيرة من يوم أحد هادئ للغاية مع شارع مزدحم مليء بالسياح، إلى ما بدا وكأنها تداعيات حرب».
وبعد الانفجار أغلقت متاجر كثيرة في حي غالاتا المجاور، قبل دوامها المعتاد، بينما قال شهود عيان إن بعض المارة وصلوا راكضين من مكان الانفجار والدموع في أعينهم. ومع حلول الظلام، كانت الباحات الخارجية للمطاعم في هذا الحي السياحي شبه فارغة.
كيف تعاملت السلطات التركية؟
سارع رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو إلى المكان، وكتب على تويتر: «أطلعتني فرق الإطفاء في شارع الاستقلال على الوضع. إنها تواصل عملها بالتنسيق مع الشرطة»، مقدّمًا تعازيه لأقرباء الضحايا.
وحظر المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع بسرعة على وسائل الإعلام، بث مشاهد من مكان الانفجار، بينما عزا مدير المكتب الإعلامي الرئاسي والمستشار القريب من أردوغان، فخر الدين التون، ذلك إلى «منع بث الخوف والرعب والاضطراب في المجتمع وتحقيق أهداف التنظيمات الإرهابية»، مؤكدًا أن «كل هيئات دولتنا ومؤسساتها تجري تحقيقًا سريعًا ودقيقًا وفعّالًا في الحادثة».
بينما حُجبت مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بعد الانفجار، حسب موقع نيتبلوكس لرصد شبكة الإنترنت.
وتحدث وزير العدل التركي بكر بوزداغ عن «حقيبة» وُضِعت على مقعد، قائلًا: «جلست امرأة على مقعد أربعين إلى 45 دقيقة ثم وقع انفجار. كل المعطيات عن هذه المرأة قيد الدرس».
وفي تصريح بث مباشرة على التلفزيون التركي، ندّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ«الاعتداء الدنيء»، مؤكدًا أن «المعلومات الأولية تشير إلى اعتداء إرهابي»، لافتًا إلى أن «امرأة قد تكون متورطة».
وتعهد الرئيس التركي بـ«كشف هوية مرتكبي هذا الهجوم الدنيء. فليتأكد شعبنا أننا سنعاقب المنفذين».
واتّهم نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي مساء الأحد –كذلك- «امرأة بتفجير قنبلة»، من دون أن يحدد ما إذا كانت من بين القتلى.
فمن هذه المرأة؟
قالت شرطة اسطنبول –الاثنين- إنها ألقت القبض على 46 شخصًا في ما يتعلق بالهجوم، بينهم سورية تدعى أحلام البشير، يشتبه في أنها هي التي زرعت القنبلة.
وأضافت الشرطة أن المرأة قالت -في استجواب أولي- إنها تلقت تدريبًا على يد مسلحين أكراد في سوريا، ودخلت تركيا عبر منطقة عفرين بشمالي غرب سوريا.
وقال مسؤول تركي كبير إن السلطات التركية تعتقد أن الذي نفذ هجوم اسطنبول أمس الأحد مرتبط بالمسلحين الأكراد، لكنها لا تستبعد وجود روابط مع تنظيم داعش.
وأبلغ المسؤول "رويترز" بأن النتائج الأولية تشير إلى أن الشخص لديه علاقات بحزب العمال الكردستاني، الذي يعد منظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقال وزير الداخلية سليمان صويلو إن الأمر بالهجوم على شارع الاستقلال في اسطنبول صدر في مدينة كوباني بشمالي سوريا، حيث قامت القوات التركية بعمليات ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية في السنوات الأخيرة، مضيفًا أن منفذ التفجير مر عبر عفرين، وهي منطقة أخرى بشمالي سوريا.
وأسفر الهجوم عن قتل ستة أتراك، كل اثنين منهم ينتميان لعائلة واحدة. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الحادث، بينما أظهرت تقارير إخبارية تلفزيونية صورا لامرأة تترك صندوقا أسفل حوض زهور مرتفع بشارع الاستقلال التاريخي، الذي يحظى بشعبية بين المتسوقين والسياح ويمتد به خط للترام.
وذكرت تقارير أن الشابة تُدعى إلهام البشير ودخلت بطريقة غير مشروعة إلى تركيا، مرورًا ببلدة عفرين شمالي شرقي سوريا التي يسيطر عليها جنود أتراك وسوريون.
