تفاصيل صغيرة في المحادثات النووية الإيرانية تمثل مشكلة كبيرة لبايدن
أثار احتمال شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، لأن الحرس الثوري الإيراني الذراع الرئيسة لسياسة طهران الخارجية العدوانية، وهو الذي يمول الوكلاء النشطين في العراق واليمن ولبنان.

ترجمات - السياق
في ظل الحرب الروسية بأوكرانيا، وصلت المفاوضات التي كانت تهدف لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني إلى طريق مسدود، إذ إنه بعد شهرين من مغادرة المفاوضين فيينا (مكان عقد المفاوضات)، تحولت الموجة الأولية من التفاؤل والادعاءات بأن الصفقة "وشيكة" إلى تصريحات عن مخاوف وعن الجهود الأخيرة لإنقاذ المحادثات، وأضاف هورويتز، بحسب المحلل الجيوسياسي والأمني مايكل هورويتز.
وأشار هورويتز في مقال لـ"ذا ناشيونال" الإمارتية، إلى أن العقبة الأخيرة -التي شهدتها المحادثات- كانت مطالبة إيران بإلغاء تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري ككيان إرهابي، كما تصر طهران على أن أي اتفاق لتقليص أنشطتها النووية يجب أن يشمل رفع العقوبات الأمريكية عن الحرس الثوري.
تعثر المفاوضات
بالنظر إلى مدى الاقتراب من إتمام المفاوضات عند وقفها، في ظل التقارير التي أفادت بأن الاتفاق تمت صياغته بالفعل وكان ينتظر التوقيع فقط، فإن حقيقة أن المحادثات قد تعثرت بسبب مثل هذه المسألة المحدودة قد تبدو مفاجئة لأي شخص من الخارج، لأن واشنطن أظهرت استعدادها للتحلي بالمرونة، ووضعت قضية إعادة الدخول في الاتفاقية النووية لعام 2015 على رأس أولويات سياستها الخارجية، كما أن شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية سيكون له تأثير اقتصادي محدود نسبياً في طهران، لأن الجماعات الفرعية التابعة له والمسؤولين عنه مستهدفون بعقوبات أيضاً".
ورأى هورويتز أن هذه القضية أهم بكثير مما تبدو، فقد أثار احتمال شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، لأن الحرس الثوري الإيراني الذراع الرئيسة لسياسة طهران الخارجية العدوانية، وهو الذي يموِّل الوكلاء النشطين في العراق واليمن ولبنان، ويتصرف -في بعض الأحيان- بشكل فردي ضد حلفاء الولايات المتحدة.
إزالة التصنيف
وفقاً للكاتب، فإن معارضة إزالة التصنيف الإرهابي تأتي أيضاً من داخل الولايات المتحدة، حيث أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً غير مُلزِم يحظر على إدارة بايدن رفع التصنيف مقابل العودة إلى الصفقة، فضلاً عن أنه في الوقت الذي أظهرت فيه الأزمة الأوكرانية أن الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين حقيقية، ينبغي أن تؤخذ إمكانية زيادة إبعاد هؤلاء الحلفاء عن واشنطن على محمل الجد.
وأضاف: "وهذا يفسر جزئياً سبب رفض إدارة بايدن -حتى الآن- شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمتها، إذ تعد القضية مسألة المبدأ، لأنه من خلال طلب شطب الحرس الثوري، فإن طهران تقدم مطالب تتجاوز نطاق الاتفاق النووي، وقد يكون ذلك مقبولاً إذا كانت مستعدة -في المقابل- لتقديم تنازلات، بما في ذلك ما يتعلق بنفوذها الإقليمي وتمويل الجماعات المسلحة في المنطقة، فرغم أن الأوروبيين طلبوا منها تنازلاً ضئيلاً للغاية، وهو أنه يتعين عليها فقط الالتزام بوقف التصعيد، فإنها مع ذلك رفضت هذا التنازل.
وذكر الكاتب: صحيح أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال الاتفاق الجديد إلى إعادة فرض قيود على برنامج إيران النووي، لكن جهودها للتفاوض على هذا الاتفاق تنبع أيضاً من وجهة نظر مفادها أن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن الشرق الأوسط، وأن الاتفاق النووي سيساعد واشنطن في ذلك، إذ كان الافتراض الضمني وراء مرونة الولايات المتحدة وحملتها الدبلوماسية لضمان العودة إلى الصفقة بأي ثمن، هو أنه سيؤدي إلى تغيير سلوك إيران، وسيساعد في تهدئة التوترات الإقليمية ومعالجة القضايا التي تراها إدارة بايدن أكثر إلحاحاً، إذ إن هذا الاتفاق لا يعد بالنسبة لواشنطن الكرز الموجود أعلى الكعكة، لكنه الكعكة نفسها.
خياران أمام أمريكا
قال الكاتب: بالنظر لهذا السياق، فإن الولايات المتحدة أمامها خياران فقط، الأول: المضي قدماً في الوصول إلى حل مبتكر، ورفع بعض العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني كحل وس، إذ يجرى حالياً بذل جهود دبلوماسية بعد زيارة مبعوث الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا إلى إيران، كما أن هناك مبادرة قطرية قد تساعد في إيجاد حل وسط للجانبين لحفظ ماء الوجه، أما الخيار الثاني فيتمثل في الموافقة على مناقشة مسألتي تصنيف الحرس الثوري الإيراني والنفوذ الإقليمي لإيران بشكل منفصل، الأمر الذي من المرجح أن يرضي الولايات المتحدة.
وتساءل الكاتب عن مدى احتمال الخيار الثاني مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن التوصل إلى مجرد اتفاق بسيط للغاية استغرق أشهراً من المفاوضات، فضلاً عن النطاق المحدود للولايات المتحدة بسبب الحرب في أوكرانيا، مجيباً أن الأمر يبدو غير مرجح بشكل كبير، لأن إيران لا تريد مناقشة نفوذها الإقليمي مع الولايات المتحدة، وهو أحد الأسباب التي تجعلها تسعى إلى رفع التصنيف كجزء من المحادثات النووية.
وأضاف: "كما يعتقد الإيرانيون أيضاً أنهم في وضع يمكنهم من انتزاع تنازلات إضافية من واشنطن، إذ يمكن لطهران أن تزيد حدة هجماتها وتصعيدها كوسيلة للضغط على واشنطن، لاسيما أن التصعيد الإقليمي هو تحديداً ما تسعى إدارة بايدن إلى تجنُّبه، وما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للرد على الاستفزازات الإيرانية، وهو ما لم تفعله منذ أشهر، رغم حقيقة أن بعضها كان موجهاً لجنودها ومصالحها، فإنه يمكن لطهران أن تشعر بالثقة بأن هذه الديناميكية تصب في صالحها".
ونهاية المقال، رأى هورويتز أن هذه المسألة ستكون لها أهمية حاسمة، لأن رفض إيران الالتزام بخفض التصعيد يلغي إحدى الفوائد الرئيسة، التي كانت إدارة بايدن تتوقعها من الصفقة، سواء اعترفت بها أم لا، كما أن الولايات المتحدة معرضة لخطر ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبته إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عندما وقَّعت ما تسمى "خطة العمل المشتركة الشاملة" (الاسم الرسمي للاتفاق النووي) وتجاهلت حقيقة أن هذه الاتفاقية لم تكن شاملة، فضلاً عن تخليها عن النفوذ الذي كانت تحتاج إليه للتفاوض بشأن القضايا الحاسمة المتعلقة بنفوذ إيران الإقليمي.