غموض يكتنف ميزانية التقشف... هل أصبحت بريطانيا رويتانيا؟

في حين أن رواتب القطاع الخاص أعلى بشكل جزئي، من حيث القيمة، مما كانت عليه عام 2010، إلا أن الأجور الحقيقية لموظفي هيئة الخدمات الصحية، أصبحت أقل بنسبة 5% مما كانت عليه في ذلك الوقت.

غموض يكتنف ميزانية التقشف... هل أصبحت بريطانيا رويتانيا؟

ترجمات - السياق

بلد بات يترنح من «الجروح» التي أثقلت كاهله على مدى الـ12 سنة الماضية من حكومة حزب المحافظين، التي أوجدت -بشكل تراكمي- اقتصادًا صغيرًا للغاية، بالنسبة للآمال المعلقة عليه.

إنها بريطانيا التي على أبواب أزمة اقتصادية، تطلب النجاة منها إلى الانتعاش الاقتصادي خطوات، أولاها قول الحقيقة، والاعتراف بالأخطاء، كما يقول ويل هوتون، كاتب عمود في صحيفة الأوبزرفر البريطانية، مشبهًا إياها بمملكة رويتانيا الخيالية.

الكاتب البريطاني يضيف في مقاله بصحيفة الغارديان البريطانية ترجمته «السياق»، إن بيان الخريف لوزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت، قد يكون تجنَّب جولة جديدة من الأخطاء الكارثية، لكن لم يكن هناك تمويه للفوضى التي ورثته، مضيفًا أن بلاده تواجه لحظة الحساب.

كان جيريمي، أعلن في 17 نوفمبر الحالي -أمام البرلمان- الميزانية التقشفية، التي تضمنت زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام، ما عدتها الأسواق بمنزلة «طريق تقليدي» لاستعادة الثقة بالاقتصاد البريطاني.

ويقول كاتب المقال، إن هناك إرثًا من التقشف المتهور للمستشار السابق جورج أوزبورن، مشيرًا إلى أن الخدمات العامة مضغوطة للغاية، كما أعلن معهد الحكومة.

 

أجور أقل

وساخرًا قال هوتون، إنه ببساطة لم يتبق أي سمين، مشيرًا إلى أنه في حين أن رواتب القطاع الخاص أعلى بشكل جزئي، من حيث القيمة، مما كانت عليه عام 2010، إلا أن الأجور الحقيقية لموظفي هيئة الخدمات الصحية، أصبحت أقل بنسبة 5% مما كانت عليه في ذلك الوقت.

وأضاف أنه بينما يعاني الأطباء والاستشاريون لأن رواتبهم أقل بـ10%، تجد هذه القصة مماثلة في جميع أنحاء القطاع العام ومن المرجح أن تزداد حدة بعد بيان الخريف، مع افتراضه أن الأجور يجب أن ترتفع 2% في عصر التضخم الذي بلغ 9.1% هذا العام و7.4% العام المقبل.

وأشار الكاتب البريطاني إلى أنه ما لم يتم تصحيح التضخم، فإن هروب الموظفين يعني أن قطاعات من الخدمات العامة لا يمكن إلا أن تنفجر من الداخل.

قضية أخرى أشار إليها الكاتب البريطاني هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي قال إنه لم يُجبر أولئك الذين دافعوا عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي -كما تتطلب القواعد في الديمقراطيات الأخرى التي تنشر الاستفتاءات- على توضيح ما يعنيه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وبسبب الغموض، كان هناك ما يكفي من تصديق ادعاءات رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون، بأن بريطانيا يمكن أن تتمتع بمزايا التجارة مع أوروبا من دون أي مطالب متبادلة، يقول الكاتب البريطاني، مشيرًا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بات أصعب، بينما النتائج التي يمكن أن يراها الجميع من بنك إنجلترا كارثة ذاتية.

ويقول الكاتب البريطاني، إنه لا يستطيع عقل حزب المحافظين فهم فكرة أن الخدمات العامة عالية الجودة تلبي الاحتياجات الحقيقية ويجب دفع ثمنها، مشيرًا إلى أن هناك لعنة حزب المحافظين لفرض الضرائب، على الشاشة الوحشية في مواجهة الجهد المشين على تجميع الموارد لحل اليانصيب بشأن كيفية دفع تكاليف الرعاية في الشيخوخة بشكل عادل.

وأوضح أن «ساحتنا العامة الوطنية مليئة بالخيال القائل إن بريطانيا المتفوقة على العالم، يمكن أن تصبح اقتصادًا منخفض الضرائب»، مضيفًا أن هذا ليس ضربًا عالميًا، «فبالنظر إلى شيخوخة سكاننا، ومع الفائدة على ديننا القومي القريبة من 100 مليار جنيه استرليني، ليست هناك فرصة لأن نصبح اقتصادًا منخفض الضرائب».