بينما قالت الشرطة إن المتهمة اعترفت بأنها تصرّفت بناءً على أوامر حزب العمال الكردستاني، وتلقّت تعليمات في كوباني شمال شرقي سوريا.
كانت العبوة التي انفجرت مكونة من مادة «تي إن تي شديدة القوة»، وفق الشرطة التي أكّدت أنها عثرت في هذه الشقة على مبلغ كبير باليورو وعملات ذهبية في كيس، إضافة إلى مسدس وخرطوش.
ماذا عن شارع الاستقلال؟
شارع الاستقلال الواقع في الحي التاريخي لمنطقة بيوغلو، أحد أشهر الشوارع في اسطنبول ويمتدّ على مسافة 1.4 كلم وهو مخصص للمارة.
يمر وسطه قطار ترام قديم، وتصطف على جانبيه متاجر ومطاعم، ويرتاده نحو ثلاثة ملايين شخص في اليوم، خلال عطلة نهاية الأسبوع. وسبق أن شهد الشارع في مارس 2016 هجومًا انتحاريًا أسفر عن أربعة قتلى.
إدانات دولية
أثار هذا الاعتداء، الذي يأتي قبل سبعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إدانات عدة من باكستان إلى الهند ومن إيطاليا إلى ألمانيا، حيث تقيم جالية تركية كبيرة، وكذلك من السعودية وقطر والكويت والبحرين والأردن.
ونددت الولايات المتحدة بالتفجير، بينما قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار: «نقف في وجه الإرهاب جنبًا الى جنب مع تركيا حليفتنا في حلف شمال الأطلسي».
إلا أن أنقرة رفضت إدانتها، قائلة على لسان فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، إن تلك الهجمات «نتيجة مباشرة وغير مباشرة للدعم الذي تقدِّمه بعض الدول للمنظمات الإرهابية»، وشبه صويلو التعازي الأمريكية «بالقاتل الذي يكون بين أوائل الواصلين إلى مسرح الجريمة».
وفي تغريدة باللغة التركية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «الألم الذي يصيب الشعب التركي الصديق هو ألمنا»، بينما خاطب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأتراك، قائلًا: «نشاطركم ما تشعرون به من ألم. نقف إلى جانبكم في مكافحة الإرهاب».
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال: «كل أفكارنا مع شعب تركيا في هذه اللحظات الصعبة»، بينما أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي عن «التضامن مع حليفنا». وصدر الموقف نفسه من السويد المرشحة لعضوية الحلف.
وغرَّد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ باللغتين التركية والإنجليزية قائلًا: «بعد أن شعرت بالصدمة من أنباء التفجير الدنيء في اسطنبول الذي استهدف المدنيين الأبرياء(...) يجب على العالم كله أن يقف بشكل حازم وموحد ضد الإرهاب».
وعبَّـرت أثينا عن «تعازيها الحارّة للحكومة والشعب التركيين» رغم علاقاتها المتوترة مع أنقرة.
إدانات عربية
وأدانت دولة الإمارات بشدة، التفجير الإرهابي وسط منطقة بيوغلو في اسطنبول، ما أسفر عن قتل وإصابة عشرات المدنيين.
وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن دولة الإمارات تعرب عن استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب، التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية.
وأعربت الوزارة، عن خالص تعازيها لحكومة الجمهورية التركية وشعبها الصديق، ولأهالي وذوي ضحايا هذه الجريمة النكراء، وتمنياتها بالشفاء العاجل لجميع المصابين.
بدورها، أدانت وزارة الخارجية المصرية، بأشد العبارات، حادث التفجير الإرهابي الذي وقع بمدينة اسطنبول التركية، معربة عن خالص تعازيها لذوي الضحايا والشعب التركى الصديق والجمهورية التركية، متمنية الشفاء العاجل للمصابين.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، موقف مصر الثابت الذى يرفض كل أشكال العنف والإرهاب، مهما كانت مسبباته، داعية جميع الدول إلى التضامن فى مواجهة هذه الظاهرة البغيضة وتجفيف منابع دعمها، مادياً أو فكرياً، أو بأى شكل من الأشكال.