وتابع الكاتب البريطاني: لقد تركت لبنوك الفكر مثل معهد الدراسات المالية ومؤسسة ريزوليوشنز لتقول ما لن يعترف به أي عضو برلماني من حزب المحافظين أو صحيفة ذات ميول يمينية، مشيرًا إلى أن الضرائب في هذا المستوى موجودة لتبقى، لأنها يجب أن تظل، رغم أنها ليست مرتفعة بشكل خاص وفقًا للمعايير الأوروبية، وإذا تم تصميمها بشكل صحيح، لن يكون لها تأثير رادع في الاقتصاد.

 

أسباب ارتفاع الضرائب

وأكد ويل هوتون، أن الضرائب ارتفعت بسبب انهيار نموذج النمو البريطاني السابق، الذي يعتمد على النمو الائتماني غير المستدام والاستثمار الداخلي، المرتبط بكون المملكة المتحدة أفضل موقع للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن الأزمة المالية 2008-2009 وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دفعت ثمنها.

وأشار إلى أن الحديث عن استغلال فرص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «مجرد ثرثرة»، فالتجارة آخذة في الانكماش ومعها الاستثمار الخاص، مؤكدًا أنه لا توجد خطة، ولا رؤية، ولا استراتيجية، ولا بنية مؤسسية يمكن أن تقدم أفضل، ولا شيء متوقع.

وأكد الكاتب البريطاني، أن الحكومة حصان التمثيل الإيمائي، فوزارة الداخلية تقول إن الهجرة ستنخفض «لكنها تعمل بالمستوى نفسه الذي كنا عليه عندما كنا في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي باعتبارها ضرورية».

 

مملكة رويتانيا

وأضاف أن ضريبة المجلس تتصاعد إلى أعلى مستوياتها منذ 20 عامًا، بناءً على قيمة الممتلكات التي تم تقييمها لآخر مرة عام 1991، مشيرًا إلى أن  قبل ثمانية أسابيع، وعد وزير المالية المحافظ بأكبر تخفيضات ضريبية منذ 40 عامًا.

الآن، في مواجهة الواقع، هناك انعكاس مناسب على المقياس نفسه. حتى تلك المملكة الخيالية روريتانيا لا تستطيع أن تفعل ما هو أسوأ، فلا يوجد نمو من دون طفرة في الاستثمار، التي يجب أن تكون هناك أفكار لدعمها وتمويلها.

وبينما قال إن ابتكار نموذج نمو جديد يمثل تحديًا، لكن الأساس يجب أن يكون صادقًا، مشيرًا إلى أن حزب المحافظين اليوم غير قادر على ذلك، فلقد انهار إلى كونفدرالية من الطوائف المتعارضة التي توحدت فقط في الكراهية المتبادلة، مع وجود عنصر مهم يعيش في خيال ما يمكن أن تكون عليه بريطانيا وكيف يعمل الاقتصاد.

وأكد الكاتب البريطاني، أنه لا يجرؤ حتى أفضل قادتها على قول الحقيقة، خوفًا من إثارة حرب أهلية، مشيرًا إلى أن نحو 40 عضوًا اجتمعوا في البرلمان من حزب المحافظين، الأربعاء الماضي، لمناقشة كيفية استعادة بطلهم.

وتابع: لا عجب في أن هانت، أقرب حزب المحافظين إلى سياسي نزيه، لا يمكنه الاعتراف بأضرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعليه أن يستنكر الهراء القائل إن الصفقات التجارية مع بقية العالم ستعوض بمرور الوقت ما فقده، كما فعل في برنامج Today على راديو 4.

وأشار إلى أن هانت تظاهر خطابه بشأن الميزانية بأن الإنفاق الرأسمالي كان محمياً بينما في الواقع تم تخفيضه، حيث عانت إدارة التسوية أكبر تخفيض حقيقي، وبنيت على افتراضات مستحيلة عن أجور القطاع العام.

 

محادثة وطنية

تحتاج بريطانيا إلى محادثة وطنية جادة بشرط أن يقول الحقيقة، فلا يوجد نمو من دون طفرة في الاستثمار، يجب أن تكون هناك أفكار لدعمها وتمويلها وأسواقها للدخول، مشيرًا إلى أن شخصيات بارزة في مدينة لندن عرضت فكرة إنشاء صندوق الثروة الوطني.

ودعا كبير المسؤولين العلميين السير باتريك فالانس، إلى إنشاء صندوق سيادي لدعم توسيع نطاق العلوم والتكنولوجيا، بينما بدأت الأسواق المحلية تحث على ضرورة الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.

لكن ليس هناك طريق سريع، حتى تصبح المحادثة السياسية الأوسع صادقة - مستحيلة في المناخ السياسي الحالي، فلا توجد قاعدة ضريبية قابلة للتطبيق مع نظام ضرائب على الممتلكات، على أساس القيم السكنية البالغة من العمر 30 عامًا، ولا توجد خطة نمو قابلة للتطبيق تعمل مع الاستبعاد من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، ولا يمكن بناء خدمات عامة من الدرجة الأولى على أجور الدرجة الثالثة.

وختم الكاتب البريطاني مقاله: «يعرف الأفضل في كل من المقاعد الأمامية في بريطانيا هذه الحقائق. حان الوقت للاعتراف بهم وأكثر. دعونا نترك روريتانيا وراءنا